No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

08 سبتمبر 2022
08 سبتمبر 2022

ـ معي أخ عليه ديون وجمعيات قد استلمها، ونظرا لقلة راتبه قد يجد صعوبة في الدفع وأنا أريد أن أخرج زكاة مالي، هل يجوز أن أسدد بعضا من دينه من زكاة مالي؟ وهل يجوز أن أعطي من هذه الزكاة عاملا كان يعمل معي وهو في بلاده الآن؟

فيما يتعلق بدفع الزكاة إلى أخيه، فهو يقول قد لا يجد ما يسدد، فهو نفسه لا يستطيع أن يحقق في حالة أخيه، فإن كان هو نفسه غير متثبت من استحقاقه للزكاة، فيدفع زكاته إلى غيره، ولا مانع فقها من أن يدفع الأخ زكاة ماله إلى أخيه سواء كان فقيرا أو مسكينا أو غارما، ولكن لكل وصف من هذه الأوصاف شروط، وعلى المزكي أن يتثبت من تحقق هذه الشروط المحتفة بهذه الأوصاف فيمن يدفع زكاته إليه، فيصعب على المفتي أن يعين المستحقين شخصا شخصا، وهذا ما يطلبه كثير من الناس اليوم، فإن الفقيه أو المفتي أو طالب العلم غاية ما يستطيعه أن يبين هذه الأوصاف التي نص عليها القرآن الكريم، وزادتها إيضاحا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للأصناف المستحقة للزكاة، من هو الفقير أو المسكين، وما شروطهما، ومن هو الغارم الذي تحق له الزكاة، الأصناف الأخرى في الغالب هي لولي الأمر، بل إن من الفقهاء من يقول حتى سهم الغارمين مرده إلى ولي الأمر، وما يتعلق بالمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب وفي سبيل الله، هذه أصناف مردها إلى ولي الأمر، وهذه الأوصاف بشروطها عرضت في أجوبة كثيرة وفي مختصرات الفقه ومطولاته، ما عليه إلا أن يعلمها.

والناس تدرك في حقيقة الأمر، ويعرفون من هو في كفاف ومن هو دون حد الكفاف ومن هو مع ما لديه من صنعة أو وسيلة يتكسب بها شيئا من الرزق إلا أن ذلك لا يكفيه لاحتياجاته واحتياجات عياله، ويعرفون أيضا من الذي عليه نفقات كثيرة لكثرة عياله أو لما عليه من التزامات، أو لغلاء المعيشة في المدينة التي يسكن فيها، فهم يميزون، ولكن لما يأتي أمر الزكاة لا سيما عندما يريد أن يدفعها إلى من يمت لهم بقربى وصلة فإنهم يجنحون إلى الميل لإعطاء القريب، ولذلك فالأصل المزيد التريث والتثبت من الاستحقاق، ولكن إن صدق فيه وصف من الأوصاف التي بها يستحق الزكاة فله أن يؤديها إليه.

وفيما يتعلق بدفع الزكاة إلى العامل، إن كان هذا العامل مسلما، وكان من الأصناف المستحقة للزكاة فإن فقه المسألة يدور حول إخراج الزكاة من بلد إلى بلد آخر، لكن إن كان هناك من يؤدي زكاته إلى المستحقين في البلد نفسه، وكان ذلك المستحق شديد الفقر والمسكنة، فلا مانع في هذه الحالة أن يبعث بزكاته إليه.

ـ في قوله تعالى: «فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ» نرجو منكم مزيدا من البيان والتوضيح لهذه الآية؟

المعنى الإجمالي للآية الكريمة هو أن الله تبارك وتعالى يبين سنة ماضية منه جل وعلا في خلقه، وهي أن كل من كفر بالله عز وجل، وقد نصبت له البراهين وأقيمت عليه الحجج ولكنه أبى وطغى وتكبر ثم استنزل العذاب فإن إيمانه عند نزول العذاب لا ينفعه، فإن العذاب حين إذ يكون عذاب إهلاك وهذا النوع من الإيمان إن آمن في لحظة نزول العذاب يسمى إيمانا اضطراريا مثله مثل إيمان فرعون: «حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» فكان البيان من الله تبارك وتعالى «آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» مثل هذا الإيمان لا ينفع صاحبه لأنه يكون بعد ارتفاع العذر ونزول العذاب، فالآية الكريمة تتحدث عن هذه السنة الماضية تؤكد معناها وتبين صورها وما هو مستثنى منها، فيقول ربنا تبارك وتعالى: «فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا» فهو توبيخ استعملت معه أداة التحضيض، لكن يقصد بها التوبيخ والتنديم، بدليل أنها تتحدث عن أمر سابق، فاستثنى الله تعالى قوم يونس لأن العذاب لم ينزل بهم بعد، لما خرج عنهم يونس مغاضبا فإنهم أسفوا على ما بدر منهم، وبادروا إلى التوبة والإيمان، وخرجوا يعجون بالتوبة والإيمان لله تبارك وتعالى، فما أصابهم الله بإهلاك ولا بسوء، لما أظهروه من إيمان في وقت السعة قبل نزول العذاب، وهذا قول الطاهر بن عاشور إن الآية ليست خروجا عن هذه السنن والنواميس التي يقررها كتاب الله عز وجل في الأمم، لأن هؤلاء لم ينزل بهم العذاب بعد، فور ترك يونس عليه السلام لهم، وعند من قال بأن الاستثناء منقطع يقول ولكن قوم يونس لما آمنوا فإنهم أظهروا الإيمان لما رأوا بوادر العذاب بالإندار الذي كان من يونس عليه السلام لهم ثم بخروجه عنهم، فإنهم رأوا بعض البوادر فخرجوا يضجون رجالا ونساء صغارا وكبارا يعجون لله تبارك وتعالى بالتوبة والإيمان، هذا هو المقصود الإجمالي للآية الكريمة، والله تعالى أعلم.

ـ جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» هل ذكر بيوت الله في الحديث للتخصيص، أم يشمل الفضل غيرها من المجالس، كالاجتماع في المنازل أو في شبكات التواصل عبر التقنية الحديثة، فهل يحصل الأجر أيضا لهؤلاء؟

الحديث صحيح ولكن له روايات، والأشهر منها هي «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا غشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده»، أخذ منه أكثر العلماء التقييد، أن هذا الفضل بهذه الكرامات المنصوص عليها في هذا الحديث النبوي الشريف خاصة ببيوت الله تبارك وتعالى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على ذلك: «في بيت من بيوت الله» لكن الظاهر أن مثل هذا الفضل غير خاص بالمساجد لأن هناك روايات ليس فيها تقييد بذكر بيوت الله وهي روايات صحيحة أيضا ومن هذه الروايات: «وما قعد قوم مجلسا يذكرون الله تعالى فيه إلا غشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده، وروايات أخرى بمثل هذه الألفاظ ليس فيها ذكر للمساجد، وليس فيها هذا التقييد فدل على أن هذا الفضل هو فضل عام لمثل هذه المجالس التي يكون فيها ذكر الله تبارك وتعالى وتلاوة آياته وتدبرها وما فيها من علم نافع وتفقه في الدين أن فضل الله تبارك وتعالى يشمل هؤلاء الجالسين أينما كان جلوسهم، وفضل الله تبارك وتعالى عظيم سواء في مثل هذه الحلقات ومجالس الذكر، ففضلها كبير عند الله تعالى، وحتى عند من يقول إن هذا الفضل المنصوص عليه خاص مقيد بالمساجد، فإنه لا ينفي عظيم فضل حلقات الذكر والعلم والتفقه في الدين أينما كانت وإنما يتحدث عن هذا الفضل الخاص، فإن كان المجلس في غير المسجد فإن ذلك لا يمنع من عظيم الفضل وجزيل الثواب من الله تبارك وتعالى، ونظرا لورود رواية ليس فيها ذكر المساجد فإن هذه الروايات يؤخذ أيضا بظاهرها لا سيما في باب فضائل الأعمال ويجري عليها ما يجري أيضا على الرواية من ثبوت هذا الأجر المخصوص المنصوص عليه فيها في هذه المجالس وعلى هذا فإن كان هذا المجلس الذي يذكر فيه الله تعالى ويتعلم فيه العلم النافع ويتدارس فيه آيات الكتاب العزيز، وتتدارس فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل هذه المجالس سواء كانت بالحضور أو التواصل عن بُعد كلها بمن الله وكرمه مشمولة بهذا الثواب العظيم والأجر الكبير، وسائر هذه العلوم النافعة لا يمكن أن تجتث عن وثيق الصلة بكتاب الله عز وجل، فحينما يدرسون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لا ريب يدرسون ما هو شديد الصلة بالقرآن الكريم حينما يتذاكرون صنوف علوم الشريعة، من علوم الفقه أو أصول الفقه أو العقيدة، أو ما سواها فإنهم ينظرون في الأدلة من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا الحال عندما يقرؤون في التفسير أو علوم القرآن أو غيرها من العلوم، إنما أصلها ومستقاها القرآن الكريم، والله تعالى أعلم.

ـ أعمل عملا والدخل متفاوت شهريا، وبسبب الظروف الاقتصادية والوباء قل الدخل كثيرا عن السابق فصرت لا أغطي كل الأقساط الشهرية من نفقة الأبناء والجمعية في بعض الأشهر، ناهيك عن المصاريف الباقية وحاجات الحياة، وعندي ديون تفوق 6 آلاف ريال بسبب قروض من أشخاص وجمعيات ولدي مبلغ أقل عن مبلغ الدين متمسك به بقوة لو دفعته للديون فإنه لا يغطي الدين ويبقى علي دين آخر موجود فأنا متمسك بهذا المبلغ لأنه عندما يقل الدخل الشهري من الكسب أدفع منه للأقساط حتى لا أقع في مشكلات أخرى، فسؤالي الآن هل أستحق الزكاة، والسؤال الثاني هل يجب علي زكاة هذا المبلغ الذي قمت بحبسه للطوارئ؟

خلاصة السؤال أن عنده مبلغا مدخرا فوق النصاب، ورغم أن عليه ديونا إلا أن هذه الديون مؤجلة فيما يظهر من سؤاله، فهي ليست من الديون الحالة التي يطالب بسدادها، وإنما هي ديون مؤجلة يؤديها متى ما سنحت له الفرصة أو حل الأجل ولكنه لم يحل بعد، وهذا المبلغ فوق النصاب، وهو مدخر له تحسبا لنوائب الدهر، ففي هذه الحالة نعم تجب فيه الزكاة بإخراج ربع العشر منه والزكاة تزكية للمال والنفوس، وبركة يجعلها الله تبارك وتعالى في ماله، فهذا الذي يظهر مما سرده في سؤاله أن عليه أن يؤدي زكاة هذا المال مع أن أداء الديون أولى، فلا مانع أن يؤدي بعض هذه الديون وأن يحتاط بما هو دون النصاب لنوائب الدهر ففي هذه الحالة ينخرم شرط الزكاة، أما والمال عنده مدخر يحتسب به ما يمكن أن يطرأ عليه من نفقات ومغارم فإن هذا المال تجب فيه الزكاة.

وحالة أن يسأل هل هو مستحق للزكاة في الوقت الذي يمكن أن يكون واجبا أن يؤدي الزكاة هذه الصورة يمكن أن توجد فقد يكون عليه زكاة في جنس من المال كالأنعام أو الحبوب، خاصة في زماننا المعاصر هذا ولكن في الوقت نفسه مغرم بديون في حاجياته الأساسية وهو غير قادر على الوفاء بها حتى لو باع كل ثروته من الحيوان التي تجب فيه الزكاة، أو باع كل نتاجه من الحبوب أو التمور التي عنده فإنه لا يمكن أن يؤدي ولو شيئا يسيرا من تلك الديون التي عليه فهو من جانب ملزم بزكاة هذه الأصناف إن تحققت فيها الشروط، النصاب والملك التام، وفيما يتعلق بالأنعام كأن تكون في أغلب العام سائبة.

إذن قد يكون مزكيا ومستحقا للزكاة، فمن الفقهاء المعاصرين من يذكر كأن تكون المرأة مالكة لذهب فوق النصاب لا سيما وأن النصاب 85 جراما من الذهب، فحتى لو باعت هذا الذي لديها من الذهب فإنها قد لا تكون قادرة على عول نفسها، وإذا كانت هي من يعول أهل بيتها فمن باب أولى أنها تكون في مشقة وعسر غير قادرة على عول ولدها ووالديها إن كانت هي من يعولهم، فتكون في هذه الحالة مؤدية للزكاة ومستحقة لها، لكننا كما تقدم ليس لنا أن نتحدث عن معين مشخص، فنحن نذكر الأوصاف التي يستحق بها المرء الزكاة والحالات التي تجب على المكلف فيها الزكاة، ثم أن هنالك لجانا معنية تدرس الحالات وتبين المستحقين وتبين حالاتهم وظرفهم وما عندهم من أموال، والله تعالى أعلم.