هل تحسم مأرب الحرب في اليمن؟

09 نوفمبر 2021
09 نوفمبر 2021

هناك صراع محتدم بين القوات الحكومية اليمنية وجماعة أنصار الله "الحوثي" على مدينة مأرب ذات المصادر النفطية، وهناك معارك شرسة للاستيلاء على هذا الحيز الجغرافي الاستراتيجي من اليمن. وهناك تحركات دبلوماسية من المبعوث الأمريكي لليمن وأيضا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لليمن لإيجاد مقاربة سياسية يمكن من خلالها إطلاق حوار شامل بين فرقاء الحرب في اليمن سواء على صعيد الداخل أو الخارج متمثلا في قوات التحالف والتي هي أساسا الآن المملكة العربية السعودية الشقيقة. ومن هنا فإن نهاية هذه الحرب سوف تدور حول سيناريو مدينة مأرب وهناك سيناريو آخر يتمثل في نجاح المفاوضات السعودية الإيرانية والتي وضعت من خلالها طهران شرط وقف الحرب في اليمن حتى يمكن عودة تلك المفاوضات التي جرت على عدة جولات في العاصمة العراقية بغداد.

وتحولت الحرب في اليمن على الصعيد الاستراتيجي من حرب لاستعادة الشرعية الممثلة في سلطة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى مسألة إيجاد مقاربة سياسية تكون هناك من خلالها شراكة وطنية في أي سلطة قادمة، وهذا الاستنتاج هو نتيجة تراكم سنوات الحرب وعدم استطاعة قوات التحالف والجيش اليمني دحر "الحوثي" كما كان يتوقع خلال فتره لا تزيد عن أشهر.. وعادة الحروب التي لا تحسم في فترة زمنية محددة، ومن المنظور العسكري، تتحول إلي حرب استنزاف أهلية، وهناك نماذج عديدة في التاريخ القريب والبعيد، ولعل ما حدث في اليمن وحتى أفغانستان والصومال وسوريا هي أمثله حقيقية في هذا الإطار. وهكذا تحولت الحرب في اليمن إلى حرب استنزاف على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، وتحولت مع مرور السنوات إلى حرب كارثية كما وصفتها منظمات الأمم المتحدة الإنسانية. ومن خلال التقارير الإعلامية والصحفية فإن المشهد اليمني هو مشهد كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والضحية الكبرى هو الشعب اليمني الشقيق الذي عانى على مدى عقود ومنذ عهود الاستقلال من حروب أهلية بين الشمال والجنوب قبل الوحدة في عقد السبعينات من القرن الماضي، علاوة على الصراعات الحزبية بين الفرقاء كما حدث في عدن عام ١٩٨٦ وبعد ذلك نشبت الحرب عام ١٩٩٤ بعد الوحدة علاوة على حروب الحوثيين المتعددة مع السعودية وأيضا مع السلطة الحاكمة في صنعاء.. والآن تدخل اليمن فصلا مؤلما جديدا من الصراع المسلح المعقد الذي تتداخل فيه الأطراف المحلية وأيضا الأطراف الإقليمية والدولية وتمر السنوات الست وهذه الحرب لا مؤشر على نهايتها لأن الإرادة السياسية لدى الأطراف المحلية غير موجودة والكل يتمسك بأطروحاته كما أن إرادة المجتمع الدولي لا تكترث كثيرا بالصراع المسلح في اليمن في ظل مبيعات السلاح للفرقاء خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية علاوة على أن السياسيين في اليمن لم يعزموا بشكل جاد على إنهاء الحرب وتقديم تنازلات متبادلة لإنقاذ اليمن والشعب اليمني من المعاناة الإنسانية الخطيرة، وعلى ضوء ذلك سوف تستمر الحرب كحرب استنزاف لا غالب فيها ولا مغلوب، وقد تمنع الاعتبارات الاستراتيجية أن يظفر الحوثيون بالاستيلاء على مأرب لأن ذلك إن حدث سوف يغير من موازين الحرب وسوف يجعل الحوثيين في موقف أقوى عند حدوث أي مفاوضات محتملة بل قد يغريهم على التمسك بالسلطة في شمال اليمن تمهيدا لإعلان انفصال اليمن وهو أمر لا يمكن استبعاده مع وجود رغبة كبيرة من الفرقاء في جنوب اليمن لتحقيق ذلك الهدف خاصة من المجلس الانتقالي الجنوبي وأمام هذا المشهد اليمني تبدو الصورة قاتمة ومعقدة ويصعب التنبؤ بأحداثها. الحرب في اليمن هي حرب بين القوات المسلحة اليمنية الحكومية وبين المكون الحوثي علاوة على جماعات القبائل التي تساند هذا الطرف أو ذاك وهناك تطلعات لكل طرف علاوة على وجود التحالف السعودي الإماراتي الذي انتهى بوجود المملكة العربية السعودية الشقيقة بشكل خاص بعد إعلان الحكومة الإماراتية انتهاء دورها في الحرب وانسحاب قواتها كما هو معلن.

مفتاح إنهاء الحرب في اليمن سوف يعتمد بشكل كبير علي التوافق السياسي بين الرياض وطهران بدليل ما أعلنته وزارة الخارجية الإيرانية قبل أيام بأن عودة المفاوضات السعودية الإيرانية مرهون بوقف الحرب في اليمن وهذا يعطي مؤشرا واضحا على تداخل الأطراف الإقليمية في الحرب وهذا من أهم المتغيرات في حرب الاستنزاف اليمنية.

ويبدو لي أن دور الدبلوماسية العمانية الحكيمة ينبغي أن تركز على هذا الجانب أو المتغير كون سلطنة عمان تتمتع بعلاقات جيدة مع الجانب السعودي والجانب الإيراني وأيضا يمكن ان تكون جهود المبعوثين الأممي والأمريكي مساعدة في هذا الإطار وبدون التوافق السياسي الإيراني السعودي فإنه يصعب الحديث عن نهاية مرتقبة للحرب في اليمن؛ لأن الأطراف الداخلة في الحرب تستمد قوتها من تلك الأطراف الإقليمية وهذا شيء معروف ورغم ان الحرب قد وصلت إلى مستوى عدم الاهتمام الإعلامي وأصبحت احد الأخبار المتأخرة في نشرات الأخبار كما هو الحال في الصومال وحتى أفغانستان فإن الموضوعية السياسية تفرض على الفرقاء في اليمن ان يفكروا بحكمة بعيدا عن المصالح الضيقة فاليمن يتجه إلى مرحلة خطيرة وهنا تبرز أهمية المسؤولية الوطنية أن يكون شعور بأن اليمن الشقيق يتدحرج إلي المجهول وعندها يصعب السيطرة على الموقف ولايمكن حتى للجهود السياسية أن تنقذ هذا البلد العربي الحضاري الشقيق ذا المقدرات التي تجعله من الدول المزدهرة لو قدر له السلام والاستقرار والتنمية على غرار دول عديدة أقل منه في الموارد الطبيعية والبشرية والموقع الاستراتيجي الفريد على البحر الأحمر وبحر العرب مع وجود أحد الممرات البحرية الاستراتيجية وهو ممر باب المندب علاوة على موقع مدينة عدن حيث الميناء الذي كان أحد أهم الموانئ في الشرق الأوسط خلال عقود.

ومن هنا فإن الحكمة تقتضي إنهاء الحرب من خلال التوافق السياسي بين الأطراف ذات العلاقة بالحرب بشكل مباشر او غير مباشر.

الحقيقة الأساسية لأي صراع أو حرب هي مسألة الحسم كما حدث في حروب إقليمية او عالمية وانتهى الامر بهزيمة احد طرفي الحرب بشكل واضح ومن خلال النموذج اليمني وبعد ست سنوات من المواجهة العسكرية فإن مسألة الحسم تبدو بعيدة المنال ومن هنا فإن وجود هذه الحقيقة يشعر الأطراف بأن الحل السياسي هو الالية الوحيدة التي يمكن من خلالها وقف الحرب والجلوس على طاولة الحوار بصرف النظر عن حجة هذا الطرف أو ذاك، فبدون الحسم العسكري يتساوى صاحب النظرة التي تتحدث عن الشرعية وهي مسألة حقيقية من خلال سلطة الرئيس منصور هادي وحكومته الشرعية المتواجدة في الرياض وأيضا هناك طرف استولى على السلطة في شمال اليمن بالقوة العسكرية ومع ذلك فإن عدم الحسم العسكري يفتح الباب نحو خيارات أخرى حددتها ساحات المعارك أولا وأيضا الأطراف الإقليمية والدولية الداخلة فيها ومن هنا فإن المشهد السياسي اليمني يشهد مخاضا معقدا بين إيجاد حل سياسي توافقي من خلال التوافق بين طهران والرياض ومن خلال الجهود العمانية والأممية والأمريكية أم ينزلق اليمن الى متاهات يصعب التنبؤ بمسارها.