مقتل شارلي كيرك وعجز أمريكا عن التخلص من العنف السياسي
14 سبتمبر 2025
14 سبتمبر 2025
ترجمة - قاسم مكي -
مقتل شارلي كيرك (31 عاما) الناشط البارز والشخصية المؤثرة في حركة «ماغا» على هذا النحو السافر يندرج ضمن قائمة طويلة من الشخصيات السياسية التي اغتيلت على مدار تاريخ الولايات المتحدة. فهنالك عشرة من جملة 45 رئيسا أمريكيا أطلق عليهم النار مباشرة قُتِل منهم أربعة وأصيب ثلاثة بجراح. ولايزال قاتل كيرك طليقا. (اعتقل المشتبه به تايلور روبنسون 22 عاما يوم الخميس ويجري جمع الأدلة لاتهامه رسميا بقتل كيرك- المترجم.)
قبل العقدين الماضيين كانت الستينيات أحدث حقبة عنف سياسي مستمر في أمريكا. فقد اغتيلت شخصيات سياسية عديدة من بينها الأخوة كنيدي (جون وروبرت) وزعيما حركة الحقوق المدنية للسود مالكولم اكس ومارتن لوثر كينج. وشهد عام 1972 محاولة اغتيال حاكم ولاية ألاباما جورج والاس.
لكن الولايات المتحدة تشهد الآن انبعاثا جديدا للعنف السياسي بما في ذلك محاولة قتل جابرييل جيفوردز عضوة الكونجرس عن الحزب الديموقراطي في عام 2011 وحادثة إطلاق النار على ستيف سكاليس عضو الكونجرس الجمهوري وإصابته في عام 2017 ومحاولة اغتيال دونالد ترامب عام 2024. كما تزايدت أيضا الهجمات على المؤسسات السياسية والتي بلغت أوْجَها في اقتحام مبنى الكابيتول (الكونجرس الأمريكي) في 6 يناير عام 2021.
لقد أصبح الساسة المنتخبون والشخصيات البارزة أهدافا معتادة. ففي ديسمبر الماضي قُتِل برايان طومسون الرئيس التنفيذي لشركة التأمين الصحي (يونايتد هيلث كير) بواسطة مسلح منفرد في مانهاتن. وفي يونيو قتلت ميليسا هورتمان السياسية في ولاية مينيسوتا مع زوجها بواسطة قاتل متنكر في زي شرطي.
إلى جانب حوادث القتل الأخرى هذه، ينطوي مقتل كيرك على أهمية خاصة. لقد استقطب هذا الناشط عددا كبيرا من الأتباع وسط الناخبين الشباب الذين وقفوا ضد النزعة الليبرالية في الأوساط الجامعية ورسَّخوا معارضة أيديولوجية اليسار الراديكالي وسياسات «التنوع والإنصاف والشمول» بالترويج للقيم التقليدية. كما اكتسب مكانة مرموقة في أوساط اليمين السياسي الحديث.
المنظمة التي أسسها كيرك واسمها « نقطة تحول- الولايات المتحدة الأمريكية» لديها ألف فرع في الجامعات تقريبا، مما أتاح له القيام بجولاتِ مخاطبات عامة حافلة بالحيوية.
كان كيرك نصيرا متحمسا لدونالد ترامب وحليفا له عندما فاز عام 2024 بنسبة مثيرة بلغت 46% من أصوات الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة. وقد أمر ترامب بتنكيس الأعلام الرسمية حتى يوم الأحد واتهم «اليسار الراديكالي» بقتل كيرك.
العنف السياسي في الولايات المتحدة يشمل كل الطيف السياسي. وهو مرتفع بشكل مذهل مقارنة بالديمقراطيات الأخرى. فمقتل كيرك الناشط وهورتمان السياسي المنتخب وطومسون الرئيس التنفيذي في السنة الماضية فقط بيانٌ عملي بأن الأمريكان من كل شاكلة ولون على استعداد لاستخدام وسائل عنيفة وقادرون على ذلك.
لا يوجد سبب للاعتقاد بأن مثل هذا العنف السياسي استثنائي ويعود لأسباب ثقافية أو نفسية. إنه مرتفع بسبب سِمات رئيسية في دستور الولايات المتحدة. فالترتيب الدستوري لأمريكا مقارنة بالبلدان الديمقراطية الأخرى يفشل في تقييد العنف. وهذا يعود أساسا إلى حقيقة أن السلطة الفيدرالية تراعي حقوق المواطنين في حمل السلاح.
سعى التعديل الدستوري الثاني عن قصد إلى تمكين «مليشيات» مسلحة على المستوى الشعبي. وهو يعكس بذلك صياغته في حقبة كانت الدولة تعتمد خلالها على المواطنين في تسيير «دوريات مراقبة العبيد» وتخوض 13 مستعمرة أمريكية حربا ضد الشعوب المحلية (الهنود الحمر) وتتحدى سلطة الإمبراطورية البريطانية.
لقد أراد كُتَّاب الدستور التأكد من قدرة المجتمعات المحلية على مقاومة الحكومة الفيدرالية، إذا دعت الضرورة (وكان ذلك درسا مستمدّا من ملاحظة قهر الدول الأوروبية لمواطنيها حينذاك) وأيضا ضمان حرية دينية غير متاحة في أوروبا.
هذه الحقوق المكرسة في التعديل الثاني للدستور توسعت كثيرا في القرن الحادي والعشرين. ففي عام 2008 استخدمت المحكمة العليا في الولايات المتحدة «قرار هيلر» لتوسيع مفهوم حق الفرد في حمل السلاح الناري. (قرار هيلر يتعلق بدعوى رفعها ريتشارد هيلر ضد مقاطعة كولومبيا وقضت بموجبه المحكمة العليا أن التعديل الدستوري الثاني يحمي هذا الحق- المترجم.)
إلى ذلك، تفشل باستمرار محاولات الكونجرس إصدار تشريع صارم يقنن شراء وامتلاك السلاح وشروط التخزين الآمن للأسلحة. ساهم في ذلك عدم الاقتناع بالسيطرة على السلاح وسط الأغلبية في القضاء الفيدرالي. أضف إلى ذلك الدعم القوي لجماعات المصلحة كالرابطة الوطنية للأسلحة والتي تساعد تبرعاتُها السخية لتمويل الحملات السياسية في منع إصدار تشريع جديد لتنظيم امتلاك السلاح.
الديمقراطيات الأوروبية بالمقارنة لا تعتبر استخدام القوة بواسطة «كيانات غير تابعة للدولة» عملا مشروعا. وعلى الرغم من أن أكثر من 50% من الناخبين الأمريكيين يفضلون التشدد في حمل السلاح الناري وقدرة سلطات الولايات (قبل قرار هيلر) على تشريع ضوابط صارمة إلى حد معقول بشأن الحصول عليه، إلا أن إصلاح قوانين حيازة الأسلحة سيشكل تحديا.
تعديل دستور الولايات المتحدة عملية صعبة. وهذه الصعوبة تضمن استدامة التعديل الثاني. بالإضافة إلى ذلك، الاستقطابُ الحزبي يضعف الحافزَ الذي يمكن أن يدفع الكونجرس إلى العمل بشكل جماعي لتشريع ضوابط صارمة لشراء وإمكانية الحصول على السلاح.
نتيجة لذلك ستستمر الولايات المتحدة للأسف في مواجهة المزيد من أعمال العنف السياسي على الرغم من النداءات والتوسلات الداعية إلى سَنِّ تشريع إصلاحي بعد كل عملية قتل لا معنى لها.
مقتل كيرك مروِّع. لكن الانقسامات العميقة في أمريكا تستبعد أن يكون الأخير.
ديزموند كينج أستاذ نظام الحكم الأمريكي بجامعة أكسفورد ومُعِدّ محاضرة ليونارد شابيرو التذكارية حول العنف السياسي الأمريكي
عن الفاينانشال تايمز
