وتمضي مسيرة التكامل العُماني الكويتي

13 فبراير 2024
13 فبراير 2024

يسلس الحديث عندما يكون موضوعه العلاقات العُمانية الكويتية؛ فهي علاقات وطيدة وتاريخية ومتجذرة، وتستمد زخمها من مشتركات عديدة تتجسّد في روابط الدم واللغة والتاريخ، وتضفي عليها المصالح المشتركة بُعدًا واقعيًّا، وترفدها بقوة دفع إضافية نحو مرافئ غدٍ واعد، ومستقبل أكثر إشراقًا.

ترتكز هذه العلاقات الراسخة في جانب منها على أواصر اجتماعية ووشائج أخوية متينة تربط الشعبين الشقيقين، ومشاعر محبة خالصة تجمعهما، يرشحها لأن تكون الأوثق على مستوى محيطنا العربي بل وحتى على النطاق الخليجي.

ألمحنا إلى متانة العلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين، ويمكننا هنا الاستدلال بما يعبّر عنه لسان حال العُمانيين الذين احتضنهم بلدهم الثاني الكويت قبل النهضة المباركة لتلقي العلم أو للعمل في التجارة، بل وفي مختلف مجالات العمل الوظيفي، يقابل ذلك في الوقت ذاته شعور من الود المتبادل من قِبل أشقائنا الكويتيين.

أما على صعيد العلاقات الثنائية على المستوى الرسمي، فحدّث ولا حرج، حيث يندر أن نجد مثيلًا لمستوى التماثل في استقلالية القرار على صعيد السياسات الخارجية كما هو الحال بالنسبة لعُمان والكويت، هذا عدا عن تطابق وجهات النظر بين قيادتي البلدين إزاء كافة القضايا على الساحتين الإقليمية والدولية وهو أمر نادر الحدوث بين دول المنطقة، التي تتجاذبها صراعات القوى العظمى التي تحوّم حول المنطقة بأساطيلها وبارجاتها، وتتقاذفها الانقسامات ورياح الولاءات التي لا ينتج عنها سوى مواقف ضبابية حيال القضايا المصيرية من شاكلة ما يجري حاليًّا في قطاع غزة وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة من إبادة جماعية لا توفر فيها آلة القتل الصهيونية طفلًا رضيعًا ولا امرأة ولا شيخًا مسنًّا!

تلتقي سياسة عمان والكويت الخارجية في وضوح المواقف حول قضايا الأمة، وصدق التوجه في تبنّي كل ما يخدم هذه القضايا والتصدي لمحاولات النيل منها أو المساس بها. وهي مواقف مسجلة ومعروفة ومشهودة ولا تحتمل المزايدة من أي كان.

وقد شهدت العلاقات العُمانية الكويتية نقلات تطويرية متتالية منذ أن أطلّ فجر النهضة المباركة على عُمان بقيادة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيّب الله ثراه- الذي ارتبط بعلاقات أخوية وثيقة مع إخوانه قادة الكويت، الشيخ جابر الأحمد الصباح والشيخ سعد العبدالله الصباح والشيخ صباح الأحمد الصباح -رحمهم الله- وكان من نتاج ذلك أن اكتسبت العلاقات بين البلدين تميزًا نوعيًّا، وارتادت آفاقًا رحبة من التعاون والتكامل. وصولًا إلى هذا العهد الزاهر، عهد النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق، الذي يبدي حرصًا متزايدًا مع أخيه الشيخ مشعل الأحمد أمير دولة الكويت، على مواصلة نهج التميز في مسيرة العلاقات لتشمل جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية والعلمية والسياحية.

ولأننا نعيش في عصر يُعلي من قيمة الاقتصاد، ويقدم الروابط الاقتصادية عما عداها من أوجه الارتباط، ولأن الصلات بين عُمان والكويت ارتبطت في جذرها التاريخي ومنذ عهود قديمة بالعلاقات التجارية البحرية، برز الاقتصاد ليشكّل الدالة الأهم في معادلة العلاقات الثنائية، وليمثّل جسر العبور نحو مستقبل عنوانه التكامل الاقتصادي، منطلقًا من فضاءات الدقم الرحبة والواعدة، في تفعّيل للدبلوماسية الاقتصادية التي تعمل على تمتين العلاقات بين الدول على قاعدة التكامل الاقتصادي المُفضي إلى تقدمها ورفاهية شعوبها.

ويؤكد مشروع مصفاة الدقم الذي يعد أكبر استثمار من نوعه بين دولتين خليجيتين بحجم استثمارات تصل إلى تسعة مليارات دولار، على هذا التوجه البنّاء لتوظيف الدبلوماسية الاقتصادية في المزيد من الارتقاء بالعلاقات العُمانية الكويتية بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين، ولإرساء نموذج يحتذى به لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء.

إن المنطقة الاقتصادية بالدقم والتي ينظر إليها بحسبانها قاطرة تقود الاقتصاد العماني نحو آفاق الاستدامة والتنويع، يمكن أن تؤدي أدوارًا متعاظمة في خدمة الاقتصادات الخليجية من خلال إنشاء مناطق تكامل اقتصادي خليجي في هذه المنطقة الواعدة والتي تتوافر على ميزات قلّ أن يوجد لها مثيل من ناحية استراتيجية الموقع المطلّ على أهم خطوط الشحن البحري الدولية في المحيط الهندي وبحر العرب، علاوة على حزمة التسهيلات والحوافز التي تقدمها في سبيل استقطاب المستثمرين وتأسيس الأعمال.

وتدشين مصفاة الدقم بشراكة عُمانية كويتية، دليل على انفتاح عُمان وحرصها على توطيد ركائز العمل الخليجي المشترك خاصة في الجوانب الاقتصادية، كما أن افتتاح هذا المشروع الضخم والريادي على مستوى المنطقة والعالم، يعد أبلغ رد على الأصوات النشاز في محيطنا الخليجي والتي تنشط هذه الأيام في وسائط التواصل الاجتماعي سعيًا للنيل من عُمان بمحاولة تصويرها على أنها تغرد خارج سرب منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وهي ادعاءات جوفاء ولا تستند إلى دليل، وتدل على خواء مطلقيها، وتكشف عن أجندتهم المستترة خلف الأقنعة الزائفة.

فعُمان ومنذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج العربية عملت ولا تزال تعمل جاهدة على دعمه وتوطيد أركانه حرصًا على تحقيق أهدافه المأمولة، وإسهامها في سبيل ذلك لا يقل عن إسهام أي من الدول الأخرى المنضوية تحت لواء المجلس.

ولأن الزبد يذهب جفاء ويمكث في الأرض ما ينفع الناس، ولأن الأفعال أعظم وقعًا من الأقوال، وأشد تأثيرًا من الخطب الرنانة، ها هو مشروع مصفاة الدقم يكتمل مجسّدًا نموذجًا فريدًا للتكامل الاقتصادي بين دولتين من دول المجلس وفي إطار البيت الخليجي الواحد.

ستمضي عُمان في مسيرتها النهضوية النابعة من قناعات راسخة، والهادفة إلى تقدمها وازدهارها، وتعزيز رفاه شعبها، وستسلك كل السبل المُفضية إلى تحقيق هذه الأهداف النبيلة وفي مقدمتها التعاون والتكامل مع محيطها الخليجي.

سالم العمري كاتب عُماني