من سيتولى مهمة بناء الدولة؟

25 سبتمبر 2021
25 سبتمبر 2021

فجأة، أصبحت عبارة «بناء الأمة» بذيئة، لا سيما في الولايات المتحدة. فقد أدت الصدمة التي خلفتها هزيمة أمريكا في أفغانستان إلى التراجع بِذعر عن مفهوم طالما شكل محور التفكير الأمني الأمريكي. فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 التي تعرضت لها الولايات المتحدة، كان الكثيرون ينظرون إلى غزو أفغانستان على أنه خطوة ضرورية لحرمان القاعدة من قاعدتها هناك. وبالمنطوق نفسه، أدت الهجمات أيضًا إلى بذل جهود ذات نطاق أوسع من أجل تخليص العالم من الأراضي غير الخاضعة للحكم، والتي يمكن أن تصبح منطلقاً للإرهاب الدولي.

ومن منظور أوروبي، لم تكن عبارة «بناء الأمة» المصطلح المناسب على الإطلاق. ونظرًا لأن الدول تتخذ أشكالا عدة ومختلفة، فإن المهمة الحقيقية تكمن في بناء الدولة لضمان أن تخضع الأراضي لحكم فعال إلى حد معقول. ومن المؤكد أن هذا هو الحال في أفغانستان بعد أن أطاحت الولايات المتحدة بهيكل حكم طالبان. وكان منع القاعدة أو الجماعات المتطرفة الأخرى من العودة يعتمد على إرساء هياكل حكم جديدة. وكان من المسلم به على نطاق واسع، منذ البداية، أنه لا يوجد فرق بين عمليات مكافحة الإرهاب وبناء الدولة. وفي مذكراته، تحدث الرئيس الأمريكي السابق، جورج دبليو بوش، ببلاغة عن المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة في «مساعدة الشعب الأفغاني على بناء مجتمع حر»، من أجل حرمان المتطرفين في المستقبل من امتلاك قاعدة هناك، وكذلك لتوفير «بديل» عن رؤية المتطرفين «يبعث على الأمل». ومشكلة المهمة التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان لم تكن تكمن في هدفها أو طموحها، بل في تنفيذها العشوائي، وعدم التحلي بصبر استراتيجي لتنفيذها. ومن جانبه، شجب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، «الحروب الأبدية» التي تخوضها أمريكا، في محاولة منه للدفاع عن قراره بسحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان. ولكن الحقيقة هي أن عقدين من الزمن ليسا بِالمدة طويلة، عندما يتعلق الأمر بإنشاء مؤسسات دولة شرعية وذات مصداقية. وهذه القضية، كما يشير إليها تقرير أمريكي مهم بشأن تقييم المهمة في أفغانستان، «يمكن وصفها على أنها 20 محاولة استغرقت عاما لإعادة الإعمار، بدلاً من وصفها محاولة واحدة استغرقت 20 عامًا». وفي النهاية، جفت الإرادة السياسية لمواصلة الجهود، وسلمت البلاد بصورة فعالة إلى طالبان. ويمكن استخلاص العديد من الدروس من كارثة أفغانستان؛ ومن المؤكد أن النقاش سوف يحتدم لسنوات. ولكن، يجب أن يكون واضحًا بالفعل أن التخلي عن جميع الجهود لتعزيز حكم وهياكل دولة يتسمان بقدر أكبر من الاستقرار، في الأجزاء الهشة والممزقة من العالم جراء الصراعات، خطأ استراتيجي من الدرجة الأولى. وإذا تم ببساطة تجاهل المناطق غير الخاضعة للحكم، فإن المشاكل التي تسببها ستنتشر حتمًا إلى ما هو أبعد من حدودها، كما رأينا مرارًا وتكرارًا. وسيتحمل الجميع المخاطر في نهاية المطاف. وهذا لا يعني أنه يجب مواصلة تنفيذ العمليات على طريقة أفغانستان- بل المسألة أبعد من ذلك. ولكن لا ينبغي لنا أن نتجه بعزم نحو النقيض التام المتمثل في الانسحاب الكامل. ولتحقيق النجاح، يجب أن تكون عمليات بناء الدولة طويلة الأمد في آفاقها، مع قاعدة عريضة من الموارد للاستفادة منها، وأن تخضع في المقام الأول للقيادة السياسية بدلاً من القيادة العسكرية. ومع تراجع حلف الناتو بصورة واضحة عن أي طموحات كانت لديه في السابق في هذا الصدد، فقد يكون الوقت مناسبًا الآن لإعادة النظر في القدرات التي تمتلكها الأمم المتحدة في الاضطلاع بنفس الدور الأساسي. فقد فحصت دراسة رئيسية أجرتها مؤسسة «راند» عام 2005 السجل التاريخي، وخلصت إلى أن عمليات بناء الدولة التي تقودها الأمم المتحدة لها سجل إنجازات أفضل من العمليات التي تقودها الولايات المتحدة.

ومن المؤكد أن البعثات التي تقودها الأمم المتحدة تواجه أيضًا تحديات كبيرة. فقد تلقت جمهورية الكونغو الديمقراطية سلسلة من بعثات الأمم المتحدة منذ أول يوم من استقلالها. ومن المرجح أن يتطلب جنوب السودان وجودًا قويًا للأمم المتحدة لفترة طويلة قادمة. ولا تزال الصومال تشكل عملاً جاريا، على أقل تقدير. وفي مالي، وفي جميع أنحاء منطقة الساحل الهشة، تواجه بعثات الأمم المتحدة وبعثات أخرى ظروفًا أمنية متدهورة.

ولكن في غياب الجهود الدولية، كانت هذه المناطق أسوأ بكثير مما هي عليه الآن. وكانت ستكون عواقب ما ترتب عن ذلك من فوضى ويأس وخيمة على الأمن الإقليمي والعالمي. والإرهاب واحد من المشاكل التي يمكن أن تصدر من الدول الفاشلة، والمناطق غير الخاضعة للحكم. وفي الفراغ الناتج عن غياب مؤسسات الحوكمة الأساسية،غالبا ما تزدهر الجريمة الإلكترونية، وعمليات تهريب الأحياء البرية، والتعدين غير القانوني، وتجارة الأسلحة، والأنشطة الخبيثة الأخرى. ومع استمرار تفشي جائحة كوفيد-19، يجب أن نتذكر أن مثل هذه المناطق يمكن أن تصبح أيضًا بؤرا لانتشار أمراض معدية مستجدة أو جامحة. وعلى أي حال، يجب أن تظل المساعدة في بناء الدولة- بما في ذلك الأمن والرعاية الصحية، والصرف الصحي، والتعليم- جزءًا من جهودنا الجماعية للحفاظ على الاستقرار العالمي. فقد تألم الكثير من الناس حول العالم جراء التجربة المريرة التي عاشتها أفغانستان. ولكن التخلي عن أي طموح لمساعدة المناطق الهشة على بناء دول فاعلة سيكون تصرفا غير أخلاقي وخطير في نفس الوقت.

• رئيس وزراء السويد ووزير خارجيتها السابق، شغل منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة، والممثل السامي للبوسنة والهرسك، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى البلقان، والرئيس المشارك لمؤتمر دايتون للسلام. وهو الرئيس المشارك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

حدمة بروجيكت سنديكيت