No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عليها فضيلة مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

12 مايو 2022
12 مايو 2022

السائل يقول:

- ما نصيحتكم لمنهم في الابتلاء لسنين وقلوبهم تتفطر لرفعه؟

الجواب:

لا ينبغي للمسلم أن يسأم من الصبر، فهو المطية التي تبلغ الراكب الغاية، والغاية بإذن الله تبارك وتعالى خير، فإن الابتلاءات تمحيص للعباد، ولا يخلو أحد في هذه الحياة الدنيا من أن يبتلى، إما أن يبتلى بالشدائد وهذه أظهر لأن النفوس في العادة تكون أقرب إلى الله تبارك وتعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)، فحينما يبتلى في النفس أو في المال أو في ما هو عزيز عليه ويصاب بضيق أو شدة أو شيء من الكروب، فإن النفوس في العادة تجنح إلى أن تلجأ إلى الله تبارك وتعالى طلبا في الأنس ودفع ما هو فيه من هم وضيق وكرب وحزن، وقد يبدو له أن الابتلاء بأنواع أخرى أيسر، كأن يبتلى بالمال أو الصحوة والقوة والجاه وغيرها من النعم، ولا ريب أن العافية هي أفضل للإنسان، ولا ينبغي للمسلم أن يتمنى الابتلاء، لكن حقيقة الحياة الدنيا أنها دار ابتلاء، لكنه ما علم أن الابتلاء بالنعم وبالبسط أشد خفاء، ولذلك سماه القرآن الكريم استدراجا: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ۝ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) فالاستدراج أصعب وأخفى لأن المرأ لا ينتبه إليه وقد يبعثه إلى الغرور والتكبر: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ)، فعلى هذا المبتلى أن يصبر وان يجتهد في الأخذ بالأسباب وأن يلجأ إلى الله تبارك وتعالى في دفع السوء عنه، ولينظر فيما أوتي إياه من نعم، ففي كثير من الأحيان نسلط أنظارنا إلى ما ابتلينا به ونغفل عما آتانا إياه ربنا تبارك وتعالى من نعم ومن أحوال طيبة وننسى ما يفتقر إليه كثير من الناس، ولو كانوا في بلائنا نحن كانوا خالين منه إلا أنه في كثير مما أوتينا إياه هم مفتقرون، فننسى كل ذلك، فيكون سبب همنا وغمنا أننا سلطنا أنظارنا إلى ما ابتلينا به دون أن نلتفت إلى ما أوتينا إياه من نعم وفضل من الله تبارك وتعالى وحال طيبة ينبغي لنا أن نشكرها لله تبارك وتعالى جميعا، وأن نستعملها في طاعته، وأن ندفع مرارة الابتلاء بحلاوة هذه النعم، شاكرين لله تبارك وتعالى حامدين له، بهذا يمكن أن يدفع ولو طالت الأيام فإن طبيعة الحياة كذلك، ولا يخلو امرأ في هذه الحياة من الابتلاء ولكن السعيد هو الصابر في البلاء، ويشكر في النعماء كما خاطب الله عز وجل موسى عليه السلام: (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ).

- السائل يقول:

الذي يريد أن يتهجد في الليل، هل يصلي الوتر أو يؤخرها؟ وإذا صلاها وجعلها نافلة فكيف تكون؟

الجواب:

الأفضل طالما يعلم من نفسه أنه سيصلي من الليل لا سيما في الثلث الأخير، فالأولى له أن يؤخر الوتر، لأن الوتر ينبغي أن يكون آخر ما يصليه، فيختم قيامه وتهجده بالوتر، ولا ينبغي له أن يصلي أكثر من وتر في ليلة، "لا وتران في ليلة"، فالأفضل في حقه طالما أنه يعلم من حال نفسه أنه سيقوم الليل ويتهجد لا سيما إن كان لن يفصل بنوم أن يؤخر الوتر ولا يصليها إلا بعد تهجده، فإن كان سيفصل بنوم فلا إشكال، يسوغ له أن يتهجد وأن يتنفل ما شاء الله له.

ولكن إن حصل وأراد أن يتنفل مع الإمام حينما تصلي الجماعة الوتر فله ذلك على أن يضيف ركعة، فالتنفل عند جماهير العلماء لا يكون إلا شفعا، فلا يكون بوتر، ولذلك فإنه حينما يقعد الإمام في التشهد الأخير من الوتر يظل صامتا، وبعد ذلك يقوم ويأتي بالركعة الأخيرة التي يقعد فيها للتشهد الأخير، وفي هذه الحالة سيصلي الوتر بعد أن يأتي بما يتيسر له من تهجد، والله تعالى أعلم.

ـ السائل يقول:

ما صحة الحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما معناه: "استفت قلبك وإن أفتوك"؟

الجواب:

الحديث عند أكثر المحدثين هو حديث وابصة "استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك" وصدره "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في النفس، وكرهت أن يطلع عليه الناس" هذا الحديث حسنه أكثر المحدثين من المتقدمين ومن المتأخرين، وله شواهد أخرى أيضا من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، ورد أيضا مرفوعا إلى نبينا صلى الله عليه وسلـم بطرق مقبولة، فالحاصل أن أكثر المحدثين يرون قبول هذا الحديث.

وأما معناه ليس المقصود منه أن يستفتي المرأ قلبه هو أن يكون الوسيلة لتتعرف على الحلال والحرام، هذا غير مقصود أبدا، ولا يقصد من الحديث أيضا ذوي النفوس المريضة الذين ابتلوا بشهوات الدنيا وزخارفها، وإيفت قلوبهم بآفات الدنيا بعيدا عن مراشد هدايات كتاب الله عز وجل، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلـم هذا باتفاق، وإن كان أهل العلم نحو مناحي شتى في تفسير الحديث، فمنهم من رأى أن الحديث إنما يتعلق بباب الورع لأن الروايات الأخرى تتحدث عن حسن الخلق، ولا تتحدث عن الحلال والحرام والأحكام الواضحة، وإنما تتحدث عما يتعلق بباب الورع والاحتياط في الدين والبعد عن الشبهات، ومن العلماء من يقول إن الحديث يؤكد أهمية استفتاء أهل الذكر لأنه قال: "والإثم ما حاك في النفس، وكرهت أن يطلع عليه الناس" فقال: "وإن أفتاك الناس وأفتوك" فهذا يعني انه استفتى أهل العلم، فالناس هنا عام أريد به الخصوص هم أهل الذكر والعلم ومن يقصدون لتبين أحكام دين الله تبارك وتعالى، فإن وجدت في نفسك ريبة وحاك في نفسك ما سمعته ممن استفتيته فليس لك أن تأخذ بقول من استفتيته بل عليك أن تبتعد عنه وان تجتنبه، فقد يكون المفتي في حال لم يسمع فيها تفصيل الموضوع، أو أنك أخفيت أمرا ما علمته إلا من بعد، ومع ذلك فهو استفتى الناس ولكن بقي في النفس شيء متعلق بالريبة، فليس له أن يحتج بقول العالم رغم ما حاك في نفسه من ذلك الأمر.

ومع ذلك فإننا إذا نظرنا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنجد ما يبين لنا معنى هذا الحديث، وفي صدارة ذلك حديث أبي عبدالله النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس،، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه". ويؤكد ذلك أيضا الحديث المشهور وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلـم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".

السائل يقول:

ـ ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى: (هَٰذَا بَلَٰغٌ لِّلنَّاسِ) في سورة إبراهيم و"بَلاغٌ" في سورة الأحقاف؟

الجواب:

"بلاغ" من حيث دلالتها اللغوية لها معنيان متقاربان وهذان المعنيان يستعملان في كتاب الله عز وجل، والمعنى الأول هو الكفاية، (إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ) أي أن في هذا كفاية للعابدين، ومنه أخذت البلاغة أي علم البلاغة، فالبلاغة البيان الكافي لتوصيل المعنى، هذا هو المعنى الأول ونجد في القرآن الكريم آيات تدل على هذا المعنى ومنها ما تقدم ذكره، ومن معاني البلاغ في اللغة أيضا الانتهاء إلى نهاية الأمر، ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) الانتهاء أي بلوغ الغاية أي الوصول إذا كان الناس لا يعرفون معنى الانتهاء أي الوصول إلى أقصى الأمر وإلى غايته، سواء كان الوصول حقيقيا أو كان مشارفة، أي شارف أن يبلغ نهاية ذلك الأمر، ومثال ذلك قوله تعالى: ( فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أي شارفن أن يبلغن أجلهن، وهذان المعنيان كما تقدم مخصوصان في كتاب الله عز وجل، أي معنى الكفاية، ومعنى الانتهاء إلى غاية الأمر.

وفي سورة إبراهيم (هَٰذَا بَلَٰغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ) أي هذا كفاية تنهيهم إلى غاية الإنذار والهداية، وفي الأحقاف كذلك، ولكن فيها حذف المبتدأ عند أكثر النحاة، فالأصل "هذا بلاغ" وهو أيضا بمعنى الكفاية وبلوغ منتهى ذلك الأمر.

وورد أيضا في كتاب الله (أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ) أي أنها بالغة نهاية التوكيد فيها، ويرد في القرآن الكريم أيضا البلاغ بمعنى الإبلاغ والتبليغ، واسم المصدر يدل على المصدر ويقوم مقامه، ومن ذلك أيضا قوله تعالى: ( فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) أي الإبلاغ والتبليغ، وحينما نقول إن للكلمة معنيين متقابلين، هذا لتوضيح دلالة الكلمة، قد يدل على أحدهما أكثر في بعض المواضع وقد يدل على الآخر بشكل أوضح في بعض المواضع، وقد يدل على القدر المشترك منهما، وهي معان متقاربة جدا، وهذا ليس من باب المشترك ولكن هذا لبيان دلالة هذه الكلمة والله تعالى أعلم.