«ناموسة الحقد».. الأفعى تتلوى

14 أبريل 2024
14 أبريل 2024

الأفعى تتلوى لأن جروحها الغائرة المنتشرة على كافة جسمها المسطح، لم ولن تندمل وستظل نازفة بلا انقطاع، فالعمر الزمني الذي تجاوز السبعين عاما، ليس يسيرا أن ينهش، أو يتحول إلى جيفة ليست لها قيمة، وبالتالي فإن نُهِشَ فالغضب شديد، وقاسٍ، وسيواجه ناهشه ببسالة ليس لها مثيل، فالمواجهة قائمة، وهناك ضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الاستمرار في النهش، فما يحدث بعد السابع من أكتوبر، لن يكون كما كان قبله، فالمعادلة تغيرت، واتجاه البوصلة هو الآخر تغير، ولذلك فالأفعى تتلوى في ضرباتها مشرقا ومغربا، شمالا وجنوبا، لا تفرق بين صغير وكبير، بين امرأة وطفل، والنملات الصغيرة تقضم جسدها، وإن كان بهدوء فإنه قضم مؤلم، يجعل الأفعى تصرخ، وتضرب بذيلها بصورة عشوائية، لا تفرق بين حق وباطل، بين صديق وعدو ـ ومن هنا جاء ضرب فريق المطبخ العالمي ـ حيث نشطت النملات أكثر، وسرت أكبر، وتحمست أكثر وأكثر.

وبعد ستة أشهر من فرقعات الأفعى وتخبطها تذهب وسائل الإعلام الإسرائيلية بالقول: «وضع إسرائيل ساء، من كل زاوية منذ الـ 7 من أكتوبر وحتى اللحظة إذا تشهد انهيارا دبلوماسيا، وضائقة اقتصادية، وتعقيدا أمنيا، وانقسامات اجتماعية وسياسية» هذا بتاريخ 7 /4 /2024م، وفي الطرف الآخر من المعادلة يتم طبخ الضفدعة بهدوء تام، وعلى أقل من المهل، ومن تأثيرات هذا الطبخة يقول المحلل الإسرائيلي ألون مزارحي: «من أكثر وضوحات في هذه اللحظة الفريدة هو أن حماس وهي حركة فلسطينية صغيرة، لم تهزم إسرائيل فحسب، بل الغرب برمته كله» - وبكل تأكيد معهما رأس الأفعى الكبيرة «الولايات المتحدة الأمريكية - المصدومة هي الأخرى بنشاط النملة التي تدمي مقلة الجميع، «لا تحقرن صغيرا في مخاصمة إن البعوضة تدمي مقلة الأسد» وقفزها من الشجرة أي هذه الأفعى الكبيرة لم يعد ينفعها فقد «سبق السيف العذل» وما حدث من خسارة «محلية» كبيرة وصادمة للرئيس التركي، ستلاحق الخسارة بإذن الله الرئيس الأمريكي، فذنب الأفعى لا يزال يضرب في كل تجاه لا يفرق بين صديق وعدو، وبين قريب وبعيد، وكما يحدث للبعيد من تصدع، ومن توالي الهزائم، سيحدث للقريب أيضا، والمسألة زمنا مستقطعا من عمر كل من علق بناب الأفعى (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) - (227) الشعراء- «ناسب ذكر الظلم أن ينتقل منه إلى وعيد الظالمين، وهم المشركون الذين ظلموا المسلمين بالأذى والشتم بأقوالهم وأشعارهم. وجعلت هذه الآية في موقع التذييل فاقتضت العموم في مسمى الظلم الشامل للكفر وهو ظلم المرء نفسه، وللمعاصي القاصرة على النفس كذلك وللاعتداء على حقوق الناس» - https://quran.ksu.edu.sa -

تتهاوى قوى الشر في هذه اللحظات الفارقة من عمر المعركة في مشارق الأرض ومغاربها، حيث الجميع في قلب هذه اللحظة الفارقة في كل شيء، في توقيتها، وفي مكانها، وفي حدثها، وفي عنفوانها، وفي صدمتها «الكبرى» وفي فجائيتها، وفي نوعيتها، وفي استحكاماتها، فما كان من الجميع إلا أن يكون مع الجميع، وبدأت المواجهة، وحدد لها العمر الزمني القصير، فغزة مساحة جغرافية محدودة، وجيش غزة لن يطول أجل بقائه فإمكانياته محدودة، والمجتمع في غزة ملأ كل الفراغات المكانكية، وليس من اليسير أن يبقى، وأن يصبر، وأن يلعق ألمه، وأن يستوعب المفهوم الكبير الذي يحمله «طوفان الأقصى» وبالتالي فهي مرحلة قصيرة، ويسلم الجميع، وتأتي غزة لاهثة، مستسلمة، تسابق خطواتها أرجلها (لقمة سائغة) بين جسد الأفعى ليلتف عليها هذا الجسد، فيعصرها فتذوب هويتها، وتتماهى فلم تعد هنا لا غزة، ولا ضفة، ولا عسقلان، ولا قدس «مقدسة» وكبر الحلم مع أول قنبلة تضرب بقوة ناموسة الحقد، فتتهاوى البنايات الأولى تلو الأخرى، وتتوزع الأشلاء على المساحات والأرصفة، وتخرج الأجساد مسجاة، والأنفاس التي لا تزال لاهثة من تحت الأنقاض، رافعة يدي النصر: «لن نستسلم ولن نخرج من أرضنا» فتتلوى الأفعى أكثر وأكثر، وتضرب بجسدها وذيلها متخبطة من أثر الألم، وتُعْلَنُ المواقف تلو الأخرى من تحت الأنقاض بل تأتي مزمجرة مزلزلة أنه لا فرار، ولا مفارقة للأرض، «كم يكبر فيك الأمل يا غزة»؟

وعلى ما يبدو أن هناك ثمة علاقة موضوعية، ونوعية قائمة ما بين طبخ الضفدعة «الضفدع المغلي» وما بين معاناة الأفعى «المحاصرة بنهش النملات» فكلا الحالتين يؤازر بعضها بعضا، وهذا ما يعلي سهم المقاومة من كل اتجاه، نعم قد يطيل زمن الإبادة التي تمارسها قوى الشر الحالمة بصورة النصر، ولو «مزيفة» نعم بل يزيد من سقوط الضحايا، ولكن (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما) - (104) النساء - ولكن ستبقى العبرة في النهايات، وما التداعيات السياسية، والاقتصادية، وتشكل الرأي العالمي الجديد المناصر لطوفان الأقصى «الممثل الشرعي للمقاومة في هذه اللحظات» وما مجموع التصدعات الحادثة في أروقة السياسات العالمية، إلا بشائر نصر تلوح في الأفق بإذن الله ويقينا بإذن الله لن تذهب الدماء الزكية للشهداء التي تخصب أرض غزة وفلسطين عموما أدراج الرياح، فقاعدة الحاجة الكبرى ليس هناك ثمن دون مقابل، مهما طال الزمن، ونعم قد يطول البلاء، ولكن لا بد من انكشاف الغمة، (... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ـ جزء من الآية (22) من سورة يوسف .

يمارس اليوم وبقوة الهزيمة النفسية بما يسمى بـ «تعليب الهزيمة» لحفظ ماء الوجه، وذلك من خلال التركيز أكثر وأكثر على إطلاق سراح الرهائن والذين لم يتجاوزا الرقم (134) أسيرا وأسيرة، وكأن كل النصر في هذا العدد القليل، وبدون تحريرهم لا نصر لقوى الشر مجتمعة، مع أن القتلى الإسرائيليين وكلهم من جيش الكيان الغاصب وضباطه الكبار، وهذا في أقل التقديرات قد بلغ (1538) وبالتالي فلا مقارنة بين العددين، وبالتالي فمن لم يستطع أن يحمي هذا الرقم في الأخير من القتلى، فيقينا لن يستطيع أن يحرر رقم الأسرى، ولذلك هو يناور ليكسب وقت الاستعطاف من جمهور الداخلي المرتجف، والمتململ، والبقية الخجولة من جمهور الخارجي إن بقي له جمهور في الأساس، وبالتالي وفي خضم هذا التعليب، تحاك المؤامرات والخيانات، والدسائس، وترويج الأكاذيب، والمغالطات، والتجاوزات، يحدث هذا كله سواء في تخبطات ذيل الأفعى وما تخلفه من جرائم ضد الإنسانية، ومن الإبادة الجماعية المستمرة، ومن التجويع، وتجريف المنازل وحرقها، والقضاء على كل مظاهر الحياة الاجتماعية في القطاع، وكل ذلك إمعان في الإساءة والتجريح، وانعكاس لحالة التخبط والعشوائية في إدارة الحرب، بل هي حالة يأس عميقة لا مجال للخروج منها إلا بالموت، فالنفوس المتشربة بالهزيمة ليس يسيرا فكاكها، وإعادتها إلى حالتها الطبيعية، حتى ولو حققت نصرا أكيدا، فهذه النفوس لم يبق لها سوى الموت، فقد انتهت صلاحيتها للحياة، في جميع المستويات، سواء على مستوى محيطها الداخلي الكاره لبقائها، أو محيطها الخارجي المثقل بأعباء التزامه تجاهها.

تعيش الشجرة حاليا حالة انحناء مستمرة، وصولا لسقوطها، وكل الذين كانوا متشبثين بأغصانها التي كانت وارفة بدأوا بالنزول، واحد تلو الآخر، إما بصورة فجائية حيث القفزة الكبرى، ومنهم من ينزل خطوة خطوة لعل هناك عودة إلى ذي قبل، أما الفريق الثالث فلا يزال تتشابك أصابعهم الآثمة بدم الشهداء، وبجرائم الإبادة يكابرون حتى النفس الأخير لبقاء الشجرة، فالأصوات اليوم تتعالى من هناك ومن هناك بأن ما تقوم به العصابة الصهيونية المجرمة خطأ وخطر، وأن هذا النزيف المستمر على أكثر من ستة أشهر يجب أن يتوقف، يقولونها اليوم بخجل، وغدا سيقولونها: (وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون) - الآية (167) آل عمران -.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني