No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عنها فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان

21 يوليو 2022
21 يوليو 2022

السؤال:

ـ ما صحة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الكبرى أنه قال عندما حمي الوطيس: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض أبدا»؟

الجواب:

إن هذا الحديث صحيح، أورده أصحاب السير، ومن أهل الحديث على ما أذكر، فهو عند الإمام مسلم وعند طائفة من أصحاب السنن، منهم: النسائي والترمذي، وطائفة من أصحاب السنن والمسانيد، وهذا الدعاء كان إبان المواجهة لما تجهز الجيشان للمواجهة، وكان اللقاء وشيكا، وتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء إلى ربه الكريم طالبا النصر، ومستغيثا به جل وعلا، مبينا عظم هذا الموقف، وإن المؤمنين الذين خرجوا إلى غزوة بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا هم الفئة المؤمنة في ذلك الوقت فإن كتبت عليهم الهزيمة فهذا يعني القضاء على الدعوة الإسلامية في بواكيرها، فلذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك أهمية هذه المواجهة في تحقيق العز للمسلمين وفي حفظ وجودهم وفي تبكيت عدوهم، وأن هذا العدو إن تغلب عليهم فإنه لن يبقيهم أبدا، فتوجه إلى ربه تبارك وتعالى مع ما قام به من استعداد وتهيئة معنوية وعسكرية واختيار للمكان وأخذ بكل الأسباب اللازمة لمواجهة هذا العدو، بما استطاعوا من قوة، فإنه تضرع إلى الله تبارك وتعالى بهذا الدعاء، ثم بعد ذلك خرج بنفس مطمئنة، وبيقين راسخ ثابت يبعث في نفوس أصحابه العزيمة والهمة لما هم بصدده من ملاقاة عدوهم فكتب الله تعالى لهم النصر، والله تعالى أعلم.

السؤال:

ـ شخص يعاني من وسوسة في إسباغ الوضوء، فهل إذا وقع في نفسه أنه لم يغسل عضوا من الأعضاء جيدا وتجاهله، هل يأثم؟

الجواب:

لا يأثم، فليجاوز إلى الأعضاء التي بعد ذلك العضو، ولا يلتفت إلى هذه الوسوسة.

السؤال:

ـ إذا كان الأم والأب منفصلين فمن يتبع الأبناء في صلاة السفر الأم أو الأب؟

الجواب:

إذا كانوا صغارا فهم تبع لوالدهم، ولكن إن وجدت حالة خاصة، كأن يكونوا في سكناهم واستقرارهم مع أمهم، وانقطعت كل صلتهم بأبيهم إلا زيارات قليلة، فمثل هذه الحالة ينبغي أن ينظر فيها، ولكن الأصل أن يكونوا تبعا لوالدهم، والله تعالى أعلم.

السؤال:

ـ أعيش في بريطانيا وأغلب اللحوم هنا لا تذبح قبل أن تضرب بآلة في الرأس في منطقة تفقدها الوعي، وعلى حسب ما يقال أن هذه العملية لا تقتل الحيوان فقط وإنما تفقده الوعي وبعد ذلك يذبح، واللحم الحلال يمر بالعملية نفسها، وبعد ذلك يذبح حسب الشريعة الإسلامية، هل يجوز لي أن آكل من هذه اللحوم، حيث إنه في المنطقة على حسب المتداول، كل اللحم الحلال يمر بهذه العملية؟

الجواب:

إن ما يجري في بعض البلدان الغربية من أمر ما يعرف بالتدويخ والطرق لبعض الأنعام التي تذبح هو محل خلاف عند أهل العلم المعاصرين، حتى أولئك الذين أجازوا التدويخ والصعق على سبيل المثال فإنهم وضعوا له ضوابط يضمنون بها أن لا تؤدي هذه الطرق إلى قتل الحيوان، وأمر الطرق أشد، فالتحفظ فيه أكثر، لكن بقي أنه في هذا النوع من المسائل التي تعم بها البلوى وقد لا يطلع الفرد الواحد على عملية الذبح وما يجري في هذه المصانع والمسالخ، وقد يسمع كلاما كما قال يتداول عند الناس، ثم تصدر فتوى بناء على مثل هذا القول، فيأتي آخرون ويعترضون ويقولون إنه لم يكن الأمر على هذا النحو، فيه قدر من التعجل على إصدار فتوى لعموم اللحوم التي يعنون لها بأنها حلال في المنطقة التي يسكن فيها أو في الدولة التي هو فيها، فإن كان يتحدث عن مدينة أو مسالخ بأعينها فيمكن له أن يكتب إلينا وعندنا من الوسائل والأدوات ما يعيننا على التمحيص والتثبت قبل صدور مثل هذه الفتوى في مثل هذا الأمر الذي يهم كثيرا من الناس، وقد رأينا كثيرا من الأوصاف العامة التي تطلق ثم يتبين أنها غير دقيقة، فليس من الحكمة أن تبنى الفتوى في مثل هذه القضايا إلا على معلومات صحيحة سابقة، والله تعالى أعلم.

السؤال:

ـ ما الراجح في معنى الآية: «قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»؟

الجواب:

الأكثر إقناعا هو أن هذه الآية على ظاهرها فهي إقامة حجة على المشركين الذين نسبوا الملائكة لله تبارك وتعالى وأنهم بنات لله، تعالى سبحانه عما يصفون، وفي السورة نفسها أيضا تعريض بالنصارى الذين نسبوا عيسى إلى الله تبارك وتعالى ابنا له، وهذه المقدمات تدفع إلى فهم هذه الآية الكريمة، وهذا الدليل أو الحجة تسمى إبطال الأمر بإبطال اللازم أو الأثر، وبعبارة أوضح هو إقامة الحجة ببطلان التالي على بطلان المقدم، فمعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يدعو إلى توحيد الله عز وجل، وإخلاص العبودية له سبحانه وحده، وإلى تنزيهه عما ينسب إليه من ولد أو ملائكة أو شريك أو مثيل أو نظير، فكان هو من يقود الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، وإلى توحيد ألوهيته جل وعلا، فهو يقول لهم أنا أول العابدين لو كان ذلك صحيحا في حين أن واقع الحال المشاهد ينفي هذا الأمر، فواقع حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعرفونه من أمر دعوته وعبادته ألا يعبد إلا إلها واحدا، فإذا كان هو الداعي إلى العبودية وتوحيد الألوهية وهو القائم بأمر الدعوة وهو الذي يبلغهم بالوحي، فكان الأحرى أن لو كان هذا الأمر صحيحا أن يكون هو من يدعو إليه وأن يبينه، فانتقض هذا الأثر فبذلك ينتقض المتقدم ويبطل، فبطلان هذه المقدمة نشأت بإثبات ما هو معهود ومشاهد عندهم من أمر اللازم والأثر، وهو الواعي المشاهد.

وضرب ابن عاشور مثال ذلك أن تقول: «إن كانت الخمسة زوجا فهي منقسمة إلى قسمين متساويين، الآن قد يظن السامع أن هنالك احتمالا صحيحا أن الخمسة عدد زوجي، لكن لما يمحص اللازم من هذا وهو التالي لها فتنقسم إلى قسمين متساويين، فتجد أنها يستحيل أن تنقسم إلى قسمين صحيحين متساويين فيدرك أن المقدمة باطلة، إذن لماذا لم تكن بصيغة لو كقوله تعالى: « لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» فينتهي كل إشكال، ولكنها جاءت بصيغة الشرطية «إن» فهذا من أسلوب الحجاج والمناظرة في القرآن الكريم أنه يجذب هؤلاء المعاندين المخاطبين المناظرين للسماع حتى يوصلهم إلى النتيجة ويقنعهم بها، فلو كان هذا السياق منفيا في المقدمة الأولى لما أدركوا السبب النافي، ومن المشركين الذين نسبوا الملائكة إلى الله تبارك وتعالى قال: «قد صدقني محمد والقرآن» فقال له الوليد بن المغيرة: «كلا لم يصدقك، فإنه يقول أنا أول العابدين» فأدرك أنه على ما هو معلوم ومشاهد من حاله صلى الله عليه وسلم لا يعبد إلا إلها واحدا، وهو الذي يدعو إلى العبودية والتوحيد، فثبت أنه ليس هناك إلا إله واحد، وهناك أقوال أخرى لكن هذا الرأي الأكثر إقناعا، والله تعالى أعلم.