منصّات حوارية وتفاعل تكاملي

19 فبراير 2024
19 فبراير 2024

تتشكّل أفضل الخطط التنموية والمشاريع الاستراتيجية العظيمة نتاج منصات حوار تفاعلية بين متخذي القرار وفئات المجتمع المختلفة المستهدفة من الخطط الوطنية والمشاريع الواعدة، ولا يتأتى ذلك جزافا دون تنظيم أو إعداد مسبق، وإنما يبنى تصاعديا بداية من تلمّس حاجة المجتمع لمثل هذه المنصات التي تشعر أفراده بأهمية التواصل وجدوى المشاركة معا، هذا ما وجدنا واستشعرنا جميعا خلال متابعة تنظيم الأمانة العامة لمجلس الوزراء ملتقى «معا نتقدم» في نسخته الثانية، تحت الرعاية الكريمة لصاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب استجابة لتوجيهات جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في مدّ جسور التواصل مع أبناء المجتمع عبر الحوارات المفتوحة وتفعيل دور المجتمع في صياغة الرؤى والاستراتيجيات المستقبلية.

تزايد أعداد الراغبين في التسجيل في هذا الملتقى الحواري المفتوح من مختلف الفئات المجتمعية، وتطوير جلساته والتوسع في مساحته الزمانية ما هي إلا مؤشرات إيجابية تعكس أثر الملتقى في نسخته الأولى، إضافة إلى إيمان الجميع من منظمين ومتحدثين وحضور بأهمية التواصل الحواري وتكاملية الأدوار الوطنية.

جمهور الملتقى من الشباب تابع فعاليات الملتقى بجلساته وتفاصيل نقاشاته خلال يومين من التفاعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تماما كما كانوا يتابعون تفاصيل المنخفض الجوي المتزامن معه بين احتفاء مترقب ورجاء معقود، ومع تنوع ردود الفعل حول المنقول من الجلسات والمأمول من التصريحات إلا أنها على اختلافها لم تكن سوى انعكاس لأهمية هذه المنصة الحوارية المتضمنة أصواتا متنوعة عمريا ومعرفيا، المختلفة وظيفيا واجتماعيا، المجتمعة من مختلف محافظات سلطنة عمان رغم أنباء الأنواء الجوية.

تنوعت مجالات الطرح في جلسات الملتقى وفقا لقطاعات التنمية المختلفة وبناء على استقراء أهم محاور المناقشة قبل أمد من تاريخ الملتقى أثناء مراحل الإعداد والتنظيم، ولعل الإعداد المبكر لتنظيم الجلسات وتسجيل المشاركين من بين حسنات كثيرة تحسب لمنظمي هذا الملتقى السنوي الفاعل الداعم مشاركة الشباب بأفكارهم ورؤاهم، مقترحاتهم وتصوراتهم حول أبرز تحديات الواقع اليومي ورهانات المستقبل، فما كان أجمل أن لا يغفل الملتقى فئة طلاب المدارس من المشاركة، أو فئة الأشخاص ذوي الإعاقة من النقاش والحوار متمثلين (جميعا) واقعهم طامحين لغد أفضل قائم على التكافل والتعاضد مهما اختلفت رؤانا.

تفاعلت وسائل التواصل الاجتماعي مع جلسات ملتقى «معا نتقدم» بين مؤيدين لتصريح مسؤول في إحدى الجلسات أو متعجبين من نسب إحصائية ظهرت عبر جلسة أخرى، مُحتفين بمداخلةٍ طلابية واعية في محور التعليم، أو غاضبين لمقترحِ مسؤولٍ في قطاعٍ آخر، بعض إحباط وحسرة إزاء ملف «تشغيل الباحثين عن عمل» بعد توصيف مسؤول ما، وانفراجة أمل وتفاؤل بعد تصورات مسؤول آخر، كل ذلك خيرٌ حين نفكر في الأثر الحقيقي والنتاج الفعلي لمثل هذه المنصات الحوارية المفتوحة التي تحتم على بعض المسؤولين اكتساب مهارات قيادية لازمة متمثلة في الذكاء الاجتماعي الذي يصل المسؤول بمجتمعه وتحدياته الواقعية بعيدا عن فوقية المنصب ووهم الأفضلية، ترفُّع المسؤول الذي قد يوقعه في شرك تصريحات تعكس بعده عن أهداف مؤسسته وانفصاله عن أبناء مجتمعه، كما تحتم على المحاورين والمناقشين ضرورة استقراء الواقع بتحدياته وبناء الأسئلة والمقترحات وفقا لمعطيات الواقع المعيش وتحديات المستقبل المأمول، وضرورة النظر للمسؤولين لشركاء تنمية لا خصوم نناصبهم العداء ساعين لتصيّد عثراتهم وإحصاء كبواتهم لفظيا أو خدماتيا.

ختاما؛ تحتفي هذه المقالة يقينا بكل جسر حواري مفتوح بين المؤسسة بممثليها مسؤولين وموظفين، والمجتمع بمختلف فئاته المستهدفة من خدمات مؤسسات الدولة وتشكلات الحكومة، وما هذا الملتقى وغيره من ملتقيات قادمة وجلسات حوارية تفاعلية آتية إلا مرآة لتمثل وتفعيل الجميع رؤية مستقبلية واعدة بشّر بها صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- نتمناها جميعا واقعا ملموسا قائما على شفافية المؤسسة التي تتكئ على مشاركة المعلومة والمعرفة سعيا لمشاركة المسؤولية والنتيجة دون تنصل أحد الأطراف من مسؤوليته، أو تخلي طرف ما عن واجباته والتزاماته، ومع تكرار هذه المنصات الحوارية دوريا لا بد أننا سنبلغ -شيئا فشيئا- ما نرجو من تقييم مستمر للأفراد والمؤسسات والخطط في تكاملية دائمة وتشاورية فاعلة.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية