نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية تزيد مخاطر الفقاعة الأمريكية

24 نوفمبر 2025
24 نوفمبر 2025

ترجمة قاسم مكي

اعترض جنسين هوانغ الرئيس التنفيذي لشركة انفيديا على الحديث عن فقاعة ذكاء اصطناعي في الولايات المتحدة مع إعلان الشركة عن أرباح وفيرة من مبيعات رقائق الذكاء الاصطناعي في الربع الثالث من هذا العام.

قال هوانغ للمحللين يوم الأربعاء 19 نوفمبر: «هنالك الكثير من اللغط عن فقاعة ذكاء اصطناعي. من موقعنا نحن نرى الأمور مختلفة جدا». مع ذلك؛ الملاحظة التي أدلى بها في 6 نوفمبر بأن الصين «ستكسب» في سباق الذكاء الاصطناعي يجب أخذها على محمل الجد في الغرب؛ لأسباب من بينها ما تقوله عن مخاوف الفقاعة.

هوانغ ليس الشخصية البارزة الوحيدة في الولايات المتحدة التي علقت مؤخرا على التقدم اللافت للصين في مجال الذكاء الاصطناعي.

برايان تشيسكي الرئيس التنفيذي لشركة «أير بي ان بي» وصديق سام ألتمان مؤسس «أوبن أيه آي» ذكر أن شركته تعتمد بشدة على نموذج الذكاء الاصطناعي لشركة على بابا الصينية «كوين»؛ لأنه جيد جدا وسريع ورخيص. ويقول: نموذج شات جي بي تي «لا يفي تماما باحتياجات الشركة». واللافت أن مارتن كاسادو الشريك في شركة الاستثمار المغامر الأمريكية «16 زد» يقول: معظم رواد الذكاء الاصطناعي الذين يعرفهم في الولايات المتحدة يستخدمون نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية. ونقل عنه قوله: إن 80% منهم ربما يستخدمون نموذجا صينيا مفتوح المصدر.

من جانبه يقول شاماث باليهابيتيا مؤسس شركة الاستثمار الأمريكية «سوشيال كابيتال»: إنه اختار نموذج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر «كيمي كيه 2» والذي طورته الشركة الصينية «مونشوت أيه آي» لإنجاز جزء كبير من أعمال شركته؛ ذلك لأن أداء هذا النموذج «أفضل الى حد كبير. وهو بصراحة أرخص بما لا يقاس من نماذج شركتي أوبن أيه آي وآنثروبك»، كما يقول.

لايزال سباق الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والصين في مراحله الأولى. ومن المبكر جدا تحديد الفائز بشكل قاطع، لكن تقديرات الشخصيات المهمة في هذه الصناعة بأن النماذج الصينية رخيصة التكلفة وعالية الأداء والتي تنتشر في الولايات المتحدة يلزم أن تضيف إلى المخاوف من انفجار فقاعة ذكاء اصطناعي تتمحور حول النماذج الأمريكية مرتفعة التكلفة.

من الواضح أن الشركات الصينية تتمتع بميزات هيكلية أساسية مقارنة بنظيراتها الأمريكية. الميزة الرئيسية هي التكلفة، وتشمل تكلفة تطوير نماذج جديدة وتحديثات إلى جانب تكلفة تشغيل نماذج لغوية كبيرة للزبائن.

أما تكلفة التطوير في الصين فهي ببساطة شيء آخر. حسب بعض التقديرات يكلف تدريب نموذج «كيه 2» الشركة الصينية المنتجة له «مونشوت أيه آي» 4.6 مليون دولار فقط. وهذا جزء ضئيل مقارنة ببلايين الدولارات التي تنفقها شركة «أوبن ايه آي» على البحث والتطوير.

وعلى نحو مماثل؛ تشغيل النماذج اللغوية الكبيرة الرئيسية المنتجة في الصين (ديب سيك وكوين - بلس وكيمي 2 ثِنْكِين) أقل تكلفة الى حد بعيد من تشغيل كل من نموذجي «جي بي تي 5» لشركة أوبن أيه آي و«كلود سونيت 4.5» لشركة انثروبك. فنموذج «كلود سونيت 4.5» يكلف 15 دولارا لكل مليون وحدة نص (جزء من النص الذي يولِّده نموذج الذكاء الاصطناعي استجابة لنص المستخدم- المترجم.) هذا في حين يكلف نموذج «كيمي كيه2 ثنكين» دولارين ونصف.

هنالك جانب آخر لجاذبية النماذج اللغوية الكبيرة الرائدة في الصين، وهي أنها مفتوحة المصدر؛ فهذه الميزة تسمح للمستخدمين بتشغيل النماذج في الأجهزة الخاصة بهم مما يضمن بقاء البيانات الحساسة داخلها.

العديد من النماذج اللغوية الكبيرة للشركات الأمريكية مغلقة المصدر بما في ذلك نموذج شات جي بي تي. لكن نماذج «إل لاما» من شركة ميتا و «فاي» من مايكروسوفت و»جيما « من جوجل مفتوحة المصدر. وفي الواقع حتى شركة أوبن أيه آي دشَّنت نموذجا مفتوح المصدر هو «جي بي تي - أو إس اس» في أغسطس.

لكن شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية تنفرد بميزة حصولها دون قيد على أحدث رقائق الذكاء الاصطناعي (رقائق بلاك ويل التي تنتجها شركة انفيديا)؛ فقد حظرت الولايات المتحدة بيع هذه الرقائق إلى الصين بعدما ذكر ترامب أن الزبائن الأمريكيين فقط يمكنهم شراؤها.

حاليا «اتش 20» هي رقاقة إنفيديا الأكثر تقدما التي يمكن للصين الحصول عليها بموجب ضوابط التصدير الأمريكية. وهذه الرقاقة عالية الأداء لكنها تتخلَّف «جيلا كاملا» عن أحدث رقائق بلاكويل بي 200 وبي 100. ويُعتقد أن هذه الفجوة تمنح مستخدمي أحدث رقائق بلاكويل قوة حاسوبية تصل إلى 15 ضعف ما يحصل عليه مستخدمو رقاقة «اتش 20».

لكن الصورة الكاملة أكثر تعقيدا؛ فضوابط التصدير الأمريكية أبعد من أن تكون مُحكَمة؛ إذ يتم تهريب بعض الرقائق المحظورة إلى الصين، وتحصل الشركات الصينية على رقائق أخرى في بلدان ثالثة. كما توجد رقائق مثل «انفيديا اتش 800» في المخزونات التي كدستها الشركات الصينية قبل استحداث ضوابط التصدير الأمريكية.

مثلا نموذج الذكاء الاصطناعي «كيمي كيه2 ثنيكن» دُرّب على رقائق اتش800 التي خزِّنت قبل تطبيق حظر تصديرها في أواخر عام 2023. وعلى الرغم من أن رقائق نموذج كيمي كيه 2 أقل جودة إلا أنه يتفوق في أدائه على نموذجي «شات جي بي تي -5 وكلود سونيت 4.5» في عدة تقييمات قياسية.

يعود تفوق نماذج الذكاء الاصطناعي في بعض التقييمات رغم استخدامها رقائق أدنى في الجودة إلى ابتكارات معمارية وتدريبية، وهذا إنجاز صيني مثير للإعجاب.

يتم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات. إنها باهظة التكلفة ويستهلك تشغيلُها الكثير من الكهرباء. ولدى مراكز البيانات في الولايات المتحدة قدرة أكبر بكثير من الصين وبالتالي إمكانية أكبر على تدريب النماذج الجديدة أو تحديثاتها، لكن الصين تتحرك للّحاق بها وتعزيز تنافسيتها.

انخرطت الصين في فورة بناء لمراكز البيانات، وهي تدعم الكهرباء بخفض فاتورة الطاقة بما يصل إلى النصف لبعض أكبر مراكز البيانات بها. إلى ذلك يجري إنشاء بعض المراكز الجديدة في مناطق صحراوية تزوَّد بكهرباء مولّدة من ألواح الطاقة الشمسية، وهي أرخص مصدر للكهرباء في العالم.

لا يوجد شك في أن العديد من النماذج اللغوية الكبيرة التي تنتجها الصين تكسب زبائن حول العالم؛ فنموذج شركة على بابا «كوين» تخطَّى 600 مليون تنزيل منذ تدشينه في عام 2023 مع تطوير أكثر من 170 ألف نموذج مشتقة منه؛ حسب الصحيفة الصينية الرسمية «الشعب اليومية».

معظم هذا النشاط يحدث في البلدان النامية؛ فالمستخدمون الذين لديهم موارد مالية أقل يتمسكون بخدمة نموذج «كوين» مفتوحة المصدر ووظائفه اللغوية الوفيرة لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم.

الصين أيضا قوة جبارة في مجال الملكية الثقافية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي؛ حيث تقدمت بحوالي 1.6 مليون طلب تسجيل براءة اختراع حتى أبريل من هذا العام أو 38.6% من إجمالي الطلبات العالمية، وهذه أكبر حصة لأي بلد.

كان سام ألتمان مصيبا عندما قال في وقت سابق من هذا العام أن شركة أوبن أيه آي كانت «في الجانب الخاطئ من التاريخ» عندما جعلت «شات جي بي تي» نموذجا مغلق المصدر.

وإذا كان مطورو نماذج الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة والبلدان الغربية الأخرى ينوون تعزيز وضعهم العالمي في المنافسة مع الصين عليهم تكريس كل الجهود لجعل النماذج مفتوحة المصدر متاحة للمستخدمين بتكاليف تشغيلية منخفضة.

يجب أن تسعى نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية إلى خفض التكاليف ليس فقط لكي تنافس، ولكن أيضا لتهدئة المخاوف من ظهور فقاعة ذكاء اصطناعي في الولايات المتحدة. يجب أن تشمل هذه الاستراتيجية مساعٍ للعثور على المزيد من تطبيقات النماذج اللغوية الكبيرة المحققة للإيرادات، وذلك تماما كما تفعل الصين.

إذا تآكلت الميزات التنافسية المتبقية لشركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية فيما تواجه نماذجها عَنَتَا في منافسة البدائل الصينية حتى في الولايات المتحدة ربما تبدأ الاستثمارات الضخمة التي تغذي نمو سوق الأسهم الأمريكية في التحول إلى رهانات عالية المخاطر حقا. وفي تلك الحال قد تبدو الفقاعة التي استبعدها هوانغ هذا الشهر حقيقية تماما.

جيمس كنج زميل أول أبحاث لبرنامج آسيا الباسيفيكية والعالم والصين بالمعهد الملكي للشئون الدولية (شاتام هاوس)