No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

10 أغسطس 2023
10 أغسطس 2023

الذين يسجلون في برنامج «تبرع بالأعضاء بعد الوفاة» وهو لمن يتوفى دماغيا وقد تحدث لهم هذه الوفاة وقد لا تحدث، هل يأخذون أجر نيتهم على التبرع؟

نعم، هذا مشمول بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات» وحديثه الآخر: «نية المؤمن خير من عمله» قكيف إذا كانت النية إنقاذ الأنفس، وربنا سبحانه وتعالى يقول: «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» وهذا يكون قاصدا لأن يتبرع بما أباحه له الشرع الحنيف ليحيي أنفسا ولينقذ بعض النفوس من الهلكة وليعيد إليهم الصحة دونما ضرر به لأنه إذا كان التبرع حالة الحياة بما لا مضرة عليه فيه جائزا شرعا، فإن هذا الاعتبار وهو حصول ضرر عليه في حالة الوفاة منتفٍ أصلا، وهذا التصرف في ذاته مرخص شرعا، من جهة إحياء الأنفس وإنقاذها، ومن جهة انتفاء الضرر وانتفاء المانع الشرعي فيه، لكن ما يتعلق بنيته فظاهر الأمر أنه يؤجر عليها شأنه شأن سائر نوايا الأعمال الصالحة التي يقصدها المكلف، والله تعالى أعلم.

ما معنى الوهن في قوله تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ»؟

الذي يوجد في كتب التفسير أن الوهن المقصود به الضعف، فيقولون بيت العنكبوت لا يقي من قر ولا من ريح ولا من شمس، فهو من أضعف البيوت ولعله يشير إلى ما اعترض به البعض اليوم من أن خيوط نسيج العنكبوت هي أشد صلابة من خيوط الفولاذ وهي معدودة من أقوى الخيوط، والرد على هذا الاعتراض هو أن الآية لا تشير لا من قريب ولا من بعيد إلى نسيج العنكبوت، وإنما تشير إلى صورة هذا الذي يتخذ من دون الله أولياء بصورة العنكبوت تتخذ بيتا، ووصف هذا البيت الذي تتخذه العنكبوت مأوى وبيتا لها تصفه بأنه أضعف البيوت، والصورة مركبة والضعف والوهن إنما هو للبيت، وكلام المفسرين القدامى يتعلق بالجانب المادي في هذا البيت وأنه ضعيف مقارنة بالأعشاش والأوكار والبيوت لسائر الدواب فهو ضعيف مقارنة بها ولم يتحدث أحد منهم عما يتعلق بخيوط نسيج العنكبوت، وإنما هم يتحدثون عن بيت العنكبوت.

وأحد المعاصرين أيضا درس بيت العنكبوت، فوجد أنه من أسوأ البيوت في جانبه المعنوي، فالأنثى تقتل الذكر فورا، ومن بعد أن تحمل البيوض فإن هذه البيوض تتغذى على بعضها وهي في أمها فإذا فقست وخرجت البيوض فإنها أيضا لا يبقى منها إلا الأقوى فيأكل بعضها بعضا، ثم هذه العناكب الجديدة تأكل أمها، وتتبعوا هذه التفاصيل في حياة العناكب مع اختلاف أنواعها وأجناسها فوجدوا أن حياتها قائمة على هذا الضعف المعنوي لمعنى البيوت، وعلى الوهن القائم على النفرة والعداوات والعدوان، والأصل في البيت أن يكون مأوى يأتلف أصحابه فيه ويأويهم ويجدون فيه الراحة والطمأنينية، كل هذه المعاني منتفية عن بيت العنكبوت، وهذا أيضا معنى حسن مقبول يضيف إلى المعنى المتقدم، وبكلا الاعتبارين لا يمكن أن يعترض على ما في كتاب الله عز وجل أن خيوط العنكبوت من حيث مادته وصلابته مقارنة بسمكه أنه من أقوى المواد على الإطلاق، ولا اعتراض يمكن أن يرد على الآية الكريمة لأن المعنى واضح، والله تعالى أعلم.

دخلت المسجد والصف مكتمل ورجلان صفا في الصف الثاني في أقصى اليمين، ما حكم هذا التصرف؟ وهل أصف على يسارهم مع ظني أن الصف لن يصل إلى موضع خلف السترة بانتهاء الإمام من الصلاة؟

هذان اللذان صفا في طرف الصف أخطآ، فالأصل أن يوسط الإمام، وفي ذلك رواية وإن كان في سندها ضعف إلا أن الفقهاء تلقوها بالقبول، وهناك روايات أخرى تشهد للزوم أن يبدأ الصف من خلف ناصية الإمام، أي من المنتصف، والرواية «وسطوا الإمام وسدوا الخلل» قلت بأن فيها ضعفا لكن تشهد لها روايات أخرى صحيحة أن مبتدأ الصف يكون من الوسط مما يلي الإمام واختلف في حكم صلاة من صلى منفردا في طرف الصف في الميمنة أو في الميسرة ولم يصل الصف إلى موضع المنتصف حتى فرغ الإمام من صلاته، فبعضهم قال بأن الصلاة تنتقض، ومنهم من قال: أخطأ من فعل ذلك ولا نقض عليه، والله تعالى أعلم.

أما فعله هو فصحيح، طالما أنما غلب على ظنه أنه إن وقف ومن جاء مستدركا معه لن يبلغوا إلى هؤلاء الذين صفوا إلى اليمين أو إلى اليسار فعليه أن يبتدئ الصف من المنتصف، ولا عليه من صلاة من أخطأ فهو لا يتابع المخطئين، وإنما عليه أن يؤدي ما هو صحيح، وإن أمكن له أن يشير إليهم أو أن يجذبهم، فلا مانع من ذلك لإصلاح صلاتهم، لكن إن غلب على ظنه أنه ستفوته الصلاة وأن الصف لن يصل إلى المنتصف، وليس هناك ما يمنع من ابتداء الصفوف في المنتصف. والله تعالى أعلم.

من ابتلي بالصلع هل يجوز له أن يضع شعرا اصطناعيا بمادة الصمغ مثل «الباروكة» وذلك لكي يبدوا حسن المظهر، مع العلم بأن هذا ليس من نوع زراعة الشعر؟

أما في حق الرجال فليس الصلع بعيب في الرجال، وإنما هو في حق النساء يمكن أن يكون عيبا، ولذلك رخص في شأن النساء، مع ذلك إذا كان هذا يجد حرجا في نفسه، ويمكن أن يجلب له شيئا من الأذى، ووجد وسيلة طبية صحيحة لمعالجة الصلع، فيمكن أن يرخص له.

شخص ينتقل بين منطقتين، وأحد الطريقين يكون فيها سريعا ويحد إلى حد السفر، ولكن هنالك طريق آخر لا يصل إلى حد السفر ويؤدي إلى المنطقة نفسها، إلا أنه لا يستخدمه بسبب الزحام، كيف يتم قياس مسافة السفر هنا؟

المسألة فيها خلاف، فمنهم من يقول بأن العبرة بالطريق التي يسلكها، وله سبب معتبر في أن يسلك هذه الطريق دون الأخرى، فهو لا يريد أن يبلغ حد السفر ليقصر الصلاة فيتخفف ويسلك هذه الطريق، ولكن كما ذكر هو في سؤاله بأن الطريق الأقصر فيها زحام على سبيل المثال فيجتنبه ويذهب للطريق الأطول.

ومنهم من يقول بأن العبرة بالطريق التي يسلكها الناس أكثر، فينظر إلى هذا المكان بحسب ما يسلكه الناس أكثر، ويعامل هذه المعاملة، ولكل قول من القولين وجاهة، فكل قول نظر إلى اعتبار معين، فالأول نظر إلى المسافة التي يقطعها، وأن العبرة بالمسافة التي يقطعها طالما أن هذه الطريق هي له فيها مصالح، فهو في هذه الحالة بلغ حد السفر، والقول الثاني نظر إلى البعد فهذه المنطقة طالما أن لها طريقا جائزا يسلكها الناس ولا تبلغ حد السفر، فالعبرة بهذه الطريق، لأن المسافر يمكن أن يتخذ طرقا بعيدة لكي يصل إلى تلك البلدة لكن العبرة بالطريق التي حددت المسافة بين البلدتين، والله تعالى أعلم.

ما صحة حديث عن البراء بن مالك رضي الله عنه يقول: «كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه» ما الصفات الثابتة في استقبال الإمام للمصلين؟

الحديث صحيح، ويؤخذ منه مشروعية استقبال الإمام للمصلين بوجهه ومعنى استقبال الإمام للمصلين بوجهه، أي إذا انصرف من صلاته فإنه يستقبل المصلين، وإن من غالب فعله عليه الصلاة والسلام أنه كان يستدير جهة اليمين، ولذلك كما في حديث سمرة بن جندب، أنهم كانوا يفضلون الميمنة ليقبل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، لكن كان يستقبلهم، يعني أنه كان في هذه الحالة يستدبر القبلة ويستقبل المصلين، وعدد من أهل العلم يرون بأن ذلك كان الغالب من فعله عليه الصلاة والسلام لما ثبت أنه في بعض الأحيان كان أيضا يستقبلهم من جهة الميسرة، وحمل بعضهم هذا المعنى إلى الانفلات والانصراف من الصلاة، أي إذا استقبلهم فإنه بعد ذلك لا يضير أن ينصف جهة الميمنة أو جهة الميسرة وذكروا لذلك عللا، منها أن يذكر الله تعالى، وأن يدعو أو أن ينبه من كان قد وقع في أمر، أو أن ينتظر النساء حتى يخرجن، ومنهم من قال يمكن أن يجعل المصلين عن يمينه والقبلة عن يساره، ومنهم من قال العكس، لكن الغالب من فعله عليه الصلاة والسلام ما ذكرنا أنه كان يستقبلهم من جهة الميمنة ثم يستقبل المصلين ثم كان في شأنه حتى ينصرف والله تعالى أعلم.