No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

01 سبتمبر 2022
01 سبتمبر 2022

ما صحة القول بأن ختم القرآن الكريم بـ «صدق الله العظيم» لم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم وإنما الذي ثبت هو «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك»؟

صحيح أن قول «صدق الله العظيم» إثر التلاوة لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند الفراف من قراءة القرآن، ولكنه ورد في حادثة عندما أتاه حفيداه فنزل إليهما عليه الصلاة والسلام وحملهما وقال: «إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ» وقال «صدق الله» لكن هذا لا يعني عدم جواز الإتيان بـ «صدق الله العظيم» إثر تلاوة القرآن الكريم، إذ لم يرد ما يمنع من ذلك، وهذا القول في ذاته قول صحيح، أرشد إليه القرآن الكريم، صحيح أنه أتى في سياق مختلف، وفي مناسبة لا علاقة لها بتلاوة القرآن الكريم، وإنما البحث الآن في مشروعية قول هذه الجملة، فالله تبارك وتعالى يقول: «قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» بعدما قال: «كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ» وقول القارئ بعد تلاوته للقرآن الكريم «صدق الله العظيم» مجمع على أنه ليس من القرآن نفسه، وإنما هذا من قول القارئ وهذا لا خلاف عليه، فكل من قال هذه الجملة عقب قراءته فإنه لا يعتقد بحال من الأحوال أنها آية من القرآن الكريم، بل هي جملة يختم بها قراءته، ويميز بها بين ما كان يتلوه من آيات الكتاب العزيز وما يأتي بعد تلاوته من كلام الناس.

ومن أجل ذلك فإنه لا مانع من الإتيان بهذه الجملة، ومن قال ببدعيتها فقد أبعد النجعة، لأن سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر من الأمور لا يعني بدعية ذلك الأمر، لاسيما إذا شهدت له أدلة عامة مجملة وكان معناه صحيحا، وقال به وفعله عدد من المتقدمين من الأئمة وخيار هذه الأمة وصلحائها وقرائها وفقهائها وهذا ما حصل، فنحن نجد أن طائفة ممن تكلموا في آداب تلاوة القرآن الكريم من العلماء المتقدمين ذكروا أن من جملة آداب القراءة أن يختمها بقوله «صدق الله العظيم» وأن يشهد على البلاغ، فقد ذكر القرطبي على ما أذكر، نقلا عن جماعة من السلف في آداب القرآن الكريم قال: «ومن حرمته إذا فرغت قراءته أن يصدق الله وأن يشهد بالبلاغ» أي أن يقول: «صدق الله العظيم» وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ عن ربه ما أمره به أن يبلغ، وقد حكاه عن طائفة ممن تقدمه من القراء والفقهاء والعلماء، مما يؤكد قول «صدق الله العظيم» جائز شرعا، وأنه ليس من البدع كما ذهب بعض من قال بذلك استنادا إلى أن عدم وروده مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلا على بدعيته والأمر ليس كذلك، وهذه ليست قاعدة صحيحة، حتى فيما يتعلق بفضائل الأعمال من العبادات نجد كثيرا منها لم يكن بخصوصه مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن السلف الصالح من بعد فعلوه، ولا أدل على ذلك من جمع الناس على التراويح فهو ليس من العادات، والكلام في أداء الصلاة جماعة في كل ليلة من ليالي رمضان، في المسجد وأن يأمهم إمام واحد وجماعة واحدة هذا تلقاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستحسان والقبول مع أنه من العبادات ويتكرر، والأصل الذي يستند إليه مختلف تماما.

بل إن مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتيسير على الناس وحتى لا يظن أنها فريضة والقول بانتفاء ذلك بوفاته عليه الصلاة والسلام لا يقدح في صحة الاستشهاد، بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا بأمر من أمور العبادة، لم يكن عليه حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا دل عليه في ذاته وخصوصه دليل خاص، بل في زمانه عليه الصلاة والسلام نجد أنه لم ينكر على بعض أصحابه ما كان يصدر منهم في أمر العبادات، مثلما فعل مع الصحابي الذي وردت قصته مع الصلاة فبعد أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة، وقال: أيكم القائل: ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فإني رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أولا، فهذا الصحابي فهم أن الأصل في مثل هذا الجواز، ولم يتلقاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى بهذا الثناء وهذا الذكر البليغ فأقره عليه صلى الله عليه وسلم من بعد أن أتى به في صلاته، وكذا الحال في ما يتعلق بالدعاء الذي يقول « اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقد سأل الله باسمه العظيم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب» هذا لم يكن من تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وإنما كان باجتهاد منه فأتى به فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقره عليه، فالصحابة رأوا أن ذلك من الواسع أن يأتوا بشيء لم يتلقوه ولم يعهدوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبادروا بالإتيان به في أمر من أمور العبادات، فالقول إن عدم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر من الأمور هو دليل على أنه بدعة حادثة غير صحيح.

وما ذكره في السؤال من إتيان بدعاء: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك» لم يثبت أنه بعد التلاوة، ولكن هذا دعاء الفراغ من المجلس، لكن لم يثبت أنه بعد التلاوة يقال هذا الذكر، والله تعالى أعلم.

هل يجوز أن أشارك تاجرا في تجارة الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية مقابل مبلغ مثلا 10 آلاف ويحصل على ربح شهري، وبعد سنة يتم رد رأس المال 10 آلاف؟

هذه ليست شراكة، هذا يظهر أنه إقراض فرأس المال فيه مضمون، مع زيادات تأتي بقدر محدد معلوم من المال، وهذا هو عين الربا المحرم شرعا، والصيغة الجائزة في مثل هذه الصورة التي يسأل عنها هي صورة المضاربة، فإن كان هو صاحب مال، فليدفع هذا المال إلى العامل في هذه التجارة، ثم يصبح شريكا بقدر رأس ماله، له من الربح نسبة يتفقان عليها فيما بينهم قد تكون مساوية لرأس ماله في المشروع وقد تكون أكثر أو أقل من ذلك، وهذا مرده إلى ما يتراضيان عليه، لكنها نسبة ليست مبلغا ثابتا مقطوعا فهي نسبة من ربحهم في المشروع لا من رأس المال، أما الخسارة فإن رب المال سيخسر ماله والعامل سيخسر عمله، لكن الصيغة التي يسأل عنها هو يضمن رأس المال وخلال تلك السنوات يكون قد استفاد تلك المبالغ التي ذكرها في سؤاله فهذه ليست شراكة مقبولة شرعا وهي ربا، والله تعالى أعلم.

شخص أعطي مبلغا للزكاة وطلب منه أن يوزعه، وهو يقوم بعمل مشروع صيانة منزل لأسرة معسرة، فهل يجوز أخذ المبلغ لأجل الصيانة دون علم أصحاب البيت المصان؟

الأصل في الزكاة أنها تملك، فهي تعطى الفقير أو المسكين أو الغارم، فَتُمَلَّك لهم، فلذلك ربنا سبحانه وتعالى قال: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ» فاللام تدل على التمليك والاختصاص، وهذه أموال زكاة ولذلك أيضا مما ذكره الفقهاء أيضا من شروط الزكاة أن يذكر لمن يدفع له زكاته أنها زكاة، لأنه قد يظهر له أنه مستحق للزكاة، لكن المرء الذي يراد دفع الزكاة إليه يعلم من نفسه أنه غير مستحق للزكاة، فمن أجل ذلك لا يصح أن يقوم هذا الوكيل عن المزكي بنفسه دون إخبار أو استئذان أو تمليك، فيقوم بأعمال الصيانة مع وجود ربما أناس أشد احتياجا من أولئك إلى لقمة عيش أو إلى كسوة أو إلى نفقات ضرورية يحتاجون إليها في تعليمهم أو دوائهم أو ديونهم، وهم متعففون لا يعرف عنهم شيء، فلا يكون إعادة بناء البيت أو صيانته مما تمس الحاجة إليه عندهم، فلا يصح له أن يفعل هذا الصنيع، ولكن يمكن له أن يخبرهم، بأن لكم نصيبا من الزكاة فما رأيكم أن نضيفها إلى مبالغ صيانة البيت، أو إضافة غرف أخرى أو مرافق يحتاجون إليها من أموال الزكاة، فإن رضوا ووافقوا وأذنوا له أن يتصرف هذا التصرف، فهم كأنهم وكلوه في حقهم من الزكاة أن يقوم لهم بما كان يريده من أمر صيانة البيت، وإن قالوا لا، نحن بحاجة إلى الزكاة، يعطيهم ما يحاجون إليه، والله تعالى أعلم.