هجمات الحوثيين تبلغ نقطة الغليان وسيكون الرد العسكري الأمريكي خطأ جسيما

09 يناير 2024
ترجمة: أحمد شافعي
09 يناير 2024

منذ أن مضت إسرائيل في هجومها وغزوها المدمرين لغزة بعد هجمات مقاتلي حماس عليها في السابع من أكتوبر الماضي، ينتاب القلق العالم من توسع الحرب إلى صراع أكبر يأتي على الشرق الأوسط. وفي الأسابيع الأخيرة، تركَّز خطر توسع الحرب على مكان مستبعد، هو أفقر بلد في المنطقة، أي اليمن، الذي يعاني من الحرب الأهلية منذ سنين.

في أواخر أكتوبر، بدأت جماعة الحوثيين المسلحة في اليمن إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل ثم تجاوزت ذلك إلى الاستيلاء على سفن تجارية مبحرة في البحر الأحمر. وزعم الحوثيون أنهم سوف يمنعون السفن الإسرائيلية ـ أو تلك المسجلة بأسماء ملاك إسرائيليين ـ من المرور إلى أن توقف إسرائيل هجمتها على غزة. وفي الأسابيع الأخيرة عمد الحوثيون إلى تصعيد هجماتهم على سفن الشحن باستعمال الصواريخ والطائرات المسيرة والقوارب الصغيرة. فدفعت تلك الهجمات ـ التي شلَّت المرور في طريق تجاري حيوي يربط آسيا بأوروبا والولايات المتحدة ـ إدارة جو بايدن إلى عملية بحرية الشهر الماضي لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر.

في الحادي والثلاثين من ديسمبر، تصادمت القوات الأمريكية والحوثية صداما مباشرا للمرة الأولى حينما ردت مروحيات أمريكية على نداء استغاثة أطلقته حاوية تحمل علم سنغافورة تعرضت لهجوم قوارب حوثية. وفي القتال الذي أعقب ذلك، أغرقت الولايات المتحدة ثلاثة من أربعة قوارب حوثية، وقتلت عشرة مقاتلين. وأثارت الواقعة تهديدات جديدة من مسؤولين أمريكيين وبريطانيين قالوا إنهم يدرسون تنفيذ ضربات جوية على أهداف حوثية في اليمن لمنع المزيد من الهجمات.

في يوم الأربعاء الماضي، وجَّهت الولايات المتحدة وبريطانيا ومجموعة من الحلفاء إنذارا للحوثيين جاء فيه أن «الهجمات الحوثية الجارية في البحر الأحمر غير مشروعة، وغير مقبولة، ومثيرة للاضطرابات بشدة» فيما سرَّب مسؤولون عسكريون أمريكيون أنهم وضعوا قائمة بأهداف محتملة منها محطات رادار حوثية ومواقع إطلاق صواريخ ومسيَّرات، ومستودعات ذخيرة.

أرغمت الهجمات الحوثية كثيرا من كبرى شركات الشحن في العالم على مسارات تجتنب المقاتلين بعيدا عن مسار البحر الأحمر وقناة السويس الذي يقلل الرحلة بين آسيا وأوروبا بآلاف الأميال. فباتت السفن تمضي حول جنوب أفريقيا، بما يطيل رحلات سفن الشحن أسابيع عديدة ويزيد من تكلفة الوقود والعمالة. كما تتسبب الهجمات في ضرر اقتصادي لإسرائيل التي فقد ميناؤها إيلات 85% من نشاط الشحن فيه منذ أن بدأت الحملة الحوثية.

بقطع طريق التجارة العالمية، يفرض الحوثيون تكلفة غير متوقعة على الولايات المتحدة وحلفائها بسبب دعمهم لإسرائيل. لكن الحوثيين يجتذبون الولايات المتحدة والغرب إلى وضع فاشل في حال ردهم بهجمات على اليمن في ظل أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يقولون جميعا إنهم حريصون على منع حرب غزة من التوسع في مناطق أخرى من الشرق الأوسط. ومن شأن رد عسكري بقيادة أمريكية وبريطانية على هجمات البحر الأحمر أن يخاطر بتوسيع الحرب، ومن غير المرجح أن يرغم الحوثيين على تغيير تكتيكاتهم. فبالهجوم على اليمن، يخاطر التحالف أمريكي القيادة بإنهاء وقف إطلاق النار الهش بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية التي خاضت الحرب منذ مطلع 2015.

تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها أيضا الضغط على إيران التي تدعم الحوثيين لكي تمنع الجماعة المسلحة من مزيد من الهجمات على سفن الشحن. وإيران تقوم منذ سنين بإمداد الحوثيين بالتمويل والسلاح، ودمجت الجماعة في شبكة من الميلشيات الإقليمية التي تطلق على نفسها اسم (محور المقاومة)، وتتضمن حماس وجماعة حزب الله اللبنانية المسلحة والعديد من الميلشيات في العراق وسوريا. ومنذ أن بدأت إسرائيل هجومها على غزة، وجهت هذه الشبكة ضربات لأهداف إسرائيلية وأمريكية في المنطقة، راجية من ذلك تكثيف الضغط على إدارة بايدن لدفع إسرائيل إلى قبول وقف إطلاق النار.

لكن حتى في حال محاولة إيران كبح الزعماء الحوثيين، ليس من الواضح ما إذا كانوا سوف يوقفون هجماتهم في البحر الأحمر أم لا. فشأن جماعات مسلحة أخرى وفاعلين غير تابعين لدول ممن رعتهم طهران في سياق محاولتها توسيع نفوذها في المنطقة على مدى العقود الثلاثة الماضية، فإن للحوثيين مصالحهم وأولوياتهم الخاصة. ولليمنيين تاريخ طويل في دعم القضية الفلسطينية، والحوثيون يقدمون أنفسهم باعتبارهم الجماعة الوحيدة التي تقوم بعمل ملموس ضد إسرائيل، خلافا لفصائل يمنية منافسة لزمت الصمت إلى حد كبير منذ غزو غزة. كما يحاول الحوثيون أيضا ترسيخ دعم إقليمي أوسع، بوضع أفعالهم على النقيض من أفعال الحكومات العربية التي أدانت إسرائيل لكنها لم تتراجع عن اتفاقيات التطبيع التي وقعتها مع إسرائيل خلال فترة إدارة دونالد ترامب.

ثمة جرح آخر قد تنكؤه أيضا الولايات المتحدة في حال استعمالها القوة العسكرية الطاغية ضد الحوثيين. فقد أنفقت المملكة العربية السعودية ما بين خمسة وستة مليارات دولار في الشهر في محاربتها الحوثيين في ذروة حرب اليمن. ولا يزال الجانبان يتفاوضان على وقف دائم لإطلاق النار يتضمن شكلا ما من التعويض السعودي. لكن جهود هذه الانفراجة اليمنية التي تحققت بشق الأنفس عرضة الآن للخطر بسبب أزمة البحر الأحمر. ففي حال هجوم الولايات المتحدة على الحوثيين، قد تقوم الجماعة المسلحة بإعادة صياغة المواجهة لتكون وسيلة لتسوية حسابات قديمة مع واشنطن. فالولايات المتحدة ـ في نهاية المطاف ـ قدمت مليارات الدولارات على هيئة أسلحة وتدريب ومساعدة مخابراتية لحليفتيها أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة خلال حرب اليمن. وقد استغرق نطاق المعاناة الكامل في اليمن سنين، ففي نوفمبر 2021 قدرت وكالة تابعة للأمم المتحدة أن يؤدي الصراع إلى مقتل 377 ألف إنسان بحلول نهاية العام. وتضمن ذلك التقدير 223 ألف حالة وفاة ـ أي ما يقرب من 60٪ من الإجمالي ـ ناجمة عن أسباب غير مباشرة، من قبيل نقص الغذاء، وانتشار وباء الكوليرا على نطاق واسع، والأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية في اليمن.

في حال مهاجمة تحالف ذي قيادة أمريكيية الحوثيين في الأسابيع القادمة، سيحرص الحوثيون على تذكير العالم بأن واشنطن وحلفاءها ساعدوا في التسبب في أزمة إنسانية قائمة منذ سنين في اليمن، وبأن الولايات المتحدة تخاطر بتوسيع حرب تجلب مزيدا من الشقاء على الشرق الأوسط.

محمد بزي مدير مركز هاكوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى، وأستاذ الصحافة في جامعة نيويورك.

عن صحيفة الجارديان البريطانية