مجلس التعاون الخليجي .. نظرة استراتيجية

26 أكتوبر 2021
26 أكتوبر 2021

منذ قيام منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مايو ١٩٨١ وهو أمل شعوب المنطقة خاصة وأن القادة المؤسسين كانت لهم نظرة استراتيجية أساسها وحدة المنطقة وتعاون دولها وشعوبها والانتقال من التعاون إلى التكامل الاقتصادي على غرار نموذج الاتحاد الأوروبي أو حتى قريب منه.

وكانت هناك آمال وأحلام كبيرة لانطلاق هذه المنظومة الخليجية خاصة وأن العوامل الموضوعية التي تجمع الدول الست تعطي مؤشرات على إمكانية الانطلاق في كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وفي مجال المشاريع الكبرى الاستراتيجية خاصة في مجال السكك الحديدية والجواز الموحد.

لقد تحققت بعض المكاسب في العقود الأولى من بداية مجلس التعاون الخليجي لعل أهمها الربط الكهربائي وفي مجال المياه وتبادل المعلومات في مجال الإرهاب من خلال الاتفاقية الأمنية وهناك تبادل للسلع وتطور مؤشرات أرقامها وهناك مشاريع أخرى لم تكتمل لأمور تتعلق باختلاف التشريعات والقوانين في كل دولة ومن تلك المشاريع الاستراتيجية السوق الخليجية المشتركة رغم وجود الربط في مجال الجمارك.

السياسة تعطل الحلم

تعرض مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعدة هزات سياسية خاصة خلال حروب الخليج وكان متماسكا خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي، ومع ذلك فإن أكبر وأخطر أزمة تعرض لها المجلس هو اندلاع الأزمة الخليجية عام ٢٠١٧ بين دولة قطر من ناحية وبين السعودية ومصر والبحرين والإمارات وكادت تلك العاصفة السياسية -إن صحت التسمية- أن تعصف بالمنظومة الخليجية في ظل غياب أي آليه لفض النزاعات بين الدول الأعضاء وهذه أحد اكبر السلبيات في أي منظومة، في حين نرى منظومة الاتحاد الإفريقي لديه آلية فض المنازعات ويتدخل في عدد من الأزمات بين الدول الإفريقية ،ولعل أكبر مثال هنا أزمة سد النهضة بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر وهناك الاتحاد الأوروبي لديه آلية واضحة لحل الخلافات بين الدول الأعضاء وهي خلافات أغلبها تجارية واقتصادية. ومن هنا عصفت الأزمه الخليجية والتي انتهت خلال القمة الخليجية في مدينة العلا السعودية.

لقد شكلت تلك الأزمة بكل تداعياتها السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية درسا كبيرا ينبغي الاستفادة منه، وقد لعبت دولة الكويت الشقيقة دورا محوريا عند اندلاع الأزمة، ولازلنا نتذكر الجولات المكوكية للشيخ صباح الأحمد رحمه الله بين دول المجلس ذات العلاقة بالأزمة خلال شهر رمضان المبارك وكانت الأزمة الخليجية اختبارا حقيقيا لمنظومة مجلس التعاون الخليجي وكان للسلطنة والكويت دور بارز في المحافظة على هذا الكيان من خلال استمرار بعض لجانه، وكانت القمم الخليجية خلال الأزمة تعبر عن حجم المشكلة من خلال التمثيل المتدني. ومن هنا فإن المشهد السياسي في المنطقة كان صادما جراء تلك الأزمة وأصبحت هذه الأزمة ذات بعد إقليمي ودولي نظرا لأهمية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية للعالم خاصة في مجال الطاقة.

لقد عانى مجلس التعاون الأمرين خلال تلك السنوات الأربع وهذا يعطي مؤشرا بأن آليات مجلس التعاون الخليجي لابد من مراجعتها خاصة على صعيد آلية حل الأزمات بين الدول الأعضاء، كما أن مجلس التعاون الخليجي لابد أن يراجع خططه الاستراتيجية ويجيب على عدد من الاسئلة الأساسية وهي هل لا يزال المجلس متمسكا بنظامه الأساسي نحو تحقيق أهدافه في التكامل الاقتصادي أم أن هذا المجلس سوف يظل منظومة رمزية يجتمع قادتها كل عام في مدينة أو عاصمة خليجية؟ هذا سؤال مهم ومحوري والسؤال المحوري الآخر هل السياسات الفردية أصبحت هي الخيار في تحقيق الرؤى الخليجية؟ وأخيرا هل يشهد مجلس التعاون الخليجي مصيرا أشبه بمصير مجلس التعاون العربي والاتحاد المغربي مع مرور الوقت والاندفاع من عدد من الدول الأعضاء نحو تكتلات أخرى حول العالم؟ هذا سؤال آخر محوري.

مستقبل المنظومة

على قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية خلال قمتهم الاعتيادية في شهري ديسمبر أو يناير القادمين أن تكون هناك مصارحة وتقييم حقيقي لمنظومة مجلس التعاون الخليجي في ظل تدني الثقة من قبل الشعوب الخليجية في منظومة المجلس بعد اندلاع الأزمة الخليجية والتي لاتزال بعض آثارها باقية خاصة على الصعيد المجتمعي وهو أكثر القطاعات تأثرا منها. ومن هنا فإن بقاء منظومة مجلس التعاون الخليجي على ما هو عليه وتكرار بياناته السياسية والبطء في حركته نحو تحقيق حلم الشعوب الخليجية سوف يخلق حالة وهي تتشكل الآن بأن هذه المنظومة تبقى رمزية للاجتماع الدوري مع اجتماعات اللجان الوزارية دون الاندفاع نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تمت الاشارة الى بعضها خاصة في المجالات الاقتصادية، وفي مجال الاستثمار والذي يتجه معظمه للغرب والولايات المتحدة الأمريكية في حين أن هناك دولا واعدة وذات موقع استراتيجي فريد وعلى البحار المفتوحة ينبغي أن ينطلق منها الاستثمار الخليجي وهي السلطنة رغم أن هناك بوادر مشجعة من الشقيقة المملكة العربية السعودية.

إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تجمعها عوامل مشتركة من خلال الأنظمة السياسية الوراثية والرقعة الجغرافية الممتدة والتاريخ المشترك وقضايا الأمن التي تحتم التنسيق في كل المجالات وخلق منظومة حقيقية كما هو الحال في المنظومات الأخرى في أوروبا وآسيا وإفريقيا . وعلى ضوء ذلك لابد من الاعتراف بأن منظومة مجلس التعاون الخليجي ليست في أفضل حالاتها خاصة بعد تداعيات الأزمة الخليجية والتي وصلت بالحديث عن إمكانية تفكيك هذه المنظومة وهذا سوف يكون من الأخطاء الفادحة لأن منظومة مجلس التعاون الخليجي هي منظومة استراتيجية ذات بعد جيوسياسي لأمن واستقرار المنطقة ومواجهة التحديات الخطيرة خاصة في مجال سلامة الملاحة البحرية واحتمالات نشوب حرب بين الكيان الإسرائيلي وإيران من خلال التهديد المتواصل والاعتداء على السفن التجارية في إطار الحرب غير المباشرة بين طهران وتل أبيب.

من المؤشرات الجيوسياسية والتي تجعل من الحرص على بقاء منظمة مجلس التعاون الخليجي هو الاستراتيجية الأمريكية الجديدة وهو الانسحاب التدريجي من منطقة الشرق الأوسط وقد بدأت أولى ملامح ذلك الانسحاب من أفغانستان بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي لهذه الدولة الاسلامية والتي شهدت حروبا أهلية لعقود وهي تعاني الآن من آثار ذلك الاستعمار البغيض. كما أن هناك العراق المتوتر والذي سوف يشهد نهاية العام الانسحاب الأمريكي الثاني من منطقة الشرق الأوسط خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لمواجهة القرن مع عملاق آسيا والعالم الصين على شواطئ الباسفيك. ومن هنا فإن مجلس التعاون الخليجي تتضاعف أهميته على ضوء تلك التحولات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

بعيدا عن الحلم

العلاقات الدولية متشابكة والواقعية السياسية تقول إن كل دولة تبحث عن مصالحها وهذا شيء مفروغ منه في إطار العلاقات الفردية هذا شيء مفهوم ولكن في ظل منطقة حساسة كمنطقة الخليج العربي فإن الحكمة تقتضي تقوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية لأسباب استراتيجية في المقام الأول حيث ان وحدة هذه الدول حتى في حدها المدني يظل أمرا حيويا خاصة وأن الأخطار متواصلة منذ أربعة عقود، وهذا قدر الدول الست لتكون في هذه المنطقة الحساسة والمهمة لمصالح العالم ومع ذلك فإن استراتيجية الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية تتغير حتى مع أقرب الحلفاء في الناتو ولايزال الجميع يتذكر عبارات الرئيس الأمريكي السابق ترامب حول استمرار الحماية وأن واشنطن خسرت تريليونات الدولارات في هذه المنطقة دون فائدة تذكر. وهذا خطاب يدخل في إطار الاستراتيجية الكلية للدولة الأقوى عسكريا واقتصاديا وتقنيا في العالم وهي تطبق الأمر بصرف النظر عن نوع الإدارة الديمقراطية او الجمهورية.

إن شعوب المنطقة تتطلع الى تحقيق الاهداف بعيدا عن الاحلام والأغاني التي تغنت بالإنسان الخليجي وتطلعه الى منظومة المجلس ان تتحقق له أحلامه في التقدم والازدهار. ومن هنا يظل السؤال مطروحا عن بقايا تلك الأحلام الممكنة ومسار تلك المنظومة وبين تآكلها على غرار ما حدث مع منظومة مجلس التعاون العربي والاتحاد المغاربي وتلاشي أحلام الملايين من شعوب تلك المنطقة العربية.

* صحفي ومحلل سياسي