منفعة الأمان الوظيفي والخروج من الحالة المؤقتة

27 أغسطس 2025
27 أغسطس 2025

قبل خمس سنوات وبعد صدور نظام الأمان الوظيفي نما شعور بالفرحة والطمأنينة جميع موظفي الدولة وأولهم العاملين بالقطاع الخاص حيث إنه -للمرة الأولى- يتم فيها إصدار ذلك النظام والذي كان ضمن اهتمامات -ولا يزال- جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- الذي أعطى توجيهاته السديدة نحو بناء نظام للأمان الوظيفي يحفظ حقوق العاملين وخاصة في القطاع الخاص وقت الأزمات التي يتم فيها فقدان الوظيفة. كما أن مفهوم الأمان الوظيفي أكثر عمق من الحماية الوظيفية. فالأولى تعطي للعامل ثقة وأمان بأن وظيفته بها نوع من الاستقرار على المدى البعيد. وإن حدث غير ذلك وتم تسريح العاملين لأسباب خارجة عن إرادتهم، فهناك أمان وظيفي بغطاء قانوني يحفظ الحقوق لجميع العاملين في توفير منفعة مالية أثناء مدة التسريح من العمل. بينما في الجانب الآخر فإن الحماية الوظيفية هي مجموعة من القواعد تضمن أيضا عدم حصول فصل تعسفي بحق العمال ولكن وإن حدث، فنوع تلك الحماية قد لا يصل إلى مستوى توفير مورد مالي أثناء مدة الفصل أو التعطل عن العمل. تطبيق نظام الأمان الوظيفي يختلف من دولة إلى أخرى وإن كانت أغلبها تتوافق بأن المنافع المالية عادة تأخذ الصفة المؤقتة وليست الدائمة. 

على الصعيد الوطني فإن منفعة الأمان الوظيفي وحسب ما تضمنته القوانين واللوائح من أحكام فإنه في حال توافرت شروط استحقاقها فهي تصرف بشكل مؤقت؛ حيث ينتهي صرفها إما بمرور ستة أشهر من تاريخ صرف المنفعة -في حال عدم التمديد- أو في حال رفض العامل الذي تم تسريحه لثلاث فرص وظيفية. تلك الشروط بعض منها قد تكون متسقة مع الممارسات المعمول بها في أغلب الدول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وبعض من دول الخليج العربية. أيضا وقياسا على المعمول به في تلك الدول فإن منافع فقدان العمل أو التعطل عن العمل لأسباب لا دخل للعامل بها، فإن المبلغ المحدد حسب نظام كل دولة يصرف بنسبة من الراتب السابق وبعض الدول تحدد المنفعة على أساس أسبوعي وليس شهريا وإن كانت هناك من الدول من يفرق بين العامل الأعزب والعامل الذي يعيل أسرة بحيث إن مبلغ المنفعة يزيد بزيادة عدد أفراد الأسرة. 

كما أن نظرة الغالبية من العمانيين بأن الأمان الوظيفي في القطاعات العامة هي الأفضل، وبالتالي، الهدف السامي من إيجاد منفعة الأمان الوظيفي هو تشجيع العمانيين الالتحاق في الوظائف بمؤسسات القطاع الخاص. ولكن استمرار معدل فقدان الوظائف بالقطاع الخاص يعطي رسالة سلبية لبيئة العمل وما قد تسببه من آثار مالية ونفسية. طبعا هنا لا نلقي اللوم على كل شركات القطاع الخاص فهناك شركات لها مبادرات يشار إليها بالبنان في ملف التشغيل ومنها، على سبيل المثال، قطاع الاتصالات وقطاع البنوك والتأمين والشركات الكبيرة بقطاع النفط والغاز. عليه، للوصول إلى مرحلة من الإنصاف في تشجيع المواطنين بزيادة الإقبال للعمل في القطاع الخاص ولكي يكون قادرا على استيعاب تشغيل الآلاف من الموطنين الباحثين عن العمل والذين فقدوا وظائفهم، فإنه يجب أن يعطى القطاع نفس عناصر الجاذبية والأمان الذي يتمتع به العاملون بالقطاع الحكومي، وبالتالي، الوقت قد حان لكي تتحول منفعة الأمان الوظيفي من تكييفها الحالي إلى نظام شمولي يتسم بالاستدامة لكي تُسهم تلك المنفعة في استقرار العاملين في بيئة العمل وليست حالة مؤقتة -حسب وضعها الحالي- تعصف بها رياح التقلبات الاقتصادية وقلة الموارد المالية. 

منفعة الأمان الوظيفي هي نظام تشريعي يحفظ حقوق أولئك العمال الذين قامت بعض الشركات بإنهاء خدماتهم أو تسريحهم لأسباب خارجة عن إرادتهم والذين تجاوز عددهم (16) ألفا. كما أن نظام الأمان الوظيفي بمثابة رسالة اطمئنان للذين فقدوا أعمالهم بأن هناك نظاما وأمانا وظيفيا يحفظ الحقوق المالية، وبالتالي، ينبغي أن يكون شبيها -نوعا ما- بأنظمة رواتب التقاعد. فإن كان المتقاعد من الصعوبة تحديد مدة زمنية لبقائه حيا ليتم بعدها قطع الراتب أو تخفيضه -في حال وفاته- لتصرف نسبة منه للورثة، فأيضا منفعة الأمان الوظيفي في ظل الظروف الحالية من الصعوبة تحديد مدة زمنية لصرفها؛ حيث لا يستطيع أي طرف أو جهة حكومية ضمان حصول العامل الفاقد لوظيفته على وظيفة بديلة خلال ستة أشهر. أيضا المنفعة تكون مستحقة؛ لأن جميع العاملين بالدولة يسهمون في تمويلها استقطاعا من رواتبهم الشهرية بما فيهم الذين تم تسريحهم. والقول بأن الذين تم تسريحهم من شركات ومؤسسات القطاع الخاص أعدادهم في تزايد مستمر يعطي دلالة بأن الجهات المختصة بالتشغيل لم تستطع خلال المدة الزمنية المحددة لصرف المنفعة من توفير الوظائف المناسبة لهم نظرا لأن الوظائف بسوق العمل تخضع لتقلبات اقتصادية من الصعوبة التنبؤ بها على المدى القصير. 

كما لا ينبغي النظر إلى منفعة الأمان الوظيفي من الناحية المالية فقط وبأن موارد صندوق الحماية الاجتماعية -محدودة- كما ورد في تصريح بعض من المسؤولين، فهناك أبعاد اقتصادية واجتماعية وأسرية تعلو تلك النظرة، حيث إن استمرار صرفها دون انقطاع وحتى حصول العامل على وظيفة أخرى يبقي كثيرا من الأسر في حالة من الأمان المالي يستطيعون معه تدبير الاحتياجات المعيشية المتزايدة ويكونون متعففين بدلا أن يسألوا الجمعيات والفرق الخيرية إلحافا لمد يد العون والمساعدة المالية. 

أيضا فإن تصريحات مسؤولي الجهات المختصة حول ما تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي في مسألة قطع منفعة الأمان الوظيفي للبعض منهم لم تكن على مستوى الحدث. وإن كُنت لسُت جديرا بتقييم تلك التصريحات نظرا لقلة بصيرتي، ولكن لم أقرأ تصريحا لأي مسؤول يعطي رسالة اطمئنان لتلك الفئة من المسرحين الذين فقدوا وظائفهم لأسباب خارجة عن إرادتهم - على أقل تقدير- تحمل نوعا من التعاطف، حيث أغلبها كان يأخذ الجانب السلبي من حيث قلة الموارد المالية، ويجب أن يخرج البعض من مظلة الأمان الوظيفي حتى يدخل آخرين، وهناك من تجاوز الكرت الأصفر. تلك التصريحات لم تكن مرهما نحو تخفيف بعض من القلق الذي يمر به الذين فقدوا وظائفهم الأصلية التي كانوا يبنون عليها كثيرا من الآمال والطموحات. أيضا وطالما أصبحنا في هذا الفضاء الإلكتروني - ومع التقدير- للمتحدثين الرسميين الذين يمثلون الجهات المسؤولة عن التشغيل وغيرهم، فإن تلك التصريحات لا تخدم أحدا وقد يستخدمها البعض من الذين يريدون كيدا بالمجتمع بالقول بأن الدولة لا تستطيع تحمل تكاليف التأمين الاجتماعي لمواطنيها المضمون بالنظام الأساسي للدولة. كما يتكرر القول بأن وزارة العمل، على سبيل المثال، غير مسؤولة عن إنتاج الوظائف، وجهة أخرى غير مسؤولة عن الوضع الاقتصادي وثالثة تقول بأن موارد الصندوق غير كافة. وبالتالي، هذا يعطي مؤشر على استمرار الخلل في التكامل المؤسسي في أعمال الجهات الحكومية. 

ولعلنا نتفق بأن منفعة الأمان الوظيفي تم تصميمها بناء على الممارسات المعمول بها في بعض دول العالم. ولكن إذا صحت المقارنة فإنه على الصعيد الوطني فإن منفعة كبار السن والتي يتم صرفها بشكل تلقائي عند بلوغ سن الستين لم يتم تقييد ذلك الصرف أو الاستحقاق طبقا للحالة الاجتماعية حيث تصرف للجميع بغض النظر عن مستوى الدخل الشهري كما تأخذ شكل الحق المكتسب. من هنا يمكن القول بأن سلطنة عُمان تعتبر من الدول المتميزة في صرف منفعة كبار السن وبالتالي، طالما استطاعت مالية صندوق الحماية الاجتماعية صرف منفعة لكبار السن بغض النظر عن مستوى دخلهم السنوي أو كونهم من الذين يدفعون الاشتراكات الشهرية لصندوق الحماية الاجتماعية. أيضا فإن الدولة قادرة على إيجاد حلول جذرية لمنفعة الأمان الوظيفي تخرجها من الحالة المؤقتة لحالة أكثر استدامة في صرفها للعاملين الذين تم تسريحهم من وظائفهم لأسباب خارجة عن إرادتهم، وبضوابط أكثر مرونة تمنع بقاء المسرحين دون منفعة أمان وظيفي طبعا مع الجدية في قيامهم البحث عن وظائف بديلة. 

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس