هل الشباب يقرؤون؟

25 فبراير 2023
25 فبراير 2023

يُعد حب القراءة والاستمتاع بها أحد أبرز أسباب النجاح التعليمي، إضافة إلى أنها تُكسب القدرة على الكفاءة والاستعداد الذهني، وهو ما تكشفه الأدبيات المتخصصة في المجال التربوي، ومع إيماننا بالقراءة وأهميتها خاصة للناشئة والشباب، إلا أن هناك صورة ذهنية عن أجيال الألفية بشكل خاص أنهم لا يقرؤون أو على الأقل لا يهتمون بالقراءة الجادة للكُتب بقدر اهتمامهم بالتقنية والرسائل القصيرة التي تُبث عبر الوسائط الإلكترونية، فهم ليسوا مثل الأجيال التي سبقتهم ممن تربْوا على قراءة الكتب والمجلات والصحف الورقية، أو هكذا يظن الكثير منَّا.

إلاَّ أننا ونحن نشهد أيام معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته السابعة والعشرين، سنجد أنه يعج بالناشئة والشباب بفئاتهم المختلفة؛ يتجولون بين ردهاته، يطْلعون على الكتب ويفتِّشون عن الأخرى، أو يحضرون الفعاليات والندوات، وهو أمر أصبح شائعا في المعرض، الأمر الذي يكشف جانبا ولو ظاهريا لمدى اهتمام الشباب بالقراءة وبالكتاب الورقي تحديدا. وهنا علينا مراجعة الصور الذهنية التي نُطلقها غالبا عن شبابنا أو أبناء هذا الجيل بصفة خاصة؛ ذلك لأن الحكم بأنهم لا يقرؤون أو أنهم قليلو القراءة تمثِّل أحد أسباب تراجع البعض منهم من ناحية، إضافة إلى أن إطلاق الأحكام على ما يقرؤون من كُتب يعكس عدم فهم للمرحلة والمتغيرات التي تفرضها، وبالتالي فإن الأجيال لا تختلف من حيث التوجهات وحسب بل أيضا من حيث الذائقة العامة، فشباب هذا الجيل في مرحلة شغف نحو الاستكشاف، وبدلا من تحديد ما يقرؤونه علينا مناقشتهم فيه مناقشة جادة وموضوعية.

في تقرير بحث الصندوق الائتماني الوطني لمحو الأمية في لندن (مشاركة الأطفال والشباب في القراءة في العام 2022. نظرة ثاقبة مستمرة في تأثير وباء كوفيد-19 على القراءة)، الذي نُشر في سبتمبر 2022، بناء على استطلاع يستهدف الناشئة والشباب في المملكة المتحدة ومدى استمتاعهم بالقراءة أثناء إغلاقات كوفيد-19؛ حيث يكشف التقرير أن القراءة كانت في «أدنى مستوى لها منذ 15 عاما قبل الإغلاق الأول مباشرة في ربيع 2020، وقد ارتفعت النسبة المئوية للأطفال والشباب الذين قالوا أنهم يستمتعون بالقراءة إلى ثاني أعلى مستوى لها منذ العام 2005»، فتوُّفر الوقت أثناء الإغلاق أتاح لهذه الفئة المجال لـ (القراءة من أجل المتعة).

غير أن التقرير يكشف أيضا أن هذا الارتفاع في نسبة القراءة والاستمتاع بها، قد (تآكل) - حسب تعبيره - في العام 2022؛ إذ «استمتع عدد أقل من الأطفال والشباب بالقراءة في أوقات فراغهم». يعزو التقرير ذلك إلى قلة توجيه الأسر والمدارس والمجتمع لهذه الفئات من ناحية، وقلة برامج دعم القراءة في المجتمعات مع وجود مشتتات عديدة من ناحية أخرى؛ فما حدث بعد انتهاء الإغلاقات من خروج واستمتاع بمشتتات عدة، وتخلي المجتمع عن حملات التوعية ومبادرات القراءة والتسلية الهادفة التي كانت رائجة أثناء الإغلاق، دفع هذه الفئات إلى الانطلاق بعيدا عن القراءة والكتاب.

يخبرنا التقرير أن مستويات الاستمتاع بالقراءة في العام 2022 كانت في (أدنى مستوياتها)؛ حيث قال أقل من 1 من كل 2 ما نسبته (47.8%) من الأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 8-18 عاما، أنهم يستمتعون بالقراءة – حسب ما ورد في التقرير –، إضافة إلى أن الفجوة المئوية في التمتع بالقراءة قد زادت بين الجنسين؛ فعدد الذكور الذين يتمتعون بالقراءة قد بلغ (45.6%) بينما بلغ بين الإناث (54.9%)، والأمر نفسه تقريبا بين نسب القراءة اليومية بين الجنسين.

والحق أن استطلاع كهذا يحاول الكشف عن مستويات القراءة والاستمتاع بها من خلال طرح مجموعة من التساؤلات من مثل لماذا يقرأ الأطفال والشباب؟ وماذا يقرؤون؟ وما رأيهم في القراءة؟ وغيرها من التساؤلات، يعتبر من الاستطلاعات المهمة من حيث إيجاد إحصائيات ولو تقريبية بشأن نسبة القراءة في المجتمع بين هذه الفئات التي تُعد أهم فئة من الناحية التنموية في مستقبل المجتمعات، إضافة إلى رصد توجهاتهم نحو المستقبل وقدرتهم على فهم ما يقرؤون وكيفية تطبيقه في الحياة اليومية، وبالتالي استشراف مستويات القراءة لديهم وأنواعها، ولهذا فإن مثل هذه البيانات لها أهمية ليس على المستوى التربوي والتعليمي فحسب بل أيضا على مستوى سوق الكتاب ودُور النشر في الدولة.

ولعل إمكانات معرفة نسبة القراءة لدى شبابنا بشكل خاص سيكون له الأثر في تحديد آفاق مهاراتهم المستقبلية، وإمكانات توظيف هذه المهارات، إضافة إلى أهمية الكشف عن التحديات التي تواجه القراءة لدى هذه الفئة، واتجاهات القراءة وأنواع المعارف التي يحتاجون إليها، وبالتالي إيجاد مجموعة من البرامج والمبادرات التي تدعم القراءة سواء أكانت القراءة الورقية أو الرقمية؛ فالأهم هو توفير المساحة الكافية للشباب لممارسة القراءة لما يحبون أن يقرؤوا، وأن تتوفَّر لهم هذه الكُتب بأسهل الطرق وأيسرها، خاصة مع تنامي التقنيات الحديثة ووسائط المعرفة المتعددة.

وبالنظر إلى تلك التساؤلات التي طرحناها في بداية هذا المقال، وتلك الظاهرة التي نراها جلية في تزاحم الناشئة والشباب إضافة إلى الأطفال في معارض الكتاب، فإن معرض الكتاب يمثل بيئة مناسبة لتقديم بعض الاستطلاعات أثناء فترة إقامته، لتمثل بياناته كشفا مهما عن أسباب وجود هذه الفئات تحديدا في المعرض، وأهمية القراءة بالنسبة لها، وما الكتب التي يقرؤونها، إضافة إلى قدرتهم على الاستمتاع بما يقرأون، فمع إيماني الشخصي بأن هناك مجموعة كبيرة من الشباب بشكل خاص يقرأون جيدا، خاصة ونحن نجد شغفهم بالروايات الشبابية والروايات المترجمة من الآداب الغربية، والشعر بأشكاله، إضافة إلى ولعهم بالتاريخ من ناحية، مقابل ولعهم باستكشاف العلوم والتكنولوجيا عن طريق التقنيات الحديثة من ناحية أخرى، إلاَّ أن الأمر يحتاج إلى دراسة علمية إحصائية واستقرائية، تستطيع الكشف عن بيانات دقيقة، وبالتالي إمَّا أن تكذب الصور الذهنية أو تصدق.

إن ما يشهده معرض مسقط الدولي للكتاب في كل عام من توافد أفراد المجتمع عامة والشباب بشكل خاص، يُشكِّل ظاهرة مهمة تستحق الالتفات، وما يشكِّله الكتاب في حياتهم لا يتمثل في رفوفه وحسب، فالمعرض فعالية مجتمعية تقدِّم مشهدا يتشكّل وفقا لذلك الزخم المعرفي والفكري بل والحضاري الذي يمثلِّه الكتاب في الفكر المجتمعي، ولهذا فإن شبابنا يُدركون أهمية الكتاب من إدراكهم ووعيهم بأهمية المعرفة على المستوى التنموي، فهذا المشهد يجب ألا يتوقف عند المعرض السنوي وحسب، بل يكون ضمن خطة مستمرة، جاذبة للشباب، قادرة على تفريغ طاقاتهم من ناحية، وموجَّهة نحو المعرفة والاستشراف من ناحية أخرى، وتتواءم مع الرؤى الوطنية المستقبلية من ناحية ثالثة.

شبابنا هم قوة المجتمع ومستقبله، فما نقدمه لهم اليوم على المستوى الفكري في شتى مجالات المعرفة سيُشكِّل آفاقهم المعرفية بل وسيُسهم في تنشئتهم تربويا وأخلاقيا؛ فالعالم لا يخشى من المجتمع القارئ لأنه قادر على حماية وطنه ومكتسباته، واعٍ لدوره، وعامل من أجل حِراك وطني إيجابي.

إن القراءة هي الملاذ الذي نلوذ إليه استمتاعا ومحبة ومعرفة، فلنعمل جميعا على تنميتها في أبنائنا وشبابنا، ولنحميهم بالقراءة مما يجتاح العالم من تيارات وأوهام فكرية، ليكونوا قادرين على نقد ما يقرؤون، يفكرون قبل أن تجرهم تلك التيارات إلى عوالم مظلمة؛ فالقراءة هي الطريق إلى بناء مجتمع إيجابي واع.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة