هل يرفض بنك الإسكان قروض وزارة الإسكان ؟

14 يونيو 2023
14 يونيو 2023

يتواصل معي بعض الإخوة مستفسرين بعد نقل برنامج القروض السكنية من وزارة الإسكان والتخطيط العمراني إلى بنك الإسكان العماني، متذمرين من القرارات السلبية التي يتخذها الأخير في طلباتهم بعد فترة انتظار طويلة قاربت ثلاثة عشر عاما.

في هذا المقال سنوضح لأصحاب تلك الطلبات منهجية بنك الإسكان عند تعامله مع أي طلب لأي عميل، كما سوف نسلط الضوء باختصار حول نقل البرنامج والأهداف التي وجهت القرار الحكومي لاتخاذ هذه الخطوة وقبل ذلك سنمهد للقارئ تمهيدا بسيطا عن بداية ظهور هذا البرنامج.

في الواقع طرحت الحكومة برنامج المساكن الاجتماعية في مطلع النهضة المباركة في عهد المغفور له ـ بإذن الله ـ السلطان قابوس بن سعيد، في ذلك الوقت لم تكن المدن العصرية بالمفهوم الحضري للتخطيط لها وجود في عمان، وفرضت ضرورات بناء عمان الحديثة بالتركيز على المسار الاجتماعي التنموي خصوصًا البرامج الموجهة لطبقة ذوي الدخل المحدود وانتشرت مشاريع برنامج المساكن الشعبية في مختلف ولايات سلطنة عمان، الذي تتولى الحكومة من خلاله تصميم وتنفيذ مساكن وفق نمط معماري عصري (فيلل) مكتملة الخدمات مقابل استقطاع ٢٥٪ من دخل المواطن المستفيد. وشكلت تلك المجمعات السكنية، وقتئذ نواة امتدت على أطرافها وتوسعت المدن الجديدة، وبفضل ما تمتعت به من خدمات لم يقتصر سكانها فقط على ذوي الدخل المحدود بل جذبت إليها الراغبين في الانتقال من النمط التقليدي السكني السائد «البيت العربي» إلى النمط العصري ومن السكن في الحارة القديمة إلى تجربة الإقامة في المدينة الجديدة.

في مطلع التسعينيات طرحت الحكومة منتجا سكنيا جديدا هو (برنامج القروض السكنية الميسرة) ظاهريا كان لا يختلف عن برنامج المساكن الشعبية الملغى من حيث نظام التقسيط المريح وعدم احتساب فوائد على هيكل القرض بالكامل، واختلف البرنامج الجديد في نقطة جوهرية ومرتكز أساسي بالنسبة للكثير من المواطنين المتسلحين بالتعليم ممن أصبحوا أكثر نضجا معرفيا إذ أتاح للمستفيدين مجال الاختيار؛ سواء على مستوى تصميم المسكن أو اختيار المكان والموقع للسكن فتوقف دور الحكومة على الإقراض وتولى المواطن اختيار نموذج التصميم ومكان السكن وتمتع كلا البرنامجين المذكورين بميزة الإعفاءات من الأقساط المتبقية سواء الإعفاء الجزئي أو الكلي، وبلغت ذروة الطلبات المسجلة بالبرنامج الجديد في عام ٢٠١١ حيث جاوز عدد الطلبات ١٢ ألف طلب، وظل عدد المسجلين يتزايد دون أن يرافق ذلك زيادة بالمخصصات الحكومية عند اعتماد الخطط الخمسية اللاحقة للتاريخ المشار إليه.

ومع التركيز على شريحة الدخل المحدود التي تحصل من الحكومة على منح سكنية مجانية من خلال المنتج السكني (برنامج المساعدات السكنية) الذي ظل مستمرا منذ تأسيسه وما زال يحظى بالدعم والرعاية، طُرح قرار نقل برنامج القروض السكنية الميسرة إلى بنك الإسكان العماني وهو قرار تحولي استثنائي في مسيرة الإسكان الاجتماعي المدعوم بشكل مطلق من الدولة وأقصد بالدعم هو التمتع بمزايا غير موجودة لدى بنك الإسكان العماني أو أي جهة تمويلية أخرى كعدم وجود فوائد وعدم احتساب معادلة التناسب بين العمر ومبلغ القرض عند منحه، والقرار من ناحية تنظيمية قرار صائب؛ لأن بنك الإسكان يعد النافذة المثلى لإدارة ملفات القروض الحكومية في الدولة، وقرار يصب في مصلحة المواطن؛ لأن البرنامج المنقول لا تتوفر فيه عناصر الاستدامة المالية بسبب عدم تدوير المبالغ المقترضة واعتماد البرنامج الكلي على المخصص الحكومي في الخطط الخمسية ونتيجة لمضاعفة العبء على الميزانية العامة للدولة في بعض الفترات الزمنية خصوصا عند انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية أو عند انهيار الأسواق العالمية التي نتأثر بها، مثل هذه الظروف الاستثنائية تؤثر مباشرة في البرامج الاجتماعية التي ترعاها الدولة بشكل مطلق كما هو الحال في برنامج القروض السكنية الميسرة.

ويعتبر بنك الإسكان البنك التمويلي الوحيد في سلطنة عمان الذي حافظ على استدامة برامجه الإقراضية منذ بداية تأسيسه وحتى اليوم بفضل ما يتمتع به من كفاءة واستدامة مالية، ومتانة نظامه المالي وجودته، وقد منحه ذلك ثقة كبيرة من مؤسسات الإقراض الموجودة في دول المنطقة وأهمها الصندوق العربي الإنمائي الكويتي الذي قدم قروضا للبنك أكثر من مرة مما ساعده على استدامة محفظته الإقراضية، وحقيقة أن بنك الإسكان العماني كان وما زال واجهة تمويلية معتمدة وموثوقة للقروض الإسكانية المدعومة من الحكومة وتترجم الدولة حرصها على دعم المواطنين وتسهيل آلية حصولهم على التمويل السكني فكل شرائح الدخل تحصل على قرض مدعوم من الحكومة يبدأ من ١٪ إلى ٤٪ فهو بحق البنك الذي يعكس الدور الحكومي تنمويا واجتماعيا في مسيرة تعمير المدن العمانية.

إن الإشكالية الحالية في الطلبات المنقولة هي إشكالية لها بعدان مترابطان، بعد زمني وآخر تمويلي، ذلك أن أغلب الطلبات المنقولة يعود تاريخ تسجيلها إلى عام ٢٠١١ في حين أن أقدم الطلبات في قائمة بنك الإسكان العماني في الوقت الحالي تعود لعام ٢٠٢٠ (سنة الدور الحالية)، وهذه الفجوة الزمنية التي تقارب ١٢ عاما ليست بسيطة، وتتطلب حلولا مالية عاجلة تردمها وتساوي بين الطلبات في قائمة الانتظار، من باب آخر عدد الطلبات وإن كان في ظاهره عددا كبيرا إلا أن ما يزيد على ٨٠٪ من الطلبات المسجلة لا ينطبق عليه شرطان أو أكثر من الشروط الأساسية، ومنها الملاءة المالية، والعمر والاكتفاء السكني، وبالتالي ستسقط من القائمة ما لم يكن لدى أصحابها القدرة على تعديل أوضاعهم المالية.

وختاما، ومن أجل إنجاح قرار النقل المشار إليه أقدم اقتراحي المتواضع إلى الحكومة ممثلة بمجلس الوزراء أو وزارة المالية بالإيعاز إلى بنك الإسكان العماني بالبدء في تحليل الطلبات المنقولة، بتحديث بيانات أصحابها بهدف استخلاص قائمة قصيرة وتقدير حجم الموازنة المالية المطلوبة، ولا بديل عن تطبيق هذه الآلية؛ لأنه من غير المتوقع أن يلتفت البنك إلى الطلبات المنقولة، ويؤجل الطلبات المسجلة بقوائمه، فذلك سيستنزف الموازنة لفترة لا تقل عن خمس سنوات لصالح الطلبات المنقولة وسيعطل البت في الطلبات التي من المفترض أنها في مرحلة استحقاق القرض؛ لأن النقل لم يرافقه موازنة مستقلة تحفزه للاستنفار من أجل سرعة البت في تلكم الطلبات ومواءمة أوضاعها بما هو معمول به لدى البنك، ناهيك عن تأثيره في مصداقية البنك لدى عملائه.