وقفة مع ضريبة دخل الأفراد قبل تطبيقها

29 أبريل 2024
29 أبريل 2024

بوصول مشروع القانون الخاص بضريبة دخل الأفراد إلى مجلس عُمان لمراجعته وإبداء وجهة نظر أعضاء المجلسين (مجلس الدولة ومجلس الشورى)، فإن سلطنة عمان في طريقها لتطبق ضريبة دخل الأفراد. وقبل خروج هذا القانون لحيز التنفيذ لابدّ من فهم هذه الضريبة وأهميتها وكذلك التحديات التي ستواجه المختصين في تطبيقها والميزة التنافسية لسلطنة عمان بعد تطبيقها في محيط خليجي لا يطبق ضريبة دخل الأفراد، واقتراح موعد بدء التنفيذ وكذلك نسبة الضريبة على الشرائح المختلفة لدخل الأفراد.

تعريف ضريبة دخل الأفراد: تعد ضريبة دخل الأفراد مبلغًا من المال تفرضه الدولة على الأفراد بناءً على مستوى دخلهم. حيث تهدف الدولة من جمع هذه الضريبة وغيرها من الضرائب لتحقيق أربع غايات، الأولى: لتأمين الإيرادات المالية الضرورية لخزينة الدولة من أجل تغطية النفقات الجارية على الوحدات والمؤسسات الحكومية ومن أجل تقديم خدمات أفضل للأفراد من صحة وتعليم وأمن. ثانيًا لتحقيق المساواة وذلك بإعادة توزيع الدخل بين الأفراد لتحقيق المساواة والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي فيما بينهم بتوجيه بعض هذه الأموال إلى منظومة الحماية الاجتماعية للشرائح الأقل حظًا من كبار السن والأطفال والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والأسر الفقيرة. ثالثًا: لإنشاء وتأهيل البنية الأساسية كتحسين الطرق والجسور وتطوير شبكات الكهرباء والماء، رابعًا: لتوفير السلع الأساسية والخدمات من أجل تأمينها للمواطن والمقيم بسعر مدعوم من الدولة.

وظائف الضرائب: للضرائب ثلاثة أدوار مهمة: الأولى وظيفة مالية، والثانية: وظيفة اقتصادية، والثالثة: وظيفة اجتماعية. فالوظيفة المالية للضرائب تكمن في أهمية دور الضرائب بتأمين الإيرادات المالية الضرورية لخزينة الدولة من أجل تغطية النفقات الجارية على الوحدات والمؤسسات الحكومية. أما الوظيفة الاقتصادية للضرائب باعتبارها إحدى الأدوات المهمة للسياسة المالية للدولة، والتي تستخدمها من أجل تحفيز النمو أو الحدّ من مستويات التضخم. ففي حالة النمو المُتسارعة والتي تؤدي إلى مستويات تضخم عالية، تلجأ الحكومات إلى رفع نسب الضرائب، من أجل امتصاص السيولة النقدية من السوق، وبالتالي التحكم في معدلات التضخم المرتفعة. وفي المقابل وفي حالة انكماش الاقتصاد، تلجأ الحكومات إلى خفض نسب الضرائب، أو حتى اللجوء في بعض الأحيان إلى الإعفاءات الضريبية، من أجل تحفيز الإنفاق، ما يؤدي بالتالي إلى زيادة الإنتاج وما يتبعه من زيادة في الاستثمار والتوظيف على المدى الطويل. وأخيرًا للضرائب وظيفة اجتماعية من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك بقيام الدولة بتوجيه بعض من هذه الأموال إلى منظومة الحماية الاجتماعية للحلقة الأضعف من أفراد المجتمع.

تصنيف الضرائب: يمكن تصنيف الضريبة، بحسب طريقة فرضها وحسابها، فهناك الضريبة الثابتة، والضريبة التصاعدية، والضريبة التراجعية. ومن أجل التوضيح سيتم إعطاء أمثلة افتراضية لشرح تصنيف الضرائب وليس لهذه الأمثلة علاقة بشرائح المستويات والنسب المقترحة بالقانون.

ففي الضرائب غير المرتبطة بالدخل، يتم فرض معدل الضريبة الثابتة على جميع الفئات، من دون الأخذ بالاعتبار قيمة الدخل أو العقار المفروض الضريبة عليه، فتكون الضريبة أو الرسوم المفروضة على إيجار العقارات مثلًا 3% ثابتة على جميع أنواع العقارات بغض النظر عن قيمة العقار وموقعه. ومن أمثلة معدل الضريبة الثابتة أيضًا ضريبة أرباح الشركات البالغة %15 وهي ثابتة على جميع الشركات، مع وجود بعض الاستثناءات على قطاع الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وهناك الضريبة التصاعدية التي يتم تطبيقها على الضرائب المرتبطة بالدخل، بحيث تزيد النسبة الضريبية مع ارتفاع دخل الفرد، فتكون مثلًا %0 لمن دخله الشهري 1,000 ريال عماني أو أقل، وبالتالي تم تحديد خط الأساس البالغ 1000 ريال عماني أو أقل حيث سيتم استثناء هذه الشريحة من أفراد المجتمع من ضريبة دخل الأفراد، وتكون الضريبة التصاعدية 3% مثلًا لمن دخله بين 1001 و2000 ريال عماني، و4 % مثلًا لمن دخله بين 2001 و5000 ريال عماني، و5% مثلًا لمن دخله أعلى من 5000 ريال عماني.

أما الضريبة التراجعية، فهي تلك الضريبة التي تتراجع نسبتها كلما زاد الدخل أو المبلغ الخاضع للضريبة. فبعد أن تم تحديد خط الأساس يكون المعدل الضريبي %0 لمن دخله الشهري 1000 ريال عماني أو أقل، و%5 لمن دخله مثلًا بين 1001 و2000 ريال عماني، و4% لمن دخله بين 2001 و5000 ريال عماني، و3 % مثلًا لمن دخله أعلى من 5000 ريال عماني.

منهجية حساب ضريبة دخل الأفراد: تقوم الحكومة أولًا بتحديد خط الأساس الذي يتم استثناء الأفراد الذين يكون دخلهم على مستوى خط الأساس أو أقل منه وبالتالي لا يتم فرض ضريبة على دخلهم، فعلى سبيل المثال لو حددت الدولة بأن خط الأساس هو 1000 ريال عماني، وبالتالي سيستثني القانون كلا من دخلهم الإجمالي 1000 ريال عماني أو أقل من دفع الضريبة. ومن ثم تحدد شرائح دخل الأفراد فيما يتجاوز خط الأساس حيث تقوم الحكومة باستقطاع نسبة محددة من جميع مصادر دخل الأفراد.

تكون منهجية حساب ضريبة دخل الأفراد على زيادة قيمة الضريبة بشكل يتناسب طرديًا مع مقدار دخلهم المشتمل على دخلهم من الرواتب والأجور، وعوائد الاستثمارات في الأوراق المالية والعوائد من الودائع البنكية، والعوائد من العقارات المملوكة من الأفراد، وكل ما يُدر دخلًا أو إيرادًا لهم.

وتختلف ضريبة دخل الأفراد عن ضريبة الممتلكات، فهي ضريبة معنية بحساب الضريبة على الإيرادات الآتية من ممتلكاتهم واستثماراتهم، وليست على قيمة الممتلكات من عقارات وأسهم وسندات وغيرها من أوجه الأصول وكذلك قيمة استثماراتهم.

آليّة احتساب ضريبة دخل الأفراد: عادة تكون هناك شرائح للدخل ولكل شريحة نسبة مئوية للضريبة يحددها القانون أو اللائحة التنفيذية. ففي البداية يتم تحديد دخل الفرد من كل المصادر وليست مقتصرة على الدخل من الراتب، وبعدها يتم تحديد الشريحة التي يتبعها هذا الدخل ويتم دفع النسبة المئوية المحتسبة لتلك الشريحة، وتختلف هذه الشرائح كما تختلف النسب من دولة لأخرى. فبعض الدول تصل هذه النسبة إلى أكثر من ثلث دخل الفرد.

ويفترض بأن تكون نسبة ضريبة دخل الأفراد متغيرة بناءً على الشرائح وليست ثابتة، فهي ليست كضريبة أرباح الشركات والتي تم تحديدها بنسبة ثابتة قدرها %15 على جميع الشركات باستثناء أرباح شركات قطاع الصناعة والتي استثناها القانون من دفع ضريبة الأرباح لأول خمس سنوات، كما حدد القانون ضريبة أرباح المؤسسات الصغيرة لتدفع نسبة ضريبة ثابتة قدرها 3% على أرباحها.

الإعفاءات المستثناة من ضريبة الدخل

عند حساب ضريبة الدخل للأفراد، يوجد عدد من الاستثناءات التي لا تخضع للضريبة، فهناك خط الأساس للدخل للفئة الأقل دخلًا والتي يستثنيها القانون من ضريبة الدخل، كما يتم خصم بعض المصاريف من الضرائب كأموال الزكاة والصدقات والتبرعات الاجتماعية والهبات والهدايا الشخصية وتكاليف الدراسة والتدريب والتأهيل الشخصي للفرد أو لأحدٍ من أفراد عائلته، كما تستثني الضريبة مصاريف التأمينات الشخصية المختلفة على الممتلكات بما في ذلك المنزل والمزرعة والسيارات الشخصية وكذلك التأمين الصحي له ولأفراد عائلته.

هل ضريبة دخل الأفراد عادلة؟: ينظر البعض على ضريبة دخل الأفراد بأنها عادلة وتحقق العدالة الاجتماعية، فيما يعتبرها البعض الآخر غير ذلك تمامًا. وقد تكون الضريبة قاسية نوعًا ما لأولئك الذين أهلوا أنفسهم بأموالهم الخاصة وفي بعض الحالات بديون وقروض لدراستهم وتأهيل أنفسهم للوصول إلى ما وصلوا إليه من جدٍ واجتهاد واستثمار شخصي بطلب العلم والمعرفة واكتساب المهارات المختلفة حتى أصبح دخلهم مرتفعا. فالقانون لا ينظر كيف كان حالهم عندما كانوا في مراحل الدراسة وكيفية تمويل دراستهم وإنما ينظر القانون فقط إلى مستوى دخلهم الآن.

التحديات التي ستواجه تطبيق الضريبة: من التحديات التي ستواجه الجهات المشرفة على تطبيق ضريبة دخل الأفراد هو كيفية حصر الدخل في ظل غياب معرفة المصادر المتنوعة للدخل لكل فرد. كما أن من التحديات التهرب الضريبي بإخفاء مصادر الدخل أو تقليلها تفاديًا لدفع ضريبة الدخل أو إظهار الفرد بأنه تابع لشريحة أقل من دخله الحقيقي. وتحتاج الجهات المشرفة على تطبيق ضريبة دخل الأفراد إلى وقتٍ طويلٍ لتثبيت الأفراد في الشريحة الصحيحة وبالنسبة المتوافقة مع دخله.

تأثير الضريبة على القوة الشرائية: كما تم التطرق سابقًا بأن الضرائب إحدى أدوات السياسة المالية وبالتالي فرضها ستؤثر على حجم الطلب للبضائع والمنتجات والخدمات بمقدار النسبة المُقتطعة من دخل الفرد، وستقل القدرة الشرائية نتيجة لفرض الضريبة، وسيكون العرض أعلى من الطلب وبالتالي ستنخفض الأسعار نسبيًا، ولن يكون هناك تضخم لأسعار البضائع والمنتجات والخدمات على الأقل في العام الأول من تطبيق الضريبة.

تأثير الضريبة على جذب الكفاءات الأجنبية: يحيط بسلطنة عمان بقية دول مجلس التعاون الخمس، وكلها لم تطبق ضريبة دخل الأفراد حتى الآن، وبالتالي ستواجه سلطنة عُمان تحدي جذب الكفاءات الأجنبية وستكون المؤسسات الحكومية والخاصة غير قادرة على جذب الكفاءات من أكاديميين وأطباء وعلماء لاسيما إذا كانت نسبة الضريبة مرتفعة نسبيًا. فستفضل الكفاءات الأجنبية العمل في بقية دول المجلس بدون استقطاعات من دخلها.

تأثير ضريبة دخل الأفراد على جذب الاستثمارات: ستواجه المؤسسات والشركات الخاصة في سلطنة عمان في ظل عدم تطبيق بقية دول الخليج لهذه الضريبة تحديات كبيرة للمستثمرين الجدد وكذلك أصحاب المشاريع القائمة. حيث ستواجه المستثمرين الجدد ارتفاع تكاليفهم التشغيلية بمطالبة أصحاب الكفاءات بزيادة رواتبهم لتعويض الفاقد المخصوم من رواتبهم، كما ستواجه أصحاب المشاريع القائمة ارتفاع استقالات الكفاءات الوطنية والأجنبية أو المطالبة بتعويضها برواتب أعلى يغطي قيمة الأموال المستقطعة. وفي الحالتين كلتيهما سيؤدي ذلك لارتفاع التكاليف التشغيلية وسيقل الربح الصافي للشركات، ولربما سيؤدي لتردد المستثمرين الجدد في الاستثمار في سلطنة عمان، وسيتردد المستثمرون الحاليون في التوسع في استثماراتهم. كل ذلك سيؤثر سلبًا على دخل الحكومة من ضريبة أرباح الشركات والتي تستقطع الدولة منها 15%، كما ستؤثر الضريبة سلبًا على العوائد الاقتصادية والقيمة المضافة المجتمعية من قِبل الشركات.

الخلاصة

إن توجه الحكومة بالبدء في استكمال إجراءات الحصول على جميع الموافقات ليكون القانون جاهزًا متى ما رأت الحكومة تطبيقه تُعد خطوة مهمة وضرورية، إلا أن المطالبة في هذا الوقت بالتريث في تطبيقه وذلك مراعاة للميزة التنافسية لسلطنة عمان في محيط خليجي لا يطبق ضريبة دخل الأفراد والآثار السلبية المتوقعة من تطبيقها، وفي حالة رأت الحكومة ضرورة تطبيقه بداية من العام القادم فيجب ألا تكون نسب الضرائب عالية، مع إمكانية إعادة النظر في النسب المئوية للضريبة لكل شريحة دخل فور تطبق هذه الضريبة في بقية دول المجلس.

كما نرجو من الحكومة في حال تطبيق مبدأ الضريبة واختيار المنهجية التي تراها مناسبة أكانت الضريبة الثابتة، أو الضريبة التصاعدية، أو الضريبة التراجعية أن تستثنى الجميع من احتساب قيمة الضريبة على خط الأساس، ويعني ذلك بأن كان دخل الفرد الشهري 2500 ريال عماني وكان خط الأساس 1000 ريال عماني فإن الضريبة تكون على ما هو أعلى من خط الأساس أي أن احتساب الضريبة على دخل الفرد الشهري ستكون على 1500 ريال عماني وليس على 2500 ريال عماني.

وأخيرًا فإننا نسأل الله التوفيق وأن يديم النعم على هذه الأرض الطيبة.