نبحر مع الصمود لأجل الإنسان

28 سبتمبر 2025
28 سبتمبر 2025

لا بد للكلمة الحرة من أثر، كما أنه لا بد للوعي -متمثلا في الثقافة والمعرفة- من حراك لصالح الإنسان انتصارا للعلم والفن والثقافة ضد التسطيح والاستهلاكية والمادية، لا بد من دور للعقول الحرة في إنقاذ الإنسان في أي بقعة من الأرض من التجويع والتهجير والتصفية العرقية، وإلا فما فائدة العلم؟ وما الجدوى من الثقافة؟ وما رسالة الفنون؟ لا بد من سعينا جميعا -عبر كل القنوات المتاحة في الإعلامين التقليدي وغير التقليدي لدعم مبادرة أسطول الصمود العالمي المبحر من موانئ دولية شتى شطر الجوعى في غزة ليثبتوا للعالم أجمع أن الكلمة طاقة جبّارة، وأن لكل اتحاد عالمي -متنوع الأجناس، مختلف المشارب الاجتماعية والفكرية، ممثل لقطاعات مهنية وثقافية متنوعة، مؤمن بقضية إنسانية عظيمة- طاقات عظيمة. 

أبطال مبادرة أسطول الصمود ممثلون لأطباء وتربويين وأكاديميين وفنانين وبرلمانيين، نساء ورجال نذروا أنفسهم لهذه المهمة لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة مع إعلان المجاعة وتزايد أعداد قتلى الجوع والتهجير، أبطال الصمود هم أبطال الواقع الحقيقي والرقمي بعيدا عن لعبة الشهرة، إدمان التصوير وهوس المتابعة والإعجاب، لكنهم تابعوا يوميات غزة بإنسانية بالغة هيئتهم وحملتهم لهذه المهمة الإنسانية النادرة، فتوبعوا من أشقائهم في الإنسانية، ونظرائهم في الوعي وأقرانهم في المعرفة ليتشكلوا فريقا واحدا مبحرا لتبحر معه أفئدة كثر دعما ودعاء، وكما أن لكل رسالة ورسول مسعى ووصول فإن للمثبطين سعيهم السلبي متخذا رداء السخرية أو ثوب التخويف والوعيد، ورغم كل تحديات الواقع التي واجهت هذا الأسطول منذ انطلاقته فإنه ما زال مبحرا تعزيزا لمكانة القوة الناعمة، وتأكيدا على طاقات الحراك السلمي المتحضر في وجه القوة اللاإنسانية، وهمجية الجشع والنفوذ. 

الأسطول السلمي لاقى تعزيزا حكوميا علنيا في بعض الدول خصوصا بعد تهديد إسرائيلي بمهاجمة الأسطول، إذ يقول وزير الخارجية اليوناني جيورجوس جيرابيتريتيس إن بلاده ستضمن الإبحار الآمن للقوارب الموجودة حاليا في مياهها ضمن أسطول الصمود المتجه إلى غزة، ومن جانبه أكد نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن الأسطول لا يشكل تهديدا لأحد محذرا من استهدافه قائلا «إن مهمة السفينة الإسبانية المرافقة للأسطول واضحة جدا» وأضاف في تصريح لرويترز «نحن نتحدث عن أسطول إنساني سلمي.. لا يشكل تهديدا لأحد، ولا لإسرائيل.. الهدف الوحيد للأسطول هو تمكين سكان غزة من الوصول إلى المساعدات الإنسانية.. لا أرى سببا لأن يعترضهم أحد أو يرغب في إيذائهم»، وقد انضمت إسبانيا إلى إيطاليا بإرسال سفينة حربية لمساعدة الأسطول بعد تعرض سفنه لهجوم من 12 طائرة مسيرة في المياه الدولية، على بعد 30 ميلا بحريا من جزيرة جافدوس اليونانية، كما أكد وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروزيتو -أمام مجلس الشيوخ الخميس الماضي- إن إرسال سفينة لمرافقة الأسطول «ليس عملا حربيا، وليس استفزازا. إنه عمل إنساني، وهو واجب على الدولة تجاه مواطنيها». 

وفي ردود فعل أخرى على أحدث هجوم تتعرض له سفن أسطول الصمود العالمي، قالت الخارجية الفرنسية إنها «تتابع من كثب الرحلة بقلق بالغ وتدين جميع الهجمات البحرية عليه»، كما قالت الخارجية السويدية إنها «تتابع بقلق متزايد تطورات الوضع حول الأسطول» مؤكدة أن على متنه نحو 15 مواطنا سويديا، مشيرة إلى أن إسرائيل أعلنت نيتها الإبقاء على الحصار، ومنع الأسطول من الوصول إلى غزة، كما نددت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بهجوم المسيّرات على أسطول الصمود، في حين أعلن الفريق القانوني لأسطول كسر الحصار عزمه التوجه بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية. 

يأمل المنظمون في كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ أشهر، الذي أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود، وسط إعلان الأمم المتحدة في أغسطس الماضي دخول القطاع في مرحلة المجاعة، وتعد هذه أول مرة يبحر فيها هذا العدد من السفن مجتمعة نحو قطاع غزة، الذي يعيش فيه نحو 2.2 مليون فلسطيني، وتحاصره إسرائيل منذ 18 عاما وأحكمت الحصار المفروض عليه خلال الأشهر الماضية. 

ختاما: تابعنا ونتابع هذه المبادرة المعبرة عن التضامن الإنساني والوعي العميق بدور الثقافة والفن في تغيير العالم لتصييره مكانا أرحب للإنسان، فخورون بالفريق الخليجي المشارك حيث شدّد المكتب الإعلامي لـ«سفينة الصمود الخليجية» على أن الجهد الفردي قد يبدو محدود الأثر، لكن قوّة العمل المشترك هي التي تصنع النجاح، موضحا أن «المشاركين ينتمون إلى خلفيات ثقافية وحضارية وعرقية ودينية وجغرافية متعدّدة، لكنهم معا يشكّلون قوّة ضغط يصعب تجاوزها»، كما شدّد المكتب على أنهم «لا يستطيعون الاكتفاء بمراقبة الأحداث عن بُعد، بل يسعون إلى أن يكونوا جزءا من الجهود الرامية إلى فتح ممر إنساني يحمل مساعدات رمزية».  ومع عمق الوعي والشعور بالآخر وتكاملية التنوع لا نملك إزاء هذا التحضر المدني السلمي إلا الدعم بكل ما نستطيع من وسائل، آملين بلوغ الأسطول أهدافه في كسر الحصار وتضامن العالم لتحقيق استقرار الإنسان قلبا مطمئنا وسكنا آمنا. 

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية