No Image
إشراقات

الدعاء في القرآن الكريم

08 ديسمبر 2022
تأملات قرآنية
08 ديسمبر 2022

من يمعن النظر في الكتاب العزيز يجده حافلا بالكثير من الأدعية التي يوردها أحيانا على لسان الأنبياء والرسل، وعلى لسان العباد الصالحين الذين ذكرهم الله في محكم كتابه كمثل أصحاب الكهف وامرأة فرعون وغيرهم من الذين أثنى الله عليهم لطاعتهم له، والمتأمل في مصطلح الدعاء في القرآن، والسياقات التي ورد فيها ذكر هذا المصطلح، يجده حافلا بالكثير من الدلالات التي نضحت بها تلك الآيات، فهنالك دعاء المؤمنين، ودعاء المشركين، وطريقة الدعاء المستجاب، ولو أتينا إلى المعنى العام لمصطلح الدعاء فنجد أنه يعني الطلب والسؤال، وعبادة الدعاء هي من أعظم العبادات لله تعالى، وقد وعد الله من دعاه أن يستجيب له إذا أوفى بشروط الدعاء ولوازمه فقال تعالى في كتابه العزيز في سورة غافر: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، وقال ربنا تبارك وتعالى حاضا عباده على الدعاء في أسلوب يفيض رقة وجمالا في سورة البقرة: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».

وقد ورد مصطلح الدعاء في سؤال الأنبياء لربهم وطلبهم منه؛ فهذا زكريا عليه السلام يطلب من ربه في سورة آل عمران أن يهب له ذرية ويؤكد على طلبه بتعويله على كرم الله واستجابته لهذا الدعاء الذي يخرج عن نطاق الممكن والعادة، فقد طلب هذه الطلب عندما كبر سنة وأصبح شيخا وزوجته عجوزا، فقال تعالى: «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» فاستجاب له ربه ووهب له على الكبر يحيى وجعله نبيا من أنبيائه.

ونجد سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو أبو الأنبياء يحمد ربه على أن وهبه أيضا على الكبر ولدين وجعلهما أنبياء، فالله سميع الدعاء يستجيب لعباده ولو كان تحقيق ذلك المطلب بكسر النواميس والأنظمة التي وضعها ربنا لتصريف شؤون الخلق، فقال إبراهيم عليه السلام في السورة التي حملت اسمه: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ»، والمتأمل في هذه الفكرة يجد أن لها دلالة عظيمة، وهي دعوة للمؤمنين أن يسألوا الله من فضله، وهم موقنون بالإجابة، ولو كان ذلك الطلب والسؤال يجدونه صعب المنال ولكن الله بكرمه وفضله يهب من يشاء من عباده، فأبواب الكريم مفتوحة، وخزائنه مليئة، فزكريا وإبراهيم عليهما السلام على كبر سنهما لم ييأسا من أن يهبهما الله الذرية، بل كانا على يقين من أن الله سيهبهما ما طلبا فقال زكريا عليه السلام: «إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» وقال إبراهيم عليه السلام: «إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ».

ومن الآيات التي ورد فيها مصطلح الدعاء، هو قول إبراهيم الخليل في السورة نفسها: «رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ» وقد تقبل الله الدعاء وجعله أبو الأنبياء فأولاده وأحفاده أنبياء، وذلك بعد أن اعتزل أباه وقومه، ودعا ربه كما ورد ذلك في سورة مريم فقال: «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا» .

هذا فيما يتعلق بدعاء العبد لربه وطلبه منه، ولكن في الكتاب العزيز نجد سياقات مختلفة تتعلق بدعاء الإنسان للإنسان، أي الطلب منه، فنجد الأنبياء والرسل يدعون قومهم للإيمان بالله وحده، أي يطلبون منهم الدخول في دين الله، ولكن الذين كفروا وسبقت عليهم الشقاوة، نجدهم لا يستجيبون لدعوة أنبيائهم لهم، بل ويعرضون، على الرغم من الآيات والبراهين والنذر، فهم مثل الأنعام التي لا تسمع ولا تفهم، فقال تعالى في سورة البقرة: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ» أي مثلهم كمثل الجمل أو البعير، الذي لا يفهم ما يطلب منه ولكنه يسمع فقط النداء ولا يفهمه، وقد أورد الله في كتابه العزيز سياقات مختلفة للكفار الذين لا يستجيبون لدعوة الحق، فنجده وصفهم بأنهم مثل الصم في سورة الأنبياء قال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ»، بل وتجاوز وصفهم بأنهم أموات وليسوا فقط من أهل الصم، لأنهم لهم قلوب لا يفقهون بها وأعين لا يبصرون بها الحق، وأذان لا يسمعون بها ويستفيدون منها في الهداية فهم مثل الأموات فقال تعالى في سورة النمل: «إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ»، وكرر الله عليهم هذا الوصف في سورة الروم فقال تعالى: «فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ».

وجاء الدعاء بمعنى النداء في الكتاب العزيز ومن ذلك قوله تعالى في سورة النور: «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» أي لا تنادوا الرسول صلى الله عليه وسلـم مثلما تنادوا بعضكم البعض بأسمائهم، فقد كانوا يقولون: يا محمد، ويا أبا القاسم، فأمرهم الله أن ينادوه بما شرفه الله به، وهو يا رسول الله، أو يا نبي الله، تشريفا وتبجيلا وتعظيما.

ويبين الله في مواضع أخرى أحوال الناس في الدعاء، وفمنهم من يدعو الله فقط وقت الشدة، أما في وقت الرخاء فهم معرضون، وهي حقيقة معاشة في طبائع الناس وأحوالهم، فقال تعالى في سورة فصلت: «وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ»، وفي حالة أخرى نجد الإنسان يدعو لما يراه هو أنه خير له ويلح في استعجال ذلك الأمر، ولكن قد يكون ذلك الأمر الذي يستعجله هو شر له، وذلك لأن طبع الإنسان عجول، فقال تعالى في سورة الإسراء: «وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا»، ويبين لنا الكتاب العزيز حالة ثلاث من حالات الإنسان، وهي أنه لا يمل من سؤال ربه الخير والعطاء في الصحة والمال والولد، ولكن إذا مسه شر في ذلك فتجد أنه يصيبه اليأس من رحمة الله، فقال تعالى في سورة فصلت: «لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ».

وقد بين الله الحالة التي يجب أن يكون في الداعي وهي حالة التضرع والاضطرار والخوف التي يجب أن يكون عليها الداعي فقال تعالى في سورة الأعراف: «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».

وأوضح الله حالة أخرى تتعلق بالدعاء وهو دعاء المشركين لما يشركون به فهم في ضلال مبين، فقال تعالى واصفا ذاته العلية التي لها الدعوة الحق، أما ما يدعون من دونه فقد ضرب الله لهم مثلا فقال تعالى في سورة الرعد: «لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ» فهؤلاء المشركون لا ينفعهم ما يشركون به ولو دعوهم كما لا ينتفع الذي يبسط يده للماء ولا يصل إلى فمه، وفي آية أخرى نجد المولى عز وجل يؤكد أن تلك الأصنام التي يعبدونها من دون الله لا تنفع ولا تضر، فقال تعالى في سورة الإسراء: «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا».