نظرية الاستخدامات والإشباعات وشبكات التواصل الاجتماعي

12 يونيو 2023
12 يونيو 2023

تعد شبكات التواصل الاجتماعي إحدى الأدوات التي أدت إلى تغيير أساليب الاتصال بين الأشخاص بسبب تقديمها خدمات متطورة باستمرار وامتلاكها مميزات مبتكرة تلبي رغبات الفرد وتشبع حاجاته من الاستخدام المتواصل لهذه الشبكات وبفترات طويلة تمتد لأكثر من 7 ساعات يومية وفقا لبعض الدراسات التي أشارت إلى أن هناك إفراطا في استخدام الشباب لهذه الوسائل التي باتت تسلب أوقاتهم، وتقلل من فرص التواصل بينهم على أرض الواقع، ويرى ليهو كاتز (Elihu Katz) أن نظرية الاستخدامات والإشباعات هي محاولة لشرح ظاهرة -الإعلام- بسؤال الفرد عن طريقة استعماله لوسائل الاتصال لإشباع حاجاته، وبلوغ أهدافه بدل مصادر أخرى متوافرة في محيطه. فيما لخَّصت الباحثتان أنابل كين-هانس (Anabel Quan-Haase) وأليسن يونج (Alyson L. Young) ما يميز نظرية الاستخدامات والإشباعات عمَّا سبقها من نظريات في الخصائص الثلاث الآتية، أولًا: مَفْهَمَة الجمهور، وثانيًا: ما يقوم به، وثالثًا: الإشباعات التي يحققها مما يقوم به؛ فشبكات التواصل الاجتماعي أوجدت لمستخدميها مساحة للتفاعل في العالم الافتراضي ومشاركة اليوميات والمقاطع المرئية والصور في إطار الاهتمامات المشتركة بين الجمهور.

ووفقا لمجلة Qualitative Market Research فإن الفرضية الأساسية لنظرية الاستخدامات والإشباعات هي أن الأشخاص يبحثون عن شبكات التواصل الاجتماعي التي تلبي احتياجاتهم وتوصلهم إلى مرحلة الإشباع، فيما ترى دراسة أخرى «أن استخدام فيسبوك كان مرتبطا بتقديم الذات للآخرين والحاجة الملحة للانتماء بينما كان استخدام إنستجرام مرتبطا بالتعبير عن الذات والتفاعل الاجتماعي، ومراقبة الآخرين ومعرفة معلومات عنهم، أما سناب شات فيستخدم للحصول على إشباع يتعلق بالحفاظ على العلاقات الوثيقة مع الأصدقاء والعائلة، أما بالنسبة لبعض التفاعل على المقاطع المرئية في منصة يوتيوب مثل: قراءة التعليقات والإعجاب وعدمه ومشاركة المقاطع المرئية فهو مرتبط بإشباع الحاجة للترفيه»، ووفقا لدراسة أجريتها حديثا حول أبرز التحديات الاجتماعية لوسائل التواصل الاجتماعي، وتطرّقت إلى نظرية الاستخدامات والإشباعات فتهتم بدراسة الاتصال الجماهيري دراسة وظيفية منظمة وترى الجمهور فعالا في انتقاء رسائل ومضمون وسائل التواصل الاجتماعي؛ فالجمهور يتعرض لوسائل التواصل الاجتماعي لتلبية حاجات إنسانية متعددة فلا يراهم كمستهلكين سلبيين ولكن هم مسؤولون عن اختياراتهم للوسيلة الإعلامية وكيفية استخدامها، وبذلك فخيارات المستخدم مبنية على فروقات فردية في المصالح والاحتياجات والدوافع التي تشكلت من التعليم والتنشئة والعلاقات العامة بالإضافة لاختلاف الثقافات.

فيما اطلعت على دراسة أخرى بعنوان «استخدام الشباب العربي لمواقع التواصل الاجتماعي» سعت إلى رصد طبيعة استخدام الشباب في المجتمعات العربية لمواقع التواصل الاجتماعي، والتعرف على حجم التأثير الناتج من الإشباعات المتحققة، وطبقت الدراسة على عينة بلغت 230 فردا من السعودية ومصر واليمن، وسبع دول أخرى، وتم جمع البيانات من خلال الاستبيان. وأشارت النتائج إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي هي في مقدمة المواقع التي تستخدمها العينة بنسبة بلغت 52.6% حيث يتم استخدامها للتواصل مع الأصدقاء والآخرين، وتتسم بالحرية في عرض الآراء كما أنها تحقق لهم إشباعات مختلفة كملء وقت الفراغ، وتبادل ومشاركة الأفكار والآراء مع الآخرين ثم الشعور بالمتعة تليها الرغبة في العيش في مجتمع آخر ثم الهروب من الواقع الاجتماعي، كما أنها تقلل من ارتباط الفرد بأسرته وتولد الشعور بالقلق والتوتر.

إن ثبوت صحة نظرية الاستخدامات والإشباعات بدأ يظهر جليا في علاقة الأشخاص بشبكات التواصل الاجتماعي؛ إذ أصبحت العلاقة بين الأشخاص وهذه الوسائل أقوى من أي وقت مضى وذلك لتوفّر الإشباعات المختلفة؛ إذ لم تعد الرسائل الإعلامية تؤثر على سلوكيات الأشخاص وتصحح آراءهم بل أصبحت العلاقة بين الطرفين (الجمهور ووسائل الإعلام) ثنائية الغاية تركّز على التطلعات والدوافع من التعرض لوسائل الإعلام لتحقيق الإشباعات، وبالرغم من استخدام نظرية الإشباعات والاستخدامات في كثير من الدراسات والبحوث الإعلامية والاجتماعية إلا أنه من المسلّم به أنها تعرّضت لعدة انتقادات أبرزها أن النظرية لم تقدّم سببا مقنعا لاختيار الأشخاص وسيلة إعلامية دون غيرها وذلك لأن الاستخدام ربما يكون ظرفيا أو لأهداف نفسية أو اجتماعية بهدف ملء وقت الفراغ أو لأسباب مرتبطة بالإدمان على الإنترنت دون وجود دوافع محددة وفي ظني غير مرتبط بنظرية الاستخدامات والإشباعات بقدر ارتباطه بالتوجهات العامة للجمهور، وربما يمكن الاستفادة من هذه المؤشرات في دراسة أسباب التواجد في وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار، أيضا من الصعوبة إثبات نظرية الاستخدامات والإشباعات على خصوصية المجتمعات والثقافة السائدة فيها، فهناك دواع شخصية أو خاصة أدت إلى ارتياد الأشخاص لوسائل التواصل الاجتماعي، وهي مرتبطة بالبعد الاجتماعي مثل إقامة علاقات مع الآخرين تبعدهم المسافات الطويلة. حقيقة من خلال تعمّقي في الاطلاع على نظرية الاستخدامات والإشباعات عبر مختلف المصادر الإلكترونية والتقليدية فإني أرى من المهم أن يستطلع أفراد المجتمع بمختلف فئاتهم حول النظرية لإثبات صحتها ودقتها؛ إذ إن البحوث التي أجريت على نظرية الاستخدامات والإشباعات كانت تستهدف بعض فئات المجتمع مثل طلبة الجامعات والكليات والأكاديميين والموظفين في المؤسسات التعليمية وهذا يجعل النظرية بحاجة إلى استقصاء نتائجها كون أن فئة الشباب لا تقتصر على طلبة الجامعات والكليات، وكذلك لا يمكن إسقاط آرائهم على نظرية الاستخدامات والإشباعات وذلك لأن الطلبة تعترضهم ظروف نفسية واجتماعية خلال مشوارهم الدراسي وبالتالي ربما يؤثر ذلك على نتائج النظرية.

أخيرا.. أرى أن تعدد وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد دوافع استخدامها من قبل الجمهور يتطلب تنوّع منهجيات البحث والتقصي عند إجراء الدراسات والأبحاث المختلفة خاصة الدراسات التي تشترك فيها عدة علوم مثل العلوم الإنسانية التي تتطلب تعاملا حذرا مع نتائجها وذلك لارتباطها بالجانب الإنساني والعاطفي؛ فحاجة الإنسان للغذاء المعنوي لا يقتصر الإلمام بماهية العلوم الإنسانية وإضفاء الجانب النظري في المنهج التربوي بل أصبح تزامن الغذاء المعنوي مع الجانب التطبيقي من هذه العلوم أكثر إلحاحا لترسيخه في الحياة اليومية لأفراد المجتمع.