No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

18 أغسطس 2022
18 أغسطس 2022

- قال تعالى: «وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21)» ما الذي يمكن أن تأخذه الأمة الإسلامية كدرس مما سبق أم هو حكم خاص لجنود نبي الله سليمان عليه السلام؟ وهل يمكن تجسيد هذا الحدث «التفقد» في أمة نبينا صلى الله عليه وسلم؟

إن تفقد سليمان عليه السلام لجنوده ثم الموقف الذي اتخذه حينما لم يجد الهدهد في جملة جنده من الطير الذين تفقدهم ثم ما اتخذه بعد ذلك، فكل ما ورد في هذه القصة فيه دروس مستفادة هي غاية في الأهمية، وفي صدارة هذه الدروس ما أشار إليه السؤال، بقوله «التفقد» فإن من مسؤولية من يتولى أمرا من الأمور أن يكون حريصا على تفقد أحوال من معه وألا يدخر وسعا في أن يتبين قيامهم بما نيط بهم، وما كلفوا به وأن يتفقد انتظامهم واستجابتهم للأوامر، وأدائهم للأمانات والمسؤوليات التي كلفوا بها وهذا لا ريب مبدأ أصيل من مبادئ الحكم الرشيد يعلمنا إياه القرآن الكريم، وإذ بنا نجد أن أرقى النظريات المعاصرة في الإدارة تؤكد عليه أيضا، وهذه الخصلة وهي خصلة التفقد والتبين والاطلاع على أحوال الجند، وأحوال القائمين بالأمور هي من أبرز الصفات القيادية التي يمتاز بها أولو الأمر.

ثم بعد هذه الخصلة نجد خصلة الحزم، فرغم أن طيرًا واحدًا في جملة جنود من الإنس والجن والطير والبهائم قد يبدو عند غير سليمان عليه السلام حدثًا عاديًا لا يعبأ به، لكن لما أوتي إياه سليمان عليه السلام من الحكم والحكمة والنبوة لم يكن هذا الأمر حدثا عاديا فوقف عنده وكان حازما في الموقف لأن غيابه لا بد أن يكون غيابا بعذر فإن كان بدون عذر فهو حقيق بالعقوبة، وهنا لطيفة ذكرها المفسرون، وهي أن الأصل في الطير غير مكلفة شرعا، ولكن لما كان الله تبارك وتعالى قد سخرها لسليمان عليه السلام، إذن هي مكلفة عنده بما سخرت له فيه، ولذلك فإن عليها أن تبدي عذرها إن غابت أو أن تتحمل عواقب خطئها إن أخطأت، وهذا ما فعله سليمان عليه السلام، فإنه كان حازما، وتوعد الطير بالعقوبة الشديدة إن لم يأتِ ببينة تشفع له، وليس حديثنا عن ذات القصة، وإنما عما يستفاد منها الآن، فالقائد، ومن يتول شيئا من المسؤوليات، لا بد أن يكون حازما، فإن تغافل سليمان عما وقع من الطير بغيابه في لحظة تفقده لجنده فإن ذلك سيكون مدعاة إلى أن يتخلف آخرون، وأن تسري في الجند الدعة والسكون والراحة، وعدم الامتثال للأوامر وهنا الجند يصدق على كل من كان تحت ولاية القائد أو ولي الأمر ممن نيط بهم عمل ما ومسؤولية معينة، ومقتضى الحال هو أن يكون حازما معهم حتى لا تقع مثل هذه العاقبة بأن تسري فيهم الدعة والسكون والخمول وتجاوز الأوامر وترك الانتظام الانضباط كما يقال في اللغة المعاصرة، كان هذا الموقف من سليمان عليه السلام درسًا آخر بعد ما يتعلق بالتفقد وتبين أحوال الجند والاطلاع على انضباطهم وعلى نظامهم وعلى أداءهم لمسؤولياتهم، فإنه حينما رأى خللا ما كان منه الحزم بإعطاء الفرصة إما أن يظهر ما عنده من بينة، أو أن يتحمل عقوبة واضحة جلية، وكان بعد ذلك من الطير ما كان وهذا يبين لنا سر بقاء ملك سيدنا سليمان عليه السلام، وبلوغ صيته للممالك المجاورة، رغم أن مملكة سبأ في ذلك الوقت كانت مملكة أولي قوة وأولي بأس شديد، ولكن مع ذلك إزاء ما رأوه من إحكام ملك سليمان، ونفاذ حكمته وبصيرته، ما أمكن لهم إلا أن أذعنوا بعد أن استطلعوا وتبينوا حال سليمان عليه السلام ولهذا فإن قوة الملك لا شك تقوم على النظام والتفقد والحزم والحكمة والعدل، وهذا ينسحب على كل المسؤوليات، أيا كان مستوى الحكم وولاية الأمر.

وبعض من كتب من المعاصرين في هذه القصة أخذ حتى ما يتعلق بما يعرف اليوم في عادة الملوك والحكام والرؤساء في الاستعراضات العسكرية، وأنهم يمرون على طوابير العرض، ويتفقدون الأحوال، ويعطون صورة بذلك لغيرهم على الانضباط والنظام لكن الحال لا يقتصر على تفقد جند ممن سخروا لسليمان عليه السلام للقيام بأعمال شتى، ففي مختلف الأمانات والمسؤوليات لا بد من تحمل مثل هذه المبادئ والقيام بها والله تعالى أعلم.

- متى تبدأ مواضع تكبيرات الانتقال، ومتى تنتهي، نرجو التوضيح لما نراه من الأخطاء الواقعة من قبل بعض من يتقدمون للإمامة؟ تكبيرات الانتقال مشروعة في الصلاة واختلف في حكمها فمنهم من يقول الوجوب، ومنهم من يقول إنها مسنونة بتأكيد، فالانتقال من القيام إلى الركوع ثم بعد ذلك من القيام إلى السجود، ثم الرفع من السجود إلى موضع الجلوس بين السجدتين، ثم الهوي للسجود مرة أخرى في السجدة الثانية، ثم القيام بتكبيرة إلى محل القيام، هذه تسمى تكبيرات الانتقال، فلم يرد فيها نص خاص لبيان طولها أو قصرها، وإنما هي تكبيرات انتقال وحسب، أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جملة أحاديث، كما في حديث المسيء صلاته، وروايات أخرى أيضا، والمفهوم أنها تكبيرة للانتقال من ركن من أركان الصلاة إلى ركن آخر، والمقصود ألا تخلو الصلاة من ذكر، فلا يخلو لسان المصلي من أن يذكر الله تبارك وتعالى في مختلف الهيئات التي يكون عليها في صلاته من قيام وركوع وسجود وجلوس، فلما علمنا أنه مأمور أن يأتي في هيئاته بأذكار أخرى، علم من ذلك أن التكبيرات تأتي بين هذه الأقوال، فهي من حيث الحركة مصاحبة للانتقال، ومن حيث الأقوال تبدأ عند الشروع في الانتقال وتنتهي عند الوصول، هذا الذي عليه أكثر الفقهاء، ومنهم من يقول في السجود إنه إن كان سيبدأ في التسبيحات حينما يضع المصلي جبهته على الأرض، فيقطع تكبيرته حينما تصل جبهته إلى الأرض، ومنهم من يقول قبل ذلك لأنه حينما يضع جبهته على الأرض، فإنه مأمور حينما يطمئن أن يأتي بهذا الذكر، وهو فاصل يسير يغتفر، وهذا هو الأولى أن تكون التكبيرة مصاحبة للفعل في الحركة، وأن يقف قبيل بلوغه ذلك الحد، فهي من الأمور التي فيها سعة، ولكن تجد الكثير من المأمومين يضيقون ذرعا بأحوال أئمتهم لأنه أطال قليلًا أو قصر قليلًا في التكبير، وهذا لا يؤثر في الصلاة، فهي بحاجة إلى خشوع وهو تؤدة وتثبت وطمأنينة، ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أرشد في حديث المسيء صلاته فقال: «فإذا اطمأننت واستويت» وهذا ما يترتب على الحالين في الإطالة أو التقصير في التكبيرات، والله تعالى أعلم.

- شخص عليه ضمانات مالية، وأموال لأشخاص بعضهم يعرفه والبعض يجهله، فهو يسأل الآن كيف يتصرف؟

أولا ليحمد الله تبارك وتعالى أنه ذكره بحقوق الآخرين، فإن حقوق الناس من ديون وضمانات لا تسقط، والوعيد فيها شديد، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «القليل من أموال الناس يورث النار» قالوا ولو كان شيئا يسيرا يا رسول الله قال: «ولو كان قضيبا من أراك» فربنا تبارك وتعالى يقول «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ» ثم ليسعَ إلى الخلاص من هذه الحقوق بما يتيسر له مما هو فاضل عن حاجته من منقول أو أصول، فإذا كان مستغنيا عن بعض الأموال أو الأصول التي يملكها فإن أدائه لحقول الناس ألزم، فليتخلص بالبيع أو يدفع من تلك الفضلة التي عنده مما لا تشتد حاجته إليه، وليؤدي الحقوق إلى من يعرفهم أولا، ويبادر إلى ذلك، وإن كان لا يجد شيئا يؤدي به هذه الحقوق للناس، فلا أقل من أن يوثق هذه الديون التي عليه للآخرين كتابة وليشهد على ذلك، فإن تيسر له أداؤها في حياته أسقطها من كتابته، وإن لم يتيسر ذلك فإنها وصية تؤخذ من ميراثه الذي يتركه، وما كان منها لأشخاص معلومين، فإنه يضمنه لهم بأعيانهم، فإن كان الله تبارك وتعالى قد اختارهم فليؤدي إلى ورثتهم، ولينظر في الولي الراشد إما في الوكيل الشرعي للورثة، أو من هو راشد منهم ليدفع إليه هذا الحق ليوزعه على الورّاث، وأما ما كان منها على من أمسى يجهلهم لسهو أو نسيان أو طول عهد أو لعدم معرفته بصاحب الحق، فليجتهد أولا في أن يتعرف عليهم بأن ينعش ذاكرته، ويتتبع القرائن والحوادث، ويسأل ويمحص، فإن أيس من معرفة أصحاب الحقوق، فعليه أن يدين لله تبارك وتعالى بأداء هذه الحقوق للفقراء والمساكين، والأولى أن يكون في المكان الذي فيه أصحاب الحقوق، والله تعالى أعلم.