اليَتيمُ البَهيّ
ما بَرِحْنا نَشُمُّ ريحَ ردائهْ
ونُسَمّي الجهاتِ دَرْبَ حِرائهْ
ما بَرِحْنا نَحُسُّ دِفْئاً قَصيًّا
كامِناً في صِفاتِنا من سَنائهْ
هادئاً مَرَّ كانتظاراتِ غيمٍ
في وجوهِ الجياعِ مِنْ فُقَرائهْ
تُعْشِبُ الأرضُ حِنْطةً وزَبوراً
ويَماماً مُباركاً مِنْ ورائهْ
بَشَّرَتْ بِاسْمِهِ الخليقةُ لمّا
صوَّرَ اللهُ قَبْضَةً مِنْ بَهائهْ
قال: كُنْ أحْمَدَ الوصيَّ بعَهْدي،
اليَتيمُ البَهيُّ مِنْ أنبيائهْ
أيُّ نهْرٌ مِنَ القداساتِ يَجْري؟
قد مَدَدْنا عُروقَنا في ضِيائهْ
يا أبا المُتْعَبينَ، يا مَنْ عَبَرْنا
موحِشاتِ الضفافِ تَحْتَ لِوائهْ
جئتُ أشكو إليكَ قتلاي، إني
كائنٌ أثْكَلَتْهُ حربُ بقائهْ
جاثِياً في جحيمِهِ، لمْ يُغادرْ
قِصَّةَ الطينِ في كتابِ دمائهْ
لمْ يَصِلْ ذاتَه الغريبةَ، ضاعتْ
حين ضاق الطريقُ عن غُربائهْ
مُنْذُ أغْوَتْهُ عُشْبَة الخُلْدِ يَسْعى
وأضاعَ الخُطى لطفلِ بكائهْ
حاملاً ثأْرَهُ القديمَ ويبْني
مُدُنَ التيهِ فوقَ رَمْلِ شقائهْ
دمُهُ في مَذابحِ الربِّ يجْري
بِاسْم مَنْ صادروا بَريدَ سَمائهْ
آدميٌّ في هَيئةِ الخلقٍ لكنْ
يَتَخَفَّى بِنابِه وعوائهْ
عاد قابيلُ بَيْدَ ما مِنْ غُرابٍ
كي يواري قتيلَنا في عَرائهْ
نجمةُ الروحِ أغَمَضَتْ وانطفأْنا
مَدَداً يا كليمُ فالركْبُ تائهْ
لو كَشَفْتَ الحجابَ ألْفَيْتَ خَلْقاً
يسألونَ الذبيحَ عن كرْبُلائه
مات إنسانُنا، رَثَوْهُ، تهادَوْا
نَخْبَه، وبَكَوْا نَهارَ عَزائهْ
صَدَّقوا الذئبَ في متاعِ أخيهمْ
ثُمَّ عادوا بِزُورِهم في كِسائهْ
قُلْ لنا كيف يَنْهَضُ الآن فينا
طائرُ الروحِ مِنْ رمادِ فنائهْ
ربَما في الغدِ الأخيرِ وُلِدْنا
بَشَراً خالصاً بِمَحْضِ نقائهْ
قُلْ لنا كيف في غيابِكَ نَتْلو
سورةَ الماءِ كيْ يعودَ لمائهْ!
