No Image
إشراقات

فتاوى يجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام لسلطنة عمان

30 يونيو 2022
30 يونيو 2022

كنت أصلي في جماعة فقرأ الإمام في الركعة الثانية بعد الفاتحة آية «مُدْهَامَّتَان» فقط ثم ركع، هل يصح ذلك؟

اختلف أهل العلم في الحد الأدنى المجزي للقراءة بعد الفاتحة في الصلاة، فمنهم من ذهب إلى أن آية واحدة كافية، ومنهم من قال بثلاث آيات، ومنهم من قال بآية طويلة، مثل آية الدين أو آية الكرسي، ومع ذلك فإن العلماء قد رأوا صحة صلاة من أتى بآية واحدة، لكن لا ينبغي الاقتصار على الآية الواحدة، إذ إن الذين ذهبوا إلى جواز الاقتصار على الآية الواحدة وأنها تحقق الإجزاء في الصلاة، تحدثوا عن آية معناها مستقل غير محتاج إلى ما قبلها أو إلى ما بعدها، أو أن تكون مستقلة بحكم لا يتعلق بما قبله وما بعده، ومنشأ ما تقدم هو أن الله تبارك وتعالى أمر في كتابه الكريم، قال: «فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ» ورسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من رواية حتى في حديث المسيء صلاته قال: «فإذا قرأت بأم القرآن فاقرأ ما تيسر ثم اركع» وورد أيضا من طريق أبي سعيد الخدري أيضا قال: «فإذا قرأتم بأم الكتاب فاقرأوا بما تيسر» ولكن مع ذلك فإن الأولى إن اقتصر على آية واحدة أن يأتي بآية تامة المعنى، ومعلوم أن «مُدْهَامَّتَان» هي وصف لجنتين ذكرهما الله في سورة الرحمان، وهي ليست آية مستقلة، وفي كتاب الله عز وجل من الآيات المفردة التي تكون معانيها قائمة استقلالا الكثير مما ينبغي للمسلم أن يصير إليه، هناك من رخص في ما سوى الفرائض كصلاة الوتر على سبيل المثال، وذلك يروى عن الإمام جابر أنه فعله في صلاة الوتر، ولكنه مع ذلك فعله مرة، وأراد أن يبين جواز ذلك لأصحابه فقرأ بآية «مُدْهَامَّتَان» في الوتر، ثم ورد في الأثر أنه دخل إلى بيته فصلى من الله ما شاء الله، فلم يكن ذلك من باب التكاسل والتهاون وإنما كان ذلك لبيان الجواز.

ومنهم من رخص في البدل من الصلوات تخفيفا وتيسيرا، فمن كان عليه قضاء صلوات كثيرة من الفرائض مما يقرأ فيه بما سوى فاتحة الكتاب، فقد رخص له أن يقتصر على آية واحدة وضربوا المثل على ذلك بقول الله تبارك وتعالى: «مُدْهَامَّتَان» هذه أحوال مختلفة فهذا مقصد بيان الجواز ومقصد التخفيف والتيسير في مثل هذه الأحوال مرعي ظاهر، أما أن يكون ذلك في صلاة الجماعة وأن يقصد الإمام أن يقتصر على آية واحدة، ففي النفس ما فيها خاصة إذا لم تكن هذه الآية تامة المعنى مستقلة بما تدل عليه عند عموم المصلين، ولكن مع ذلك لا يرقى الأمر إلى حد فساد الصلاة والله تعالى أعلم.

هل تثبت الآية «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ» أن وجود الغل في الصدور هو الأصل في المؤمنين؟

لا يمكن أن يؤخذ من قول الله تبارك وتعالى في الآية الكريمة، أن الأصل في نفوس المؤمنين وجود الغل، وإنما هذا مما يعتري النفوس باطنا، والمؤمن مأمور كما وصف الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بقوله: «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا»، المؤمن مأمور بدس هذه المشاعر التي تعتري نفسه، وأن لا يرتب عليها ما يمكن أن يكون فيه تنقص من حقوق أخيه المسلم أو تحقير له، لكن يعتري هذه النفوس شيء ما يلوثها كما يقال، وهذا الحد الأدنى الذي يمكن أن يصيب هذه النفوس يجد منه المسلم في حياته فإن من شأنه أن يكون طاهر القلب، وأن يكون سليم النفس، خالص الطوية لأخيه المسلم، ويتأذى من وجود شيء من خلجات النفس مما يمكن أن يثير العداوة، وأن يبعث في نفسه شيئا من الحقد، أو يبعث في نفسه شيئا من الغيض على أخيه المسلم فإنه يكابد ذلك ويدفعه عن نفسه، هذه المكابدة وهذه المعاناة باستلال سخائم هذه النفوس حتى وإن كانت من اللمم التي يعتريها فإن الله تبارك وتعالى يطهر نفوسهم وقلوبهم منها ثوابا من عنده سبحانه وتعالى في الحياة الآخرة، هذا هو المعنى الذي يدور عليه كلام أغلب المفسرين.

ما صحة هذا التصرف، شخص وجبت عليه زكاة ثمار النخيل، فحدد المزكي نخلة من أحسن الأصناف من نخيله عنده، وجعل ثمارها وهو مقدار الزكاة الواجبة عليه، وأخبر إحدى الأسر المستحقة للزكاة أن يأتوا لقطف الثمار منها، وحينما يحين الجداد يقوم المزكي بجدادها وتسليم الثمار المحصودة منها، علما أن المزكي يعلم أن ما تحمله تلك النخلة يوازي أو يزيد عن مقدار الزكاة الواجبة؟

لا يظهر مانع من هذا التصرف إذا كان حرصه للقدر الواجب عليه من زكاة التمور حرصا دقيقا منضبطا، والأصل كما هو معلوم أن زكاة ثمار النخيل إنما تكون إذا كانت هذه الثمار تمورا، لكن للعلة التي ذكرها وهي انتفاع المستحق للزكاة من الرطب مع حصولهم أيضا على التمور عند الجداد، وكون ثمار هذه النخلة وافية بالقدر الواجب عليه في زكاة نخيله جميعا، فلا مانع من مثل هذا التصرف، بقي أن ينتبه أنه إذا أصاب ثمار هذه النخلة ما يتلفها فإن عليه أن يلتفت إلى أنه لم يؤدِ كل الحق الواجب عليه فعليه أن يكمل لهم أو لغيرهم من الفقراء والمساكين المستحقين للزكاة القدر الواجب عليهم من زكاة ثماره، وظني أن العرف أيضا قد أذن بمثل هذا التصرف، لكن لا ينبغي أن يخلط، لأن هناك من النخيل ما يهبه رب النخل لمن شاء، وقد يكون فيهم من الفقراء والمساكين، أو أن يكون ذلك من صديق أو لعامل يعمل عنده، فهذا ليس ما نتحدث عنه، وليست هي بالصورة التي يسأل عنها، فالذي يسأل عنه أنه قدر نخله وثمار هذه النخيل وقدّر المقدار الواجب عليه، فرأى أن ثمار نخله أنها من أجود نخيله وأنها تفي بالقدر الواجب عليه أو تزيد، ويعلم أن الفقراء أيضا يحتاجون إلى أن يأكلوا رطبا وأنهم لا يرغبون في أن ينتظروا إلى حصاد التمور، فدفع بالنخلة كلها إليهم، لأنها تفي بالقدر الواجب عليه، وقصد من ذلك تأدية زكاة نخله، فلا مانع من ذلك، والله تعالى أعلم.

الخل الذي يستخدمه العمانيون لتطييب لحم الشواء، هل له ضوابط معينة لا بد أن يراعيها الإنسان قبل الاستخدام، وخاصة أنه يصنع من التمر؟

هذه المسألة أهم ما فيها أمران اثنان، الأمر الأول فهو أن مردها إلى أهل الاختصاص من خبراء التغذية وصناعة هذه الأغذية والإدام خصوصا الخل، فالأصل فيها من حيث المدة والمكونات والطريقة أنها ليست مسألة شرعية، الجانب الشرعي فيها هو أن يكون هذا الخل غير مسكر، وذلك أن كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام، وأن كل مسكر حرام، فالإسكار هو الوصف الذي علق عليه الحكم الشرعي بالحرمة، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما، أما إذا تبين أن شرابا ما أو محلولا معينا هل هو بطريقة صنعه وبمكوناته هل هو مسكر أو غير مسكر، فهذا ليس من دائرة الفقه، فالأمر يرجع إلى أهل الاختصاص، والقاعدة الشرعية المتعلقة بهذا الجانب إنما تدور حول الإسكار، هل هذا المحلول في صورته النهائية هل يمكن أن يؤدي إلى الإسكار أو لا يؤدي إليه، وكما تقدم فإن أهل الاختصاص بمثل هذا الشأن هم الذين يضعون الضوابط والمعايير ويبينون الكيفية ويصدرون أوصافا لهذه المحاليل والمركبات التي يصنعها الناس.

الأمر الثاني هو أن المعول في ذلك أيضا على أهل الصلاح والاستقامة من أهل الخبرة والدراية بهذا الشأن حتى لا تبقى المسألة عائمة ونكلف الناس ما لا يستطيعون، لأن العادة محكمة، والعرف في مثل هذه المسائل هو عرف أهل الصنعة الأخيار الصلحاء لا عبرة بما عليه السفهاء أو الذين لا يبالون، وإنما يعول على ما يقرره العرف عند الأخيار الصلحاء الذين يشتغلون بهذه الصنعة، إذ إنهم بما جربوه وما ورثوه وما نشأوا عليه يميزون ويعرفون بالتجربة أن الذي يصنعونه هو خل غير مسكر، هو الخل المعروف الجائز شرعا، فهؤلاء يؤخذ بقولهم ما لم يكن هناك ما يدل على العكس، فالأصل قبول قولهم لأنهم أهل اختصاص ودراية بهذه الصنعة، ثم إنهم هم كما تقدم لا بد أن يكونوا من الصلحاء الأمناء على مثل هذه الأمور، فهؤلاء يؤخذ قولهم.

والباعث إلى مثل هذه الضوابط، أنه من الناحية العلمية فإن الإناء الذي يصنع فيه الخل ويزفت فيه، ونوع هذا الإناء، فهنالك من الروايات ما نهت عن التخليل في أوعية مخصوصة، وأرشدت إلى أوعية أخرى، لكن هذه الأوعية لها أثر، وما يضاف إلى هذه المخللات سواء كانت من التمور أو من غيرها فإن لها أثرا، وهل يضاف لها ملح أو لا يضاف لها وأثره، والمكان الذي توضع فيه من حيث الرطوبة ودرجة الحرارة والإضاءة والإظلام لها أثر، وهل تغطى أو لا تغطى، والمدة لها أيضا أثر. فمن أجل كل هذه العوامل يصعب أن يحصر وأن يقال: إن المدة الفلانية تحول المخلل إلى مسكر، بغض النظر عن العوامل السابقة، فهذا ليس من الإنصاف.

فلهذا قلت: إن أهل الاختصاص هم الأدرى فإن لم يوجد هؤلاء فليعول على قول أهل الدراية والخبرة الذين استقر العرف عندهم على صناعة الخل من الأمناء والصلحاء، والله تعالى أعلم.

في قوله تعالى: «يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ» لماذا يوجد الباب في هذا السور؟

الباب باختصار شديد عند أكثر المفسرين يراد منه بيان معنى أنه الباب الذي يدخل منه المؤمنون الذين يسعى نورهم بين أيديهم يدخلون منه إلى الجنة، ولذلك قال باطنه فيه الرحمة، يدخل منه هؤلاء المؤمنون الذين رزقهم الله الجنة، فهم ليسوا محتجزين أو ممنوعين، وإنما هو إكرام لهم أن يدخلوا من هذا الباب، ويمنع منه المنافقون، وهذا المعنى ظاهر قاله أكثر المفسرين.