إشراقات

المدير التنفيذي لشبكة صناع السلام: البلد الذي ينعم بالتسامح يكون مناخا خصبا للتنمية الاقتصادية

24 نوفمبر 2022
أشاد بجهود سلطنة عمان في نشر السلام
24 نوفمبر 2022

لدينا أكثر من 84 منظمة تنضوي تحت هذه الشبكة.. وعمان التحقت بنا منذ التأسيس -

نحن إطفائيون نجتهد لنعزز الترابط بين الناس.. ولا نسأل من أشعل هذه الحرائق -

يدعون إلى السلام وينبذون كل الدعوات التي تحض على العنصرية والكراهية، يعملون في مناطق الصراع، ويحاولون تقريب وجهات النظر، لتلتقي الأفكار وفق المشترك الإنساني الذي يؤلف بينهم، هذا الهدف الذي من أجله تم إنشاء شبكة صناع السلام الدينيين والتقليديين في فنلندا، وقد شاركت هذه الشبكة في تنظيم مؤتمر المؤتلف الإنساني الذي أقامته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالتعاون مع بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة، بمناسبة يوم التسامح، وكان الدكتور محمد السنوسي المدير التنفيذي لشبكة صناع السلام الدينيين والتقليديين مشاركا في هذا المؤتمر، فاستعرضنا معه من خلال هذا الحوار أبرز الأنشطة والأدوار التي تقوم بها هذه الشبكة، وما أبرز مناطق الصراع التي عملت فيها، وعن مرحلة التأسيس، والمنظمات المنضوية تحت هذه الشبكة.

ما الدلالة التي يطرحها مسمى هذه الشبكة «صناع السلام الدينيين والتقليديين»؟

الدلالة التي تنبثق من هذا المسمى هي أن فنلندا كدولة، وأيضا منظمة التنمية الفنلندية تعمل في مناطق صراعات في العالم لأكثر من عقدين من الزمن، فمن خلال عملهم في هذه البلدان خاصة في جمهورية إفريقيا الوسطى، وفي الصومال، وفي ميانمار، وجدوا أن في تعزيز السلم والسلام يتم من خلال القيادات الدينية والتقليدية، فالدينية هم القادة الدينيون، والتقليدية هم زعماء القبائل والشيوخ، ففي هذه المناطق لهم دور كبير يؤدونه في تعزيز السلم، وإشاعة السلام ولكن هذا الدور لم يدعم، ولم يعزز من قبل المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والدول الغربية، فالقيادات الدينية والتقليدية تعمل على مستوى المجتمعات المحلية، وبمصادر ضعيفة جدا، ولكن نجد أن لها التأثير الكبير على تلك المجتمعات، وهذا التأثير لم تستطع أن تحدثه حتى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الكبرى؛ لأن هذه القيادات لديها اتصال مباشر مع الأطراف المتنازعة، وذلك من خلال الخدمات الاجتماعية التي يقومون بها.

فلذلك دولة فنلندا، ومنظمة التنمية الفنلندية قدّمتا توصية للأمم المتحدة، وهذه التوصية وجدت طريقها إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2012م وهو «بان كي مون»، فضمن في تقريره السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، أن للقيادات الدينية والتقليدية دورا بارزا، وهذا الدور لم يفعل بشكل أكثر، وأنه لا بد أن نجد آلية لدعم هؤلاء القيادات، فأدوارهم الكبيرة لم تفعل لضعف إمكانياتهم، فلذلك العالم لا بد أن ينتبه لهذا الأمر حتى ينعكس إيجابا على السلام.

إذن هل هذه الشبكة منبثقة من مؤسسات حكومية فنلندية، أو أنها تابعة لمؤسسات مجتمع مدني؟

عندما وجدت هذه التوصية طريقها إلى تقرير الأمم المتحدة، فبالتالي الفنلنديون بمجتمعهم المدني ومؤسساتهم الحكومية، قالوا بما أن الأمين العام للأمم المتحدة ضمن توصيتنا في تقريره، فعلينا أن نجد آلية لتفعيل هذه التوصية، وبما أن التوصية كانت تتحدث عن الوساطات والمصالحات، وقد تبنّت هذا الأمر وكالة الأمم المتحدة للسلام والوساطات فجمعت وكالات أخرى بالإضافة إلى الحكومة الفنلندية، ومنظمة التنمية الفنلندية، وست منظمات من الأمم المتحدة، ومنظمة أديان من أجل السلام، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمات أخرى، جاؤوا كمكتب تنفيذي لهذه الشبكة، والتحقت بهم عدة منظمات حول العالم، منها معهد السلام الأمريكي، ومنظمة توني بلير في بريطانيا، ومنظمات في نيجيريا، ومنظمة الاتحاد الأوروبي، ومنظمة السويسريين، فالآن عندنا أكثر من 84 منظمة تنضوي تحت هذه الشبكة، وعمان التحقت بنا منذ التأسيس، ولكنها دخلت في المكتب التنفيذي، ودخلت مع فنلندا، وأصبحتا الدولتين الوحيدتين في العالم في المكتب التنفيذي لهذه الشبكة، ممثلة بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية.

ما الأنشطة السابقة التي أقمتموها مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وكانت ضمن المؤتلف الإنساني ودعوات السلام؟

هنالك العديد من الأنشطة والفعاليات التي أقمنها مع شركائنا في عمان، وكان معالي الدكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينية يحضر جميع اجتماعات الشبكة خلال السنوات العشر الماضية، ومن الاجتماعات التي أذكرها هو اجتماع الشبكة في كوسوفو عندما جاء معاليه وقدّم رؤية عمان الدينية في المصالحات، ووجدت قبولا كبيرا جدا من الحضور، وكذلك تعاونا مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في المؤتلف الإنساني بقيادة الوزير السابق الشيخ عبدالله بن محمد السالمي في مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني، وتعاونا في إطلاق المشروع في إندونيسيا في نوفمبر عام 2019، ومنذ ذلك الوقت نعزز فكرة ومفهوم المؤتلف الإنساني حول العالم، وبعد ذلك تعاونا في الاحتفال باليوم العالمي للتسامح وجئنا بقيادات عالمية لتشارك معنا في هذا اليوم على مدى السنوات الماضية.

كيف يمكن أن نستثمر مؤتمر المؤتلف الإنساني في إيصال رسالة السلام في ظل الصراعات والحروب الدائرة؟

العالم اليوم يمر بأزمة حقيقية؛ فالحروب والصراعات دائرة في العالم، وهذه الحروب لها أسباب كثيرة جدا، ولكن بغض النظر عن هذه الأسباب فنحن نحاول أن نسهم في إطفاء هذه الحرائق من خلال هذا المؤتمر لنقرّب وجهات النظر، لذلك يأتي هذا المؤتمر ويقول للعالم إن المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي، بالإضافة إلى ذوي المعتقدات الأخرى يجتمعون تحت سقف واحد، ويبحثون من خلال أفكارهم وأطروحاتهم عن الآليات الفعالة لتعزيز السلام، فلذلك هذا الذي يمكن أن نسهم به في العالم، ويأتي انعقاد هذا المؤتمر في عمان لأنها من بين الدول التي لا نرى فيها تطرفا، ولا نرى فيها تعصبا، ونرى أن التسامح منداح للجميع، ونرى العمانيين ومن يقطن معهم ينعم بالعيش الآمن، ونجد أن هذا البلد لم تحصل فيه أي عملية إرهابية، وذلك لأن أرضية التسامح انعكست إيجابا على السلام الذي نراه في الدولة، وهذا مهم جدا؛ لأن هذه الأمور مرتبطة ارتباطا وثيقا مع بعضها.

ومن المعلوم أن البلد الذي ينعم بالتسامح يكون مناخا خصبا للتنمية الاقتصادية، وذلك بتماسك النسيج الاجتماعي الذي يسوده الاحترام المتبادل بين الناس.

ونحن نجتمع في عمان لنقول للعالم نحن إطفائيون نجتهد بمجهوداتنا القليلة لنعزز هذا الترابط بين الناس ليكونوا إطفائيين، ولا نسأل من أشعل هذه الحرائق، فالإطفائي عندما يأتي إلى البيوت المحترقة لا يسأل من أشعل النيران وإنما يشرع مباشرة في إطفاء تلك الحرائق.

ما أبرز المنجزات التي حققتها الشبكة في مناطق الصراع؟

هنالك جهود كثيرة أذكر لك منها أنه عندما اندلعت الأزمة والصراع في إفريقيا الوسطى بنهاية 2013 م قمت بزيارتها 14 مرة، رغم أن الصراع لم يكن صراعا دينيا، ولكن الصبغة التي أعطيت له على أنه صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين، لذلك ذهبت وأخذت معي من المسيحيين رئيس الإنجيليين في أمريكا، وهي منصب ديني كبير في أمريكا، وأخذت معي كاردنال من الكنيسة الكاثوليكية، ورئيس الاتحاد الإسلامي في أمريكا، بالتعاون من الحكومة الأمريكية، وذهبنا جميعا إلى إفريقيا الوسطى، بعد عدة أشهر من الحرب التي كانت هناك، حتى نعطي صورة التعايش بين المسلمين والمسيحيين، وزرنا المساجد والكنائس، على الرغم من أن الصراعات والحرب كانت مشتعلة، حتى أننا استعنا بالقوات الأمريكية، فأرسلوا المارينز لحمايتنا، وبعد ذلك جمعنا المسيحيين والمسلمين، ووجدنا أنه لكي يكون هنالك حوار بين المسلمين والمسيحيين، يجب أن نعالج المشاكل داخل المسلمين في إفريقيا الوسطى؛ لأنهم كانوا على خلاف بين المسلمين السكان الأصليين لإفريقيا الوسطى، والمسلمين المهاجرين من الدول المحيطة، سواء كانوا من تشاد أو من نيجيريا، أو من السودان، فعملنا على هذا لمدة 3 أعوام لنرأب الصدع ما بين المسلمين أنفسهم؛ لأن مفهوم المسلمين هناك أن الذي اعتنق الإسلام لا ينبغي أن يكون قائد المسلمين، وإنما الذي يقود المسلمين يجب أن يكون ولِد على الإسلام، هذا مثال على الأمور الدائرة في ذلك المكان، فعملنا على هذا لسنوات، فجئنا بهذه القيادات الإسلامية إلى النمسا، ورأبنا هذا الصدع، ثم بدأنا حوار الأديان فيما بينهم والمسيحيين، وإلى الآن لا يزال العمل مستمرا.

وكذلك عندنا أعمال في ميانمار، وعندنا عمل الآن لحماية دور الأديان في سبع دول أوروبية، وعندنا أعمال أخرى متعلقة بالشباب أيضا.

إذن أنتم تعملون في المناطق التي يحدث فيها الصراع ويأخذ شكلا دينيا أو قبليا؟

تستطيع قول ذلك، لكن نجد أن الكثير من هذه الصراعات ليست دينية وليست قبلية، ولكن يُستخدم الدين لأجل تأجيج هذه الصراعات، ويُستغل من قبل السياسيين، وذلك ما حدث فعلا في صراعات إفريقيا الوسطى.

وفي أثناء الجائحة انتشر خطاب الكراهية خاصة في دول جنوب وشرق آسيا، لذلك اتصل بنا الاتحاد الأوروبي وطلب منا أن نقدم له مشروعا يعزز خطاب السلام، فعملنا في باكستان والهند وبنجلاديش وسريلانكا، حتى نحارب خطاب الكراهية الذي نتج عن جائحة كورونا، وكنا نريد الوصول إلى 45 مليون شخص، ولكن ولله الحمد وصلنا إلى 75 مليون شخص.

طبعا نظرا لجهودك الشخصية استطعت الوصول إلى أن تكون مديرا تنفيذيا لهذه الشبكة، فهل كنت معهم في مرحلة التأسيس أم التحقت بهم في وقت لاحق؟

التحقت بالشبكة قبل 8 أعوام، ولكن قبل ذلك كنت مدير مكتب الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية لحوار الأديان والعلاقات مع الحكومة الأمريكية، فهذا المكتب كان لأكبر منظمة إسلامية في أمريكا، ومقرها في واشنطن، وبما أنني كنت في جانب حوار الأديان، فالفنلنديون كانوا يبحثوا عن مدير تنفيذي للشبكة، فعرضوا علي هذا الأمر ووافقت.

هل يتم تنظيم مثل هذه المؤتمرات في أوروبا التي تدعو إلى المؤتلف الإنساني ونبذ خطاب الكراهية؟ وكيف تجدون أثر ذلك في التعايش بين الثقافات والديانات المختلفة في أوروبا؟

لا أخفي عليك أن أوروبا تحتاج إلى عمل كثير، فقضايا الإسلاموفوبيا والخوف من الإسلام في أوروبا مشاع جدا، والمسلمون في أوروبا إلى الآن لا توجد لديهم حوارات للأديان، وعلاقات مع الأديان الأخرى بشكل ممنهج كما في أمريكا مثلا، وهذا يمكن أن تربطه بطبيعة الهجرات، والاستراتيجية التي انتهجناها في أمريكا هي تقوية العلاقات مع الديانات الأخرى، ونجعلهم هم الذين يدافعون عن المسلمين وعن المساجد؛ لأن صوتهم يكون مسموعا عند أتباعهم، وأهل دياناتهم أكثر من المسلمين، لذلك عندما أنشئت منظمة «كتف بجانب كتف» في أمريكا يقولون: نحن نناهض خطاب الكراهية ضد المسلمين، فهم يتولون أمر المنظمة، ونحن لسنا في الواجهة، هذا النموذج نريده أن يكون في أوروبا، وذلك من خلال التعاون ما بين المسلمين والغالبية من المسيحيين، والسكان الأصليين، والمؤتلف الإنساني هو المدخل الأساسي لأن نؤسس هذه الحوارات؛ لأنه يضم الجميع بغض النظر عن الانتماءات الدينية.