هكذا يتشكل نظام عربي إقليمي جديد

27 سبتمبر 2025
27 سبتمبر 2025

سيث جيه فرانزمان 

ترجمة ـ أحمد شافعي 

في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من سبتمبر التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقادة العديد من الدول العربية المحورية. كانت تلك البلاد حاضرة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي الاجتماع، قدمت إدارة ترامب خطة سلام من إحدى وعشرين نقطة ترمي إلى إنهاء الحرب في غزة. ولقد كانت هذه من أهداف البيت الأبيض الجوهرية منذ أن تولت الإدارة السلطة في يناير. 

غير أن العديد من المبادرات لم يكلل بالنجاح في إنهاء الحرب الجارية منذ ثلاثة وعشرين شهرا. وقد يتغير هذا مع اتجاه دول الشرق الأوسط إلى إعادة النظر في سياساتها الخارجية. 

يبقى الشرق الأوسط منطقة محورية. وقد تبين هذا بالقدر الكافي في الحرب الباردة والحرب العالمية على الإرهاب. ومع ذلك، سعت استراتيجية الولايات المتحدة الإقليمية إلى التحول من محاربة الإرهاب والتمردات إلى منافسة الخصوم من «أشباه الأنداد» من قبيل روسيا والصين ومواجهتهم. 

ومع تبدل أولويات الولايات المتحدة، يتقدم شركاؤها وحلفاؤها في منطقة الشرق الأوسط لملء أي فراغات أمنية محتملة. غير أن قضية حرب غزة تشير إلى أن قوى إقليمية ـ من قبيل المملكة العربية السعودية ـ لا تزال تواجه عراقيل في التوصل إلى نتائج للصراعات والأزمات بأنفسها. ولا يرجع هذا إلى عدم اعتراف المملكة العربية السعودية بإسرائيل، فالإمارات العربية المتحدة والبحرين ـ اللتان قامتا بالتطبيع مع إسرائيل ـ لم تتمكنا بدورهما من إنهاء الحرب. ومصر ـ التي سعت إلى معاونة جهود الوساطة بالتوازي مع قطر ـ لم تحقق هي الأخرى نجاحا يذكر. 

لقد أطلق هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر سنة 2023 عنان حرب إقليمية مدمرة ومؤثرة. إذ عمد وكلاء مدعومون من إيران في لبنان والعراق واليمن إلى مهاجمة إسرائيل باستعمال الصواريخ والطائرات المسيّرة. وخاضت إسرائيل وإيران أيضا حربا مباشرة، فجرى ذلك مرتين في عام 2024 ثم في حرب الاثني عشر يوما في يونيو من عام 2025. ولقد عانت إيران من انتكاسات في جميع هذه المصادمات. وتعرض حلفاء إيران ـ من قبيل حزب الله ـ لضربات موجعة وفقدان لكبار القادة. كما أن نظام الأسد في سوريا ـ وهو حليف محوري لإيران وروسيا ـ قد انهار في الثامن من ديسمبر سنة 2024. 

والتقلبات الجارية في سوريا الآن ترمز للتغير الجاري في المنطقة. فقد سافر رئيس سوريا المؤقت أحمد الشرع إلى نيويورك للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الأسبوع. وعقد لقاءات عديدة مع قادة مهمين منهم رؤساء تركيا وأوكرانيا فضلا عن لقاء قصير مع الرئيس دونالد ترامب. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يقابل فيها ترامب، إذ التقيا أيضا في مايو حينما سافر الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية. 

وفي حين أن الشرع لا يزال يواجه تحديات على المستوى الداخلي، فإن محض تمكنه من هز حالة النبذ التي كانت تعاني منها سوريا وإعادة بلده مرة أخرى من ذلك الفتور ليكشف مدى جوع تلك البلاد إلى التغيير في الشرق الأوسط. لقد كانت سوريا بلدا منقسما خلال الحرب الأهلية التي استمرت في ما بين عامي 2011 و2024. وكان نظام الأسد أيضا من سمات المشهد الإقليمي على مدى خمسين سنة. وها هو الآن قد انهار إلى الأبد شأنه شأن صدام حسين ومعمر القذافي وغيرهما من بقايا القرن العشرين الدكتاتورية الأخرى. 

لم تنجح رياح التغيير هذه في تقوية سوريا فقط. فقد نجحت في تقوية القيادة الجديدة في لبنان أيضا. فضلا عن قيام مصر بإجراء جهود جديدة للتواصل، فقامت بمناورة بحرية مع تركيا تمثل خطوة ذات شأن في إصلاح علاقات متوترة منذ عقدين من الزمن. وهي تضغط أيضا من أجل السلام في غزة. وفي الوقت نفسه وقعت المملكة العربية السعودية معاهدة دفاع جديدة مع باكستان. 

ويمكننا أن نلحظ اتجاها مماثلا في مجلس التعاون الخليجي. فبعد ضربة جوية إسرائيلية لأحد اجتماعات حماس في قطر في سبتمبر، أعربت دول الخليج عن رغبة في زيادة التعاون الدفاعي. وتبدو هذه الدول قلقة من أنه على الرغم من ضخامة الاستثمارات في أنظمة الدفاع الأمريكية إلا أنها أفرطت في الاعتماد على المظلة الأمريكية على مدى السنين دونما حصول على حماية كافية. 

كل هذا يشير إلى اتجاه واحد وواضح. لقد أضعفت الحرب العالمية على الإرهاب بعض البلاد العربية. فتمزق العراق بفعل التمرد ثم بفعل صعود داعش. وبعد أن منيت داعش بالهزيمة في عام 2018، سعت ميلشيات مدعومة من إيران إلى ملء الفراغ في الدولة العراقية التي مضت تترنح من أزمة إلى أزمة. 

وبرغم وقوع بعض التحسنات الإيجابية، من قبيل إطلاق كتائب حزب الله سراح إليزابث تسيركوف الباحثة في جامعة برينستن واستئناف سلطة الحكم الذاتي في المنطقة الكردستانية لصادرات النفط، لا يزال العراق في خضم عملية إحلال الاستقرار. وتواجه سوريا ولبنان أيضا عراقيل مماثلة. فضلا عن ذلك، تستمر دولتا اليمن وليبيا منقسمتين من جراء حروب أهلية. 

تشير نزعة التواصل الإقليمية إلى أن بعض القادة العرب يسعون إلى تقوية الروابط الدفاعية وتوسيع علاقاتهم العسكرية والاقتصادية مع بلاد بعيدة عن المنطقة. وسوف تشمل هذه البلاد تركيا التي تستثمر بقوة في سوريا، وباكستان التي تمتلك ترسانة عسكرية ونووية قوية. وقد تتضمن أيضا بلادا تنتمي إلى كتل اقتصادية غير غربية من قبيل مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون بقيادة الصين. 

وسوف يشمل الأمر أيضا استثمارات في الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وهو ممر يمتد من الهند إلى أوروبا. وقد يجري عما قريب إحياء طريق الحجاز التاريخي للسكة الحديدية الذي يمتد من المملكة العربية السعودية إلى تركيا منشئا ممرا اقتصاديا بين الشمال والجنوب. وتشير جميع البوادر إلى حقبة جديدة تشهد المزيد من التكامل في أعقاب عقود من الفوضى والحرب الأهلية والإرهاب. 

 سيث جيه فرانزمان مؤلف كتاب (حروب الطائرات المسيّرة: الرواد، آلات القتل، الذكاء الاصطناعي، ومعركة المستقبل) الصادر في عام 2021، والزميل المساعد في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات. وهو محرر الأخبار بالإنابة وكبير مراسلي الشرق الأوسط والمحللين في صحيفة جيروزالم بوست. 

  عن ذي نيوسيتسمان