No Image
إشراقات

فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

17 يوليو 2025
17 يوليو 2025

ما صحة هذا الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مؤمن يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غفر له»؟ وفي رواية: «ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب له»، ما صحة هذا الحديث؟

هذا الحديث متفاوت في الصحة، فالحديث الأول فيه مقال عند علماء الحديث، الحديث هو: «ما من مؤمن يموت فيصلي عليه أمة من الناس يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا غُفر له»، هذا الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والدارمي في سننه، كما يقول بعض المحدثين، ورواه الخمسة إلا النسائي، ولكن هذه الطرق لا تخلو من انتقادات، لأن الرواية حتى في رفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها خلاف، ووردت من طريق مالك بن هبيرة، ولذلك ورد فيها أن مالك بن هبيرة كان إذا وجد أن الناس لا يبلغون ثلاثة صفوف أمرهم أن يكونوا ثلاثة صفوف في صلاة الجنازة، هذه الروايات وردت من طريق ابن إسحاق، وقد اختلف المحدثون في قبولها، هذا هو مدار حديثهم، وأكثر المحدثين على أن هذه الرواية ضعيفة، ولكن منهم من قبل الرواية لأن هناك روايات أخرى تقويها.

فهناك روايتان عند الإمام مسلم، في بعضها أنه «ما من مسلم يموت فيصلي عليه أربعون مسلما لا يشركون بالله شيئا إلا يصلي عليه مائة من المسلمين يستغفرون له أو يشفعون له، فقد أوجب له الجنة»، إذن كلام الفقهاء فيما يتعلق بالرواية الأولى التي يسأل عنها السائل هو كلام المحدثين، ولم يختلف كثيرًا عما أخذ الفقهاء من هذه الروايات، لأن هناك روايات أخرى صحيحة تدور حول نفس المعنى.

وخلاصة المعنى الحث على صلاة الجنازة وأداء حق المسلم الميت، وأن هذه الصلاة هي شفاعة ودعاء لهذا الميت، وأن هؤلاء الذين يصلون عليه كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشركون بالله شيئا، أو وُصفوا بوصف الإيمان أو الإسلام، والأصل في أن هذا الوصف يصدق على المؤمنين أو المسلمين الأتقياء الصالحين الأولياء، وأن هذا الميت يكون من المؤمنين، والأصل في أن يكون مؤمنا أن يكون مسلما، أي المقصود أن يكون موفيا تقيا لأداء حقوق الله تبارك وتعالى، فيجتمع دعاؤهم له فيُستجاب لهم، لأنه جدير بذلك، فهو مسلم موفٍ تقي، فهو جدير بأن يستجاب لهؤلاء المؤمنين الأوفياء الذين يدعون له، فيصلون عليه ويشفعون له.

يبقى الخلاف في بعض التفاصيل الفقهية، هل الأولى في صلاة الجنازة تكثير الصفوف، أم أن هذه الروايات هي دعوة إلى تكثير أداء الصلاة عليه، لكن إن قل عدد المصلين، هل الأولى أن يكونوا صفا واحدا، أم أن يكونوا ثلاثة صفوف، أيضا يشهد لهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في بعض الروايات أن تكثير الصفوف هو الأولى، لكن هذا يعتمد على هل يصلون في مصليات، أو يصلون في المساجد، فإن كانوا يصلون في المساجد، فظاهر أن المقصود هو التكثير لا أن تترك الصفوف دون إكمال، فهذا يتعارض مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتمام الصفوف، فينبغي أن يُفهم الحديث وفقا أيضا لما ورد وثبت وأُخذ من أحكام شرعية من أدلة أخرى.

أما إذا كانوا في المصليات، فإن الأولى تكثير الصفوف من أن يكون الصف طويلا واسعا، فأخذًا بظاهر ألفاظ هذه الروايات وأخذًا بظاهر هذه الروايات الصحيحة المقبولة، إذن هذه هي خلاصة ما في الحديث من أقوال وما يُأخذ منها من أحكام فقهية، والله تعالى أعلم.

ما الذي تضيفه صلاة الجنازة للمتقي أصلاً الذي وجبت له الجنة برحمة الله تعالى ثم بعمله، لأن معيار الدخول إلى الجنة هو التقوى ورحمة الله سبحانه وتعالى؟ ألا يمكن أن يقال: إن هذا هو تحصيل حاصل فقط؟ كيف يمكن تفسيره؟

لا، تفسيره هو رفع الدرجة وإعلاء المنزلة والزيادة في الإكرام من الله تبارك وتعالى، لأنه من المعلوم أن نعيم الجنة متفاوت، وأن الحساب أيضا متفاوت، فكل ذلك داخل في معنى أن يشفع المسلم لغيره، ثم إن ذلك أيضا فيه جانب آخر، وهو ما يعود على المكلف نفسه، فإنه يتقرب إلى الله عز وجل بهذا الفعل ويحصل على أجر وثواب من الله تبارك وتعالى بأدائه لحق أخيه الميت عليه، ففيه الجانبان.

لكن في حق المدعو له، المصلى عليه، هذه المعاني هي التي تظهر، هناك أيضا ما يُغفر من صغائر الذنوب ومن الهنات التي يمكن أن يكون وقع فيها، وما لا يتعلق بحقوق العباد، مما يتسامح فيه، مما لم يُبَنَ على المشاحة، فحقوق العباد تبنى على المشاحة، لكن الحقوق مع الله تبارك وتعالى إنما تُبنى على المسامحة والمساهلة، فكل هذه الوجوه داخلة في هذا المعنى.

أما أن تكون شفاعة أو مغفرة لمن خاض في حدود الله تبارك وتعالى وارتكب المحرمات وأتى ما يسخط الله تبارك وتعالى، فإن نصوص كتاب الله عز وجل تشهد بأن هذا ليس بأهل للشفاعة، إلا الشفاعة العامة لهذه الأمة بتعجيل الحساب، أما ما سوى ذلك، فإن الأدلة في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشهد أن هذا موكول إلى ما قدّم من عمل، ولا ريب أن الله تبارك وتعالى هو الملك العدل ذو الرحمة الواسعة، ولكن عدله يقتضي، كما أخبرنا تبارك وتعالى، أنه يحاسب العباد فقال: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه»، والله تعالى أعلم.

ما حكم ارتداء الملابس الرياضية التي تحمل شعارات على هيئة علامة زائد بأضلاع متساوية والتي تعد صليبا في معتقدات بعض الأمم، رغم أنها لا تشبه الصليب المعروف عندنا وهل يختلف الحكم إذا كان هذا الارتداء خارج أوقات الصلاة مع عدم القصد إلى التعظيم أو التشبه وإنما لمجرد كونها ملابس رياضية؟

هذا السؤال فيه جملة مسائل، يعني أولا من التنبيهات، لسنا نحن، أي أمة الإسلام من يقرروا شكل الصليب، هم الذين يقررون، ومعلوم أن للصليب عندهم أشكالاً وصوراً متعددة، فإذا اتخذوا شكلا من تلك الأشكال يرمزون به إلى الصليب فهو كذلك، لا نأتي نحن ونقول لا ليس هو بصليب، لأن الشكل الذي عهدناه نحن للصليب يختلف، فإن كان هذا ينبغي أن يتنبه له، وهكذا في سائر الرموز الدينية التي تثبت أنها رموز دينية والتي تحمل في معانيها الدينية ما يخالف عقيدة التوحيد وما يخالف عقيدة أهل الإسلام.

الأمر الثاني: ما يتعلق بوجود هذه الرموز المخالفة لعقيدة الإسلام في شيء من هذه الملابس الرياضية هذه محل خلاف عند الفقهاء المعاصرين والذي تطمئن إليه النفس وعدم جواز ارتدائها لأنها تحمل شعارا حتى وإن كان صغيرا ضمن ذلك الشعار، فإن وجوده في الشعار ووجوده في تلك الرسمة على قميص يرتديه مسلم يعني أنه يرتدي شعارا يخالف عقيدة الإسلام، فلا يصح له ذلك هناك من سهل من الفقهاء المعاصرين وقال إنه ليس المقصود هو ذلك الشعار الرمز الديني وإنما شعار ذلك النادي أو ذلك الفريق الذي يرتديه لكن أرى بأن هذا من التساهل في غير محله فلا يليق بمسلم ولا يصح له أن يرتدي قميصا أو ملابس لا يلزم بالضرورة أن تكون ملابس رياضة فيها ما يعارض وينافي عقيدة التوحيد.

هل من فارق بين أن يكون ذلك في الصلاة أو في غير الصلاة؟ لا شك أنه أعظم حرمة في الصلاة، تشتد الحرمة عند أداء هذه العبادة عند أداء هذا الركن العظيم لله تبارك وتعالى، لكن إذا كان منطمسا غير ظاهر، فنعم يمكن أن يقال إنه مما يتساهل فيه، وعلى هذا فإن أمكن طمس هذا الرمز بتحويره بالخياطة بالرسم أو بالصبغ بغير ذلك فانطمس، فانتفى الإشكال، والله تعالى أعلم.