مساحة حوارية وتغريد صوتي

05 سبتمبر 2021
05 سبتمبر 2021

الذكاء الرقمي التفاعلي موضوع دائم لتطّور يومي، ولا يمكن إنكار ذكاء استقرائه لحاجات الناس ومتطلباتهم المعيشية اليومية وإفادتها منهم، كما لا يمكن إنكار استفادة وسائل التواصل الاجتماعي من هذا التطوير المستمر في وسائل التفاعل الرقمي.

من ذلك استقراء تطبيق «تويتر» لحاجة مستخدميه خصوصا والناس عموما لمساحات أوسع لتبادل الآراء ومناقشة الأفكار، حيث أوجدت «المساحة الحوارية» التي تزامن تدشينها مع ما يعيشه العالم اليوم من ضعف التواصل الواقعي بسبب من جائحة كورونا، واعتماد كثير من الخدمات الرئيسة على بدائل رقمية بما فيها الصحة والتعليم.

المساحة الحوارية هي خدمة يستطيع مستخدم تويتر إنشاءها بإدارته متبنيا أي موضوع لمساحته، مستضيفا مئات المستمعين، منهم من جاء باختيار ودعوة منشئ المساحة، ومئات ممن قرروا حضورها لمجرد اهتمامهم بالعنوان أو بأحد المدعوين؛ مرسلي رابط المساحة.

وكأي إضافة جديدة في عالم التواصل الاجتماعي تبدأ هادئة رغم التسويق، ثم تتضخم مع الاستخدام الواسع (ربما حدّ الفوضى) وصولا لمرحلة من الثبات اعتمادا على تفعيل هذه الإضافة بعد خبرات سلبية وإيجابية تظهر من خلال الاستعمال في مرحلة «الفوضى».

المساحة الحوارية صوتية، مناسبة لحال ودلالة التغريد أكثر من النص القصير المكتوب، لكنها تشترك مع التغريد الكتابي في أنها تعتمد على المغرّد، فإما أن يكون محتواها تغريدا رائقا يجمع بين متعة وفائدة أو بعض هذه أو تلك، وإما أنه يفقد معنى التغريد نهائيا ليلحق بـ«النعيق» مثلا.

يمكن تفعيل المساحة الحوارية إيجابيا بتوظيفها وسيلة مُثلى لبناء وعي معرفي حول كثير من القضايا المجتمعية، والصحية، والتربوية، والثقافية العامة.

يمكنها كذلك أن تكون متنفسا لتجمع حواري رائع لمجموعة من المختصين في مجال معين، كما يمكنها أن تمنح متلقيها متنفسا لحوارات ضاقت بها وسائل الإعلام التقليدي، أو حتى الحياة الواقعية.

لكن لا ينبغي أن ننسى أنها إن تلبسّت معول بناء رائع حينا، فإنها قد تتلبس معاول تقويض وهدم أحيانا أخرى.

يمكن لهذا المنشئ المجهول باسم مستعار أن يبني مساحة حوارية تعبر منها أفكار هدّامة قد يتلقاها مراهق غاضب، أو طفل غير مكتمل الثوابت، أو مرضى بحاجة إلى توجيه حنون أكثر من حاجتهم لاستفزاز صدامي، فتتراكم مساحة الفوضى، ومساحات ادعاء المعرفة وأقنعة الوهم.

لذلك لا ينبغي إغفال محاذير هذه المساحة الحوارية، كما لا ينبغي إغفال الممكن من إيجابياتها.

وبعيدا عن المحاذير و إيجابيات نقل المعرفة والتواصل، يمكن لهذه الإضافة أن تكون منصات تسويق رقمي لكثير من مشروعات الشباب، وكثير من أفكارهم، وكثير من حاجاتهم ومخاوفهم كذلك.

يمكن كذلك للمؤسسات المعنية ببناء الإنسان، ودراسة أنماط تفكيره وسلوكه (الاجتماعي والسلوكي خصوصا) تأملها كمؤشر عام يقيس اهتماما بموضوع أو موضوعات معاصرة، ومتابعة تغير التلقي وثباته حول هذه الموضوعات.

تتسارع إضافات وسائل التواصل الاجتماعي بشكل يصعب مجاراته، لكن يمكننا تفعيل الممكن من المتاح لخدمة واقعنا واستشراف مستقبلنا.

إن كنّا - مرغمين - قد أشرعنا أبوابنا ونوافذنا وعقولنا لوصول هذه العوالم التفاعلية فلا بد لنا من تعزيز تحصيناتنا الداخلية كي ندرك الموازنة بين ما نريد وما يرادُ لنا، بين ما ينبغي أن نعرف وما ينبغي أن يصل و كثير مما ينبغي أن نرفض ونحذر.

لم تعد هذه الأجهزة الذكية بأيدينا مجرد تسلية، ولا محض وسائل محادثة، إنها أذكى من قدرتنا على استيعاب مقاصدها المختلفة والمتنوعة، ولا بد معها من تغذية ذكاءاتنا المعرفية وثوابتنا القيمية والأخلاقية علّنا نبلغ مقاصدنا منها.