وسائل التواصل الاجتماعي.. أزمة قيم أم أزمة سوء فهم

03 أكتوبر 2022
03 أكتوبر 2022

تعد وسائل التواصل الاجتماعي إحدى أدوات التأثير في الرأي العام التي لم تقتصر على التواصل بين الأفراد لتثقيفهم وتنشئة الشباب، إذ تسهم في نقل الأفكار والآراء الإيجابية المرتبطة بموضوع أو قضية معينة لعدد كبير من الأشخاص في مختلف بقاع العالم، فهي تتميّز بسرعة التفاعل عبر إنشاء حوارات جماعية تضم مجموعة كبيرة من المشاركين وتعطي الحرية والقوة للأشخاص ليصبحوا وسيلة إعلامية مستقلة، إلا أننا لا ننكر أنها أثرّت سلبا في الرأي العام الحقيقي عبر تضليلهم إعلاميا وتمرير معلومات مغلوطة بهدف تغيير قناعات أفراد المجتمع تجاه بعض القضايا المجتمعية كالدور النشط الذي قامت به وسائل التواصل الاجتماعي في الحراك العربي عام 2011 عبر تضليل المجتمعات إعلاميا والدعوة للمظاهرات ونشر الشائعات الهدامة والأخبار غير الصحيحة والمواد الإعلامية المفبركة. وعلى الرغم من زيادة عدد المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية لكن لا يمكن بناء تصورات دقيقة وعامة أو اتخاذ قرارات مصيرية مبنية على حجم التفاعل في تلك الوسائل مع مختلف الموضوعات والقضايا دون التأكد من التفاعل الحقيقي مع القضية وقياس نسبة الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص.

لقد عانت الحكومات على مدى سنوات طويلة من التضليل الإعلامي وانتشار الشائعات في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبحت بعض المنصات بيئة خصبة لاستقطاب الأفكار التحريضية الهدامة للمجتمعات، ومع وجود أصوات تتعالى بضرورة الالتفات جديا لما يتداول في تلك الوسائل وتقليل الاعتماد على وسائل الإعلام الأخرى، إلا أنه لا توجد مؤشرات واضحة على وجود نسبة مرتفعة من الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بوسائل الإعلام التي ما تزال تتصدر المشهد الإعلامي وتحظى بمتابعة فائقة من مختلف شرائح المجتمع بنسبة تتعدى 70%، فوجود سياسات واضحة لتجويد ما ينشر من محتوى في وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يعرف بالإعلام الحديث عبر وضع أطر قانونية للمشاهير من خلال الاستفادة من ما ينشر في وسائل الإعلام الأخرى أصبح مطلبا مهما لبناء استراتيجية موحدّة تتعامل مع الرأي العام بصفة مكتملة دون إقصاء وجوده من حولنا ولبناء رأي عام صحيح بعيدا عن التشوهات الذهنية التي يتلقاها من ركاكة التفاعل وسطحيته في وسائل التواصل الاجتماعي. ومن المؤسف جدا أن نشهد تراجعا في قيمنا وأخلاقنا تزامنا مع الحراك والاندفاع للتفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي عبر تضليل الرأي العام وتداول الشائعات والإسهام في نقل المعومات غير الصحيحة وغير الدقيقة، فكلما تسارعت وتيرة الحراك التقني ينبغي أن يرافقها حراكا أسرع لإعادة البوصلة نحو تعزيز قيمنا الأخلاقية ولن يتحقق ذلك إلا بتكاتف كل الجهات الحكومية والخاصة من خلال تكثيف الحملات التوعوية والتنبيه بخطورة وعواقب إرباك الرأي العام وتضليله.

إن المتتبع لبعض الموضوعات المتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي وكيفية مناقشتها وتفنيد محتواها يتيقّن يوما بعد يوم أن هناك سطحية في التفاعل معها وأن الأمر تعدى مرحلة سوء الفهم وأن مرتادي هذه الوسائل يعانون من أزمة قيم أخلاقية وإنسانية تمثّلت في المساس بالشخوص والتشكيك في نواياهم ونزاهتهم وإقصاء آرائهم ومجابهتها بالإضافة إلى تقزيم جهودهم التي بلا شك أسهمت في النهوض بالمجتمع العُماني وأفراده. ومن المستغرب أن متابعي تلك الوسائل خاصة المتخصصين منهم في بعض العلوم يواجهون صعوبة بالغة في طرح آرائهم وتوضيح منطلقاتهم وتمرير رسائلهم المفيدة للجمهور بسبب حجم التفاعل السلبي المبني على آراء سطحية بعيدة كل البعد عن الحقائق والاستدلالات المنطقية والدقيقة، فتشكّل الرأي العام يتطلب وجود إحصاءات دقيقة تظهر نسبة العُمانيين المتابعين لمختلف وسائل الإعلام العُمانية ووسائل التواصل الاجتماعي.

ما ينبغي إدراكه بأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت واقعا حتميا في حياتنا اليومية في ظل التسارع التقني الذي يشهده العالم وتفضيل الجيل الحالي لتلك الوسائل من أجل الحصول على المعلومة سريعا والتفاعل مع بعضهم البعض بالإضافة إلى أن فضاء منصات التواصل الاجتماعي واسعا يسهل تداول الشائعات التي يظن البعض أنها وسيلة ضغط ناجحة لتحقيق غايات معينة وأنها بعيدة عن الرقابة والمحاسبة القانونية، إلا أن هذه الأوهام ربما تنعكس سلبا على تربية النشء وإرباكا لمرحلة الشباب والمراهقة التي تتطلب جهدا أكبر لتحديد توجهاتهم ومساراتهم ومنطلقاتهم تجاه موضوعات معينة وإنهاكا للأسرة والمجتمع في تعديل سلوكياتهم وممارساتهم، إذ إن بمجرد ترسّخ فكرة الكذب في وسائل التواصل الاجتماعي بغرض نشر الشائعات لدى الأشخاص بحد ذاتها ظاهرة خطِرة سوف تتحول لمعتقد يضعه أمام مهمة صعبة لتحديد صحة تلك الفكرة ثم تتحول لسلوك ظاهر يمارسه باستمرار لتستقر في ذهنه إلى ممارسة دائمة.

إن التأثيرات المتنامية لوسائل التواصل الاجتماعي في وعي الأشخاص وتغيير سلوكياتهم وممارساتهم في المجتمع يتطلب تشجيع المفكرين والمثقفين لترويج أفكارهم عبر تنظيم حملات إعلامية لتشكيل الرأي العام الواعي وإبعاده عن تأثير الفاعلين أو المؤثرين الذين يحظون بالمتابعة من قبل آلاف المستخدمين والمرتادين لوسائل التواصل الاجتماعي لتمرير رسائل إعلامية ربما تكون غير صحية، بالإضافة إلى قيام الجهات المختصة بضبط دور وسائل التواصل الاجتماعي عبر الاستفادة منها في التنشئة الاجتماعية للنشء والشباب وتعليمهم الاستخدام الآمن لتلك الوسائل بالاستعانة بالمتخصصين في المجال، فوجود أزمة قيم أخلاقية وقيم إنسانية في وسائل التواصل الاجتماعي أخطر بكثير من أزمة سوء فهم وذلك لأن أزمة القيم تتطلب عملا شاقا وبرنامجا توعويا مكثفا لضبط سلوك الأشخاص بالإضافة إلى إحداث قلق في المجتمعات من ظهور قضايا مجتمعية أخرى مرتبطة باستقرار المجتمع أمنيا واجتماعيا ونفسيا واقتصاديا.