No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

03 نوفمبر 2022
03 نوفمبر 2022

في قول الله سبحانه وتعالى: «فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ» هل يمكن أن يكون المقصود هم كتبة الإنجيل لوقا، ويوحنا وغيرهم؟

الذي عليه أهل التفسير أن هذه الآية الكريمة كانت مناسبة نزولها العتب واللوم على أهل الكتاب من اليهود في المقام الأول، فهم الذين حرفوا التوراة وكتبوها بأيديهم وعرضوا ما كتبوه على الناس وأوهموهم أنه شرع الله تبارك وتعالى وأنه من عند الله عز وجل، وما هم إلا مبدلون محرفون لما أنزل الله تبارك وتعالى، صحيح أن لفظ الآية عام وأن ذكر مناسبة النزول لا يقيد حكمها فكما أنه صحيح في شأن اليهود الذين بدلوا في التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام وحرفوا فيها، واشتروا بما كتبوه بأيديهم ثمنا قليلا، فإنه صادق أيضا على ما فعله أهل الكتاب من النصارى بالأناجيل التي كتبوها وحرفوا فيها، وهو عند أهل التفسير أيضا صادق في علماء السوء من هذه الأمة الذين يبدلون شرع الله تبارك وتعالى ويحرفونه عن مواضعه ويوهمون الناس من تلقاء أنفسهم وأهوائهم وشهواتهم أن ما يقولونه إنما هو من أحكام هذا الدين، وما هم إلا محرفون مبدلون لشرع الله تبارك وتعالى.

إذن الآية الكريمة تصدق في دلالتها ومعناها على عموم علماء السوء الذين يبدلون كلام الله تبارك وتعالى ويبتدعون من تلقاء أنفسهم ما لم يأذن به الله تبارك وتعالى وإن كانت في مناسبة نزولها وسياق الآية الكريمة في سورة البقرة يدل على أن العتاب في المقام الأول، وأن حكاية أوصاف السوء المذكورة في هذه الآيات الكريمة كان مقصودا بها اليهود، وفي المقام الأول أحبار اليهود الذين بدلوا وقد ذكرت في كتب التفسير بعض أسماء مما بدلوه وأحدثوه وانقطاع النقل للتوراة من بعد تهدم القدس، فأتى أحبارهم ورهبانهم بروايات وبما أوهموا عامتهم أنه من توراة موسى عليه السلام، وما هو إلا مما كتبته أيديهم، ولذلك استحقوا هذا الوعيد الشديد، لكنه كما تقدم «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» فهو يصدق على من حرفوا في الإنجيل، ومن حرفوا دين الله تبارك وتعالى وهذا الوعيد يشملهم والله تعالى أعلم.

امرأة توفي زوجها وقد اعتدت في بيت الزوجية، والبيت تسكن فيه عائلة زوجها، بما في ذلك أخوة المتوفى، فما المحظورات التي يجب عليها تجنبها وما نصيحتكم؟

ليس وضعها بعد وفاة زوجها بأشد مما كان عليه الحال في حياة زوجها عند غيابه عن البيت، لأن كثيرا من الناس ينسون أن أمر العدة من وفاة الزوج هو أمر تعبدي فيه حق لله تبارك وتعالى كما أن فيه حقا للمتوفى ولأهله، لكنه ليس بحق خالص للزوج وإنما فيه هذان الطرفان، فهو حق لله تبارك وتعالى تعبد الله عز وجل به النساء، كما أن فيه استبراء للرحم بمدة التربص، وفيه جانب مراعاة حق الزوج وأهله، فاجتمعت فيه كل هذه المعاني، وسبب هذه المقدمة أن بعض النساء هداهن الله، مع النساء من أوليائهن، يلحون بعد وفاة الأزواج على أن تنتقل المرأة إلى بيت أهلها، ويتغافلون عن طبيعة حقوق الله تبارك وتعالى المتواردة على ما كلفت به المرأة من الاعتداد والترمل، فلا ينبغي أن تخرج المرأة عن بيت العدة إلا لسبب مقبول شرعا، أما في عموم الأحوال فإن عليها أن تتربص في البيت الذي وصلها نعي زوجها وهي ساكنة فيه، ولتلتزم بالمبيت في بيت العدة، والبعد عن الطيب وعن الزينة، أما في تعاملها مع الأجانب من الرجال فقد تقدم أنها لا تختلف في عدتها عما كانت عليه من أحكام في حياة زوجها، فليس لها أن تخالط الأجانب من الرجال، ولا أن تبدي شيئا من زينتها أو عورتها التي حرم الله عز وجل على المرأة أن تظهرها للأجانب من الرجال ولتتخذ التدابير الكافية لعون المرأة على حفظ دينها مدة تربصها، فوالد زوجها على سبيل المثال هو محرم لها، وإن كان لها ولد مميز فهو محرم لها، وإن كان عندها بنات كبيرات راشدات فهي في جمع من النساء، فكل ذلك يخفف عنها الحرج، ويمكن أيضا لأن ينتقل إليها كأن تكون معها أم زوجها الراحل لتخفف عنها أيضا وحشة وجودها في بيت أهلها مع وجود أخوة زوجها على سبيل المثال، ويخصص جزء من البيت لها تقضي فيه حوائجها، ويبعد عنها الكلفة والمشقة إلى أن تنقضي عدتها والله تعالى أعلم.

نجد كثيرا من الشباب يقبلون بشغف على العلوم التطبيقية كالطب والهندسة والبرمجة والاقتصاد، ويبذلون جهدهم في سبر أغوارها، مع قلة اهتمامهم بالعلم الشرعي أو إهماله، فما السبيل للجمع بينهما؟

هناك قدر لا بد منه، فقد تقدم في مناسبة سابقة أن التكوين العلمي للمسلم إنما يبدأ بعلوم الشريعة، وإلى علوم الشريعة ترجع سائر العلوم والمعارف التي يكتسبها هذا الإنسان، إذ لا غنى لمسلم مهما كان تخصصه أو مجال دراسته عن علوم الشريعة، إذ بها يتبصر كيف يعبد الله تبارك وتعالى، وكيف يأتي عما أمره الله تعالى به، وكيف ينتهي عما نهاه عنه ربنا جل وعلا، ولا يقتصر الأمر كما يظنه بعض الناس على معرفة الحلال والحرام، فإن علوم الشريعة لا تحصر في التعرف على الحلال والحرام وإنما تفتح هذه العلوم للمكلف كيف يحمل نفسه على طاعة الله تبارك وتعالى، وكيف يتنبه لوساوس النفس والهوى والشيطان، وكيف يتغلب على زخارف هذه الحياة الدنيا، وكيف يفتح صفحة جديدة إن زلت به القدم، فيرجع إلى ربه تبارك وتعالى تائبا منيبا، وما الذي يحتاج إليه لجعل توبته توبة نصوحا، وكيف يتخلق بأخلاق هذا الدين مع الناس، هذه الأخلاق التي تجعل ما يأتيه وما يذره طبعا فيه لا يتكلفه، فيحمل نفسه على سجايا هذا الدين، إلى آخر ما في علوم الشريعة من محاسن ومزايا تفوق ما يتوهمه كثير من الناس إلى أن غايتها فقط التعرف على الحلال والحرام، واستخراج الحلول للمشكلات التي تعين للناس في أيامهم ومعاشهم، فلا غنى لأحد أن يحمل قدرا من العلوم الشرعية، فكيف إذا كنا نتحدث أيضا عن فهم كتاب الله عز وجل والله تعالى يقول: «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها» كيف إذا كنا نتحدث عن احتياج المرء إلى أن يجتنب الأهواء والشهوات التي يواجهها في حياته، فإن كان دون زاد كاف من الخشية من الله تبارك وتعالى التي تحصل لمن يستحضر معاني علوم الشريعة ويستحضر مواعظها ومراشدها وهداياتها، ويتبصر بها ويسير بها في سجف الظلام الدامس والفتن المتلاطمة التي يواجهها فإن مثل هذا إن لم يكن متبصرا بعلوم الشريعة فإن العلوم الأخرى التي يدرسها لن تنفعه في مثل هذه الأحوال، هذا فضلا عما تحتاجه العلوم الأخرى من مبادئ أخلاقية، تتعلق بالبحث وبمناهج البحث وبتطبيق هذه العلوم في حياة وواقع الناس، وفي توجيه هذه العلوم التطبيقية الوجهة الصحيحة التي تعود بالنفع على الإنسان والحياة والكون، فكل هذا إنما يستمد من علوم الشريعة، فلذلك فإنه لا ينبغي لمسلم اليوم وهو يواجه كل هذه الأهواء والشهوات والفتن، وهو يواجه الشبهات التي تتوارد على دينه وخلقه، وعلى هويته وهوية أمته ومجتمعه، فلا يليق به أن يكون خليا من العلوم الشرعية، بل عليه أن يغترف من علومها، بل عليه أن يزداد كل يوم من علوم الشريعة لا سيما مع ما إتاحة هذه الوسائل المعاصرة من سهولة الوصول إلى المعلومة، ومن سهولة الحصول عليها والنفاذ إليها، عسى أن يجعل الله تبارك وتعالى في ما هم بصدده من مثل هذه العلوم عوامل للبناء والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم يحملون القدر الكافي لكل ذلك أيضا من علوم الشريعة.

ما الحكمة من النهي عن لبس الآنك في الصلاة، وإذا كان يضع حاجزا بين يده والساعة، فما حكم الصلاة؟

هذه المسألة مما اختلف فيه الفقهاء كثيرا، وأكثر أهل العلم لا يرون بأسا في لبس ما كان من المعادن، ونظرا لما ورد عند الإمام الربيع من نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بالآنك أن يجتنب المرء لبسها في صلاته، وخلاصة المسألة أن التحلي بالمعادن ينقسم إلى ثلاثة أنواع، هناك نوع محرم لا خلاف فيه للرجال، وهو الذهب والحرير، فهذان محرمان على الرجال، وهناك نوع فيه خلاف وكثير من أهل العلم يرى جوازه ومنهم من يرى كراهيته، والأقل منهم من يرى الحرمة، أي أن يتحلى بهذه المعادن وهي الآنك، وحملوا على ذلك الحديد وفسروا الآنك بأنه الرصاص والنحاس، ويوجد في الأثر في شروح الحديث أنه القصدير والصفر، وهذه مردها إلى النحاس وإلى الرصاص، وقولهم هذا إنما هو مبني على آثار، وفيها أن الحديد حلية أهل النار، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عاتب من عليه خاتما من حديد، فعند من رأى قبول هذه الآثار فإن كلمتهم اختلفت هل تحمل هذه الآثار على كراهة التنزيه، وقلت بأن من هؤلاء هم الأكثر، ومنهم من قال بكراهة التحريم، وهم يقصدون مماسة هذه المعادن للبدن، وإلا فإنه من المعلوم أيضا كانوا يحملون السيوف والخناجر والأحزمة التي تربط بها، ومن طبيعة الحال أنهم كانوا يؤدون صلواتهم بها، هذه خارجة لأنها ليست بلباس، وإنما هو تسلح غير مماس للبدن، وكانوا يضعون الدروع وهي مصنوعة من هذه المعادن، فهذا خارج عن دائرة النهي، ولكن القائلين بدائرة الجواز استأنسوا به كما استأنسوا بقصة الصحابي الذي أراد أن يتزوج المرأة التي عرضت نفسها عليه عليه الصلاة والسلام، قال له في آخر الرواية، التمس ولو خاتما من حديد، فلو لم يكن جائزا لا أمره الرسول بذلك، ورد الآخرون بأنه لا يقصد ذات الخاتم من الحديد، ولكن المقصود أنه أقل ما يمكن أن يمتلك مما له قيمة، ولا يلزم من امتلاكه أن يلبسه، كما أن الرجل يباح له أن يقتني ذهبا وحريرا على أن لا يكون لباسا له. والأحوط والأسلم الاجتناب لاسيما فيما يتعلق بأمر الصلاة.

والنوع الثالث ما هو متفق على إباحته، مثل الفضة وما لم يرد فيه نهي، سواء كانت أساور أو خواتم، فهي مما هي خارج دائرة الخلاف لأنها مباحة، والله تعالى أعلم.