مجموعة بريكس والنظام متعدد الأقطاب

23 أغسطس 2022
23 أغسطس 2022

التطورات الجيوسياسية التي نتجت عنها الحرب الروسية على أوكرانيا هي الباعث الأساسي على التفكير لإعادة تشكيل النظام الدولي الحالي الذي يقوم على القطبية الأحادية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي السابق عام ١٩٩١. ولكن كانت هناك مؤشرات حقيقية جاءت أولا من الدول النامية في الأمم المتحدة التي تشكل غالبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما ارتفعت الأصوات لإعادة هيكلة المنظمة الدولية وتوسيع عضوية مجلس الأمن الدولي، خاصة بالنسبة للأعضاء الخمسة الذين يشكلون جوهر القرار السياسي في مجلس الأمن وهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا الاتحادية والصين. وقد جاءت هذه الهيمنة لتلك القوى في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء وهزيمة ألمانيا النازية وحلفائها ثم انضمت الصين كقوة نووية صاعدة.

ومع تزايد تلك الأصوات برزت للعلن منظمة بريكس أو مجموعة بريكس عام ٢٠٠٩ والتي ضمت حينها دول البرازيل وروسيا الاتحادية والهند والصين، وعقدت قمة تأسيس المجموعة في مدينة بكاترينبورج في روسيا الاتحادية، حيث تضمن إعلان قمة المجموعة الإعلان عن تأسيس نظام عالمي يدعو إلى تمثيل أكبر للاقتصادات الناشئة الرئيسية على المسرح الدولي ووقف الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، كما تم الاتفاق على التنسيق المالي وحل قضايا الأزمات الغذائية، وقد انضمت لاحقا دولة جنوب إفريقيا إلى المجموعة عام ٢٠١٠. وعلى ضوء تشكيل مجموعة بريكس واندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتشكيل ملامح أحلاف جديدة تبرز أهمية هذه المجموعة، خاصة لروسيا الاتحادية التي تواجه عقوبات اقتصادية قاسية من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن مجموعة بريكس أظهرت تعاطفا مع روسيا الاتحادية وعدم إدانة موسكو في حربها ضد أوكرانيا رغم الضغوط الأمريكية.

أهمية مجموعة بريكس

تأتي أهمية مجموعة بريكس من خلال الإمكانيات البشرية والاقتصادية والعسكرية والجغرافية، مما يجعلها في حال انتقلت إلى مرحلة متقدمة من التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي وحتى العسكري تبرز ككيان منافس للقطب الغربي بقيادة واشنطن، وهذا يجعل من أمر تشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب أمرا لا رجعة فيه. وقد أشار توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق إلى أن العالم يتجه إلى نظام متعدد الأقطاب وهناك تحالفات تتشكل، كما أن هناك مشكلات بدأت في الظهور على صعيد دول الاتحاد الأوروبي، خاصة على صعيد الغاز الروسي والطاقة.

ومن هنا، فإن مجموعة بريكس لا بد من متابعة تحركها في المرحلة القادمة ومع تطور الحرب الروسية على أوكرانيا وفي إطار التنافس الاستراتيجي في المحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، كما أن موضوع تايوان وزيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي بيلوسي إلى تايوان والتي تعدها الصين جزءا من التراب الصيني أضفى على تلك المنافسة الاستراتيجية بعدا جديدا مرشحا للتوتر والتصعيد.

تشكل مساحة مجموعة بريكس ربع مساحة اليابسة في العالم وعدد سكانها يقترب من ٤٠ بالمائة من سكان العالم وتمتلك مجموعة بريكس ٢٥ بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن المتوقع بحلول ٢٠٥٠ أن تنافس اقتصادات هذه الدول اقتصاد أغنى الدول في العالم حاليا حسب مجموعة جولدمان ساكس البنكية العالمية، كما تسعى دول مجموعة بريكس إلى تشكيل حلف أو ناد سياسي فيما بينها مستقبلا.

وهناك عدد من الآليات والمكونات التي تخدم المجموعة على الصعيد المالي والاقتصادي من أهمها إنشاء بنك التنمية الجديد NDB ومقره شنغهاي ليكون إطارا للدول الأعضاء لتوفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية.

ولا شك أن أهداف المجموعة تبدو اقتصادية ولكن هناك مؤشرات على أن المجموعة قد تتوسع مستقبلا وتنضم دول ذات صدام مع الولايات المتحدة الأمريكية منها إيران على سبيل المثال، كما أن الحديث عن ضرورة قيام نظام متعدد الأقطاب هو أمر تدعمه المجموعة وتحدث عن ذلك الإطار قادة روسيا الاتحادية والصين بشكل خاص في ظل التطورات الجيوسياسية التي نتجت عن تطورات الحرب الروسية الأوكرانية والخطوات التصعيدية من الولايات المتحدة الأمريكية خاصة على الصعيد الاقتصادي ضد روسيا الاتحادية والصين.

وتنطلق مجموعة بريكس من أهداف واضحة قد تتطور لاحقا على ضوء التطورات الدولية .. فحديث مجموعة بريكس يشير إلى أهمية تعزيز التعاون المتعدد الأطراف والعمل على بناء مجتمع عالمي بإدارة موضوعية للعلاقات الدولية، وهي أمور تشير إلى ضرورة إنهاء النظام الدولي الأحادي إلى النظام القطبي المتعدد، بحيث يكون قوى متعددة بديلا عن القوة المتفردة للولايات المتحدة الأمريكية والتي أضرت بمصالح الدول النامية وخلقت المزيد من الحروب والصراعات في عدد من مناطق العالم وأصبح هذا الأخير أكثر وحشية واستغلالا وعدم عدالة خاصة على صعيد القارة الإفريقية والآسيوية وأمريكا اللاتينية وأن العالم يحتاج إلى سياسة تتسم بالحكمة والتنمية المستدامة وحل القضايا الدولية من خلال آلية الحوار.

نتائج المواجهة في أوكرانيا

المواجهة العسكرية الحالية بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا سوف تحدد مسار النظام العالمي وكل المؤشرات تتحدث بأن العالم ما بعد الحرب في أوكرانيا لن يكون هو العالم ما قبلها، وهذا استنتاج صحيح في ظل ما تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية من مشاكل اقتصادية ومن نفور سياسي حتى من عدد من الحلفاء في أوروبا والشرق الأوسط.

وعلى ضوء ذلك فإن مجموعة بريكس قد تشكل رأس الحربة في إنهاء النظام الدولي الحالي والاتجاه إلى النظام المتعدد الأقطاب وهو الأمر الذي تعمل عليه روسيا الاتحادية والصين في المواجهة الاستراتيجية بين واشنطن وبكين في بحر الصين الجنوبي، أو فيما يتعلق بالمواجهة العسكرية غير المباشرة بين واشنطن وموسكو، حيث ساحة الحرب المشتعلة في أوكرانيا. كما أن أوروبا تواجه أوضاعا صعبة خاصة على صعيد الطاقة في الوقت الذي يقترب فيه فصل الشتاء، وهناك قلق ألماني من قطع روسيا الاتحادية إمدادات الغاز. ومن هنا فإن حرب الطاقة تعد هي الورقة الأبرز لدى الكرملن في إطار المواجهة بين روسيا الاتحادية والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك فإن المتضرر الأكبر الآن هي أوروبا وليست الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة على صعيد الطاقة، حيث تواجه بريطانيا انكماشا اقتصاديا هو الأول من ٤٠٠ عام كما تقول ذلك المؤشرات البريطانية، وعلى ضوء هذا المشهد الجيوسياسي فإن مجموعة بريكس سوف تلعب دورا محوريا سواء من خلال الدول الأعضاء الخمسة أو من خلال توسيع نطاق العضوية لدول لديها الرغبة مثل إيران وتركيا والأرجنتين والمكسيك.

ومن هنا، فإن العالم يتشكل من جديد وهناك تحالفات علنية وسرية والهدف الأساسي هو إنهاء هيمنة القطب الأمريكي الأوحد على شؤون العالم وإيجاد منظومة دولية أكثر عدالة واستقرارا لدول وشعوب العالم، فهل تكون مجموعة بريكس هي رأس الحربة في هذا التغير الهيكلي العالمي؟ هذا هو السؤال الكبير.

عوض بن سعيد باقوير - صحفي وكاتب سياسي