هل تتطور حرب غزة إلى مواجهة إيرانية أمريكية مباشرة؟!

21 يناير 2024
21 يناير 2024

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -

تتزايد الأدلة المنطقية على تطور الحرب الدائرة في غزة لتكون ذات نطاق جغرافي أوسع تتجاوز حدود غزة، وهذه التحليلات اليوم مقنعة أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد الضربات العسكرية التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على أكثر من 60 موقعا في اليمن تحت قيادة جماعة أنصار الله، على اعتبار أن تلك المواقع خاصة بالجماعة حيث يطلقون نيرانهم، وبعد ذلك شنت إيران ضرباتها على مواقع في العراق وسوريا وباكستان.

وصعدت الولايات المتحدة الموضوع لتصنف جماعة أنصار الله على أنها منظمة إرهابية على المستوى العالمي.

إن ابتعاد الولايات المتحدة عن دبلوماسيتها واسعة النطاق بهذا الشكل الكبير بهدف احتواء الصراع له الكثير من الآثار السلبية عليها وعلى المنطقة ككل، المشتعلة أساسا بالصراعات والاضطرابات.

اليوم ليس على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقلق فقط من الهجمات جماعة أنصار الله الصاروخية على السفن التجارية التي تتخذ من البحر الأحمر ممرا لها، ويعد البحر الأحمر رابطا بينه وبين البحر الأبيض المتوسط وكذلك المحيط الهندي، ويمثل البحر الأحمر 15% من الشحن العالمي، وأكثر من ثلث تجارة الحاويات تعبر من خلاله، بل يتعين على الولايات المتحدة القلق من كل ما يُعرف بـ «محور المقاومة الإيراني» الذي يتمثل في جماعة أنصار الله في اليمن، وحزب الله في لبنان، وجماعات أخرى كذلك في كل من سوريا والعراق، و«محور المقاومة الإيراني» يشن هجماته فعلا على إسرائيل وعلى حلفائها دعما للقضية الفلسطينية، وجماعة أنصار الله وسعت نطاق الحرب لاستهداف السفن التجارية في البحر الأحمر منذ نوفمبر بهدف الضغط على إسرائيل لكي تسمح بدخول المساعدات الإنسانية الكافية إلى قطاع غزة، وكذلك الضغط عليها لإنهاء الأعمال العدوانية.

ومن البديهي أن جماعة أنصار الله لن تستطيع مهاجمة السفن الإسرائيلية فقط، أو السفن المرتبطة بها، وهو أمر بالغ الصعوبة، فليس من السهل أبدا تحديد السفن التابعة بمجرد رؤية العلم الذي يُرفع عليها، وقد سببت هذه الأزمة الكثير من الاضطرابات بحركة الشحن الدولية، فقد تغيرت المسارات، وارتفعت أسعار الشحن، وتأخرت السلع والبضائع بالوصول إلى وجهتها.

كل هذه الأمور لا بد وأن تكون مصدر قلق للولايات المتحدة، ولكن ما يجب على الولايات المتحدة القلق منه أكثر هو الضربات العسكرية التي تشنها إيران بشكل مباشر، وهو الأمر الذي يجعل شبح المواجهة المباشرة بين إيران وأمريكا يلوح في الأفق، وهو ما يبدو أنه قيد الإعداد منذ فترة طويلة، وهذا الشبح الآن يهدد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى احتواء الأزمة في غزة.

شبح الضربات العسكرية

إن ما تسببه جماعة أنصار الله من قلق في البحر الأحمر ساهم في أن تقوم بعض الدول بعمل العديد من التدابير، بما في ذلك الهند، وذلك لتوفير الحماية وفرق الإنقاذ التي قد تلجأ إليها الكثير من السفن التجارية في هذا المسرح، وتطورت التدابير في شهر ديسمبر الماضي لتشكل الولايات المتحدة قوة عسكرية مكونة من 9 دول وأطلقت عليها اسم «عملية حارس الرخاء»، الأمر الذي ساهم بشكل ملحوظ بزيادة السفن الحربية في مياه البحر الأحمر، ورغم هذه التدابير لم تهدأ المشاكل.

وبعد الهجمات الانتقامية التي شنتها الولايات المتحدة على الأراضي اليمنية، قامت إيران برد انتقامي كذلك لتضرب أولًا مواقع في سوريا والعراق -على اعتبار أنها مواقع تجسس خاضعة لإسرائيل- ومن ثم في باكستان.

وتصاعدت الأوضاع لتتلقى إيران هجمات بالقنابل على «كرمان» بجنوب إيران في هذا الشهر، وهنا لم تعتمد طهران على وكلائها في الرد، حيث قام «محمد جمشيدي» النائب السياسي للرئيس «إبراهيم رئيسي» بتوجيه أصابع الاتهام نحو إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن تنظيم «داعش» أعلن مسؤوليته عن الهجمات التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص.

والسؤال، هل يمكن للولايات المتحدة -التي تشهد فترة انتخابية حاليا- أن تتحمّل الدخول في حرب جديدة مع إيران، وهي أساسا قد دخلت في الأزمة الأوكرانية والأزمة الفلسطينية، هل ستتحمّل الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران وحلفائها؟

خاصة أنها متهمة بالدخول في الصف الإسرائيلي الذي تسبب في استشهاد 24 ألف فلسطيني مما زاد من إصرار الداعمين للقضية الفلسطينية، إضافة إلى الدعم العربي لفلسطين.

ولا يعني ذلك قولنا بأن الولايات المتحدة تعيش تخليا عن دبلوماسيتها، ولكن الأحداث تكشف مدى الإرهاق الذي تعيشه الولايات المتحدة، على سبيل المثال فإن «عملية حارس الرخاء» لم ينضم إليها العديد من الحلفاء المقربين للولايات المتحدة في دول المحيط الهندي والمحيط الهادي، ومنهم اليابان وأستراليا والعديد من العرب بما فيها المملكة العربية السعودية التي تواجه جماعة أنصار الله منذ أعوام، كما لم تنضم إليها أكبر دولة تجارية، الصين. إن ما تعرضت له إيران من هجوم لا يعني توقف حزب الله وجماعة أنصار الله عن إطلاق الصواريخ، ما يعني أن التوترات في المنطقة لن تتوقف، بل هما حريصان عن نشر التوترات بشكل أوسع.

اتساع المواجهات

تسيطر جماعة أنصار الله الآن على طول طريق البحر الأحمر حتى خليج عدن، تفوق بذلك سيطرة إسرائيل، ولكن بعد الهجمات التي تعرضت لها جماعة أنصار الله من قبل الولايات المتحدة أصبحت السفن التجارية الأمريكية مستهدفة كذلك، وقد فعلت جماعة أنصار الله ذلك الأسبوع الماضي، وهذا الأمر أثّر سلبا على الشحن البحري الذي تعتمد عليه أكثر من 50 دولة، وتعطلت الواردات والصادرات، ما زاد من توقعات حدوث كارثة عالمية.

وقامت إيران بعد الهجمات عليها بقصف مناطق عراقية تصفها بـ «مواقع تجسس لصالح إسرائيل»، وقصف مناطق في سوريا تسيطر عليها داعش.

كما قام الحرس الثوري الإيراني باستخدام طائرات «درون» وصواريخ على المتطرفين في باكستان، ما يعني الدخول في مواجهات متسعة مع دول عديدة منها دول مسلحة نوويا في جنوب آسيا.

وفي ظل هذه الأوضاع نشرت البحرية الباكستانية سفنا حربية في بحر العرب، وزعمت أنها أنقذت 21 فردا بعد نداء استغاثة الأحد الماضي.

وقد ابتعدت باكستان عن التدخل العسكري في غزة، وهي لا تريد الصدام مع الولايات المتحدة، ولا صديقتها المقربة الصين وإيران، ولم تنشر سفنها لمواجهة جماعة أنصار الله، إلا أنها بعد الهجوم الإيراني على بلوشستان اتخذت قرار نشر قواتها، وهذا دليل على توسع نطاق الحرب والتي سببها ما يحدث في غزة، حتى أن المتحدث باسم الخارجية الباكستانية قال: «هذا انتهاك صارخ لسيادة باكستان وهو غير مقبول مطلقا وستترتب عليه عواقب وخيمة».

ومنعت باكستان عودة السفير الإيراني لديها والذي كان في طهران، وبعد الهجمات الإيرانية على بلوشستان قُتل قائد في الحرس الثوري الإيراني بالنار بينما كان في بلوشستان الإيرانية، إلا أن الواقف خلف قتله غير معروف.

وفي ديسمبر الماضي قُتل قائد آخر في الحرس الثوري بغارات إسرائيلية في سوريا، هذا بدوره سيسهم في تعميق التوترات أكثر.

توترات إيرانية باكستانية

منذ عام 2012 وجيش «العدل» -وهو قوة إيرانية المنشأ معارضة تتخذ من باكستان مقرا لها- يشن هجومه على الحرس الثوري الإيراني، وطالما أعلن مسؤوليته عن التفجيرات وعمليات الاختطاف التي يتعرض لها الحرس الثوري والشرطة الإيرانية.

وكان زعيم الجيش «صلاح الدين فاروقي» من أشد المعارضين لدعم إيران الرئيس السوري بشار الأسد، ويُعرف جيش العدل أيضا بارتباطه بـ «حركة الحرية الكردية» المعارضة لتركيا.

وهذا ما يبرر الهجوم الإيراني على باكستان، حيث قام الحرس الثوري بشن هجمات على «جيش العدل» واستهداف قاعدتين له في إقليم بلوشستان الباكستاني، مستخدمين بذلك الصواريخ وطائرات الدورن، وخلَّف هذا الهجوم عددا من القتلى من بينهم طفلان بريئان وثلاث فتيات، ولكن الولايات المتحدة والصين، وكلاهما صديق مقرب من باكستان، دعتا إلى ضبط النفس واللجوء إلى الحوار.

وهذا ما حدث فعلا، لجأت باكستان إلى ضبط النفس كما فعلت سابقا إثر الهجوم الهندي على «بالاكوت» عام 2019، وعلى الهجوم الأمريكي ضد أسامة بن لادن 2011، لذلك فقد كان من غير المتوقع أن تتخذ باكستان ردا هجوميا، كما أنها تواجه مشكلات في حدودها مع الهند وأفغانستان.

ومن أسباب ضبط النفس الباكستاني كذلك، أنها وإيران تعتبران دولة إسلامية لهما تاريخ طويل من العمل سويا في مواجهة التحديات مثل الحركات المتمردة وتجار المخدرات وغير ذلك، وإلى جانب ذلك فإن إيران أول دولة تعترف بالدولة الباكستانية وذلك في 14 أغسطس عام 1947.

عكازات للدبلوماسية!

بينما نشهد تنافسا بين «الحرب» وبين «الدبلوماسية»، أرى بأن الدبلوماسية اليوم بحاجة إلى عكازات، بل وربما تحتاج إلى جهاز تنفس صناعي، فالدبلوماسية الأمريكية تعيش إجهادا كبيرا لمواجهة التحديات، وهي تحتاج إلى الموازنة بين تدخلها العسكري، ودبلوماسيتها لاحتواء حرب غزة التي توسعت إلى أفق أوسع.

وربما هناك أمر إيجابي، يبدوا أننا على مقربة من وقف مؤقت للصدام بين إسرائيل وحزب الله من خلال تقديم حزمة مساعدات إلى لبنان، ولكن الأمر السلبي أن عنف جماعة أنصار الله التي تتلقى دعما من إيران يزيد من المشكلات على كاهل أمريكا، ومع ذلك لا تتحمّل كل من إيران ولا أمريكا الدخول في مواجهة مباشرة.

سواران سينج رئيس رابطة علماء آسيا وأستاذ الدبلوماسية في جامعة جواهر لال نهر في نيودلهي.

عن آسيا تايمز.