مجلس التعاون... 43 عامًا مالها وما عليها

26 مايو 2024
26 مايو 2024

حلت بتاريخ ٢٥ مايو الحالي الذكرى الـ ٤٣ لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي ظهر للوجود في ٢٥ مايو من العام ١٩٨١م. وكل ما حلت هذه الذكرى يتبادر للذهن السؤال المتكرر؛ هل حقق مجلس التعاون طموحات وآمال شعوبه؟ وقبل أن تتم الإجابة على هذا السؤال، أرى أنه من المناسب التذكير بظروف إنشاء مجلس التعاون. حيث تشير بعض المصادر، أن الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت الأسبق عند زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة في ١٦ مايو ١٩٧٦م، عندما كان وليًا للعهد، ولقائه بالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الأسبق، اقترح عليه فكرة إنشاء هذا المجلس، وتشير بعض المصادر الأخرى، أن الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين آنذاك، كلف وزير خارجيته الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة بنقل المقترح إلى الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز آل سعود بإنشاء منظومة إقليمية تضم دول الخليج العربية، الفكرة بشكل عام وجدت القبول لدى كل قادة الدول التي أسست مجلس التعاون، وذلك لأسباب واعتبارات إقليمية ودولية، منها قيام الثورة الإسلامية في إيران وعدم معرفة توجهاتها بوضوح، ونشوب الحرب العراقية الإيرانية لاحقاً، وانقسام الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية بعد إبرام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وكذلك دخول الدول المكونة لمجلس التعاون في إطار الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو. فالكل يعلم أن منطقة الخليج العربي تعد من أهم المناطق الحيوية والإستراتيجية في العالم، وذلك نظرًا لموقعها الإستراتيجي وأهميتها الاقتصادية ولكونها أكبر مستودع للنفط في العالم، مما يجعلها عرضة للأهداف والأطماع الخارجية.

وبدأ التنسيق في هذا الشأن بين الدول الـ ٦ وهي كل من؛ دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين (دولة البحرين آنذاك) والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت، وتوجت الأعمال التحضيرية باجتماعين مهمين لوزراء الخارجية، عقدا في مسقط في ٦ يناير من العام ١٩٨١م وفي الرياض بتاريخ ٤ فبراير من نفس العام ١٩٨١م والذي أعلن فيه الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية آنذاك توافق إرادة الدول الـ ٦ لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية وأمانته العامة، وتوجت هذه الجهود بعقد «قمة التأسيس» في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث وقّع «القادة المؤسسون» وهم؛ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين والملك خالد بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية والسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان والشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر والشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت -طيب الله ثراهم- بتاريخ ٢١ رجب من العام ١٤٠١هـ الموافق ٢٥ مايو ١٩٨١م على النظام الأساسي لمجلس التعاون، معلنين بذلك ظهور «منظمة إقليمية» تربط بينها علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة، أساسها العقيدة الإسلامية والمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمع بين شعوبها، والرغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بينها في جميع الميادين، حيث تم النص على هذه الثوابت والتوجهات في ديباجة النظام الأساسي للمجلس، وحددته بوضوح المادة (٤) من هذا النظام. وبدأت بعدها مسيرة العمل الخليجي المشترك في شتى المجالات السياسية والأمنية، ووضع أنظمة متماثلة في الشؤون الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات والشؤون التعليمية والثقافية والاجتماعية، والصحية والإعلامية وغيرها من المجالات المتنوعة والتي لا تخفى فائدتها وأثرها الإيجابي على عين ذات بصيرة، وكل أبناء مجلس التعاون الذين عاشوا المرحلتين، ما قبل إنشاء المجلس والآن، يعلم بوضوح هذا الفرق الكبير. وقد أغلقت المادة (٥) من نظام المجلس العضوية، بحيث أكدت أنه «يتكون مجلس التعاون من الدول الست التي اشتركت في اجتماع وزراء الخارجية في الرياض بتاريخ ٤ فبراير ١٩٨١م».

وكما هو معلوم، فإن الأجهزة الرئيسية في المجلس هي، المجلس الأعلى الذي يتكون من قادة دول مجلس التعاون، والمجلس الوزاري الذي يتكون من وزراء خارجية دول المجلس، والأمانة العامة التي تتكون من الأمين العام يعاونه أمناء عامون مساعدون، ورؤساء ومديرون عامون للقطاعات والأجهزة المختلفة بالأمانة العامة وخارجها، إضافة إلى اللجان الوزارية المعنية بكافة مجالات العمل الخليجي المشترك. وقد تعاقب على مجلس التعاون عدد من الشخصيات الخليجية المميزة في موقع الأمين العام، وهم أصحاب المعالي: عبدالله يعقوب بشارة من دولة الكويت، وهو أول أمين عام لمجلس التعاون، والشيخ فاهم بن سلطان القاسمي من دولة الإمارات العربية المتحدة والشيخ جميل بن إبراهيم الحجيلان من المملكة العربية السعودية والأستاذ عبدالرحمن بن حمد العطية من دولة قطر والدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني من مملكة البحرين والدكتور نايف فلاح الحجرف من دولة الكويت والأستاذ جاسم بن محمد البديوي من دولة الكويت، حيث كانت لهم بصمات واضحة في الارتقاء بعمل الأمانة العامة. وأنا شخصيًا، عايشت هذا الجهد أثناء عملي بالأمانة العامة لمجلس التعاون خلال الفترة من ٢٠٠٩ إلى ٢٠١١، وهي فترة معالي الأستاذ عبدالرحمن بن حمد العطية، وهو شخصية استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث تطور عمل الأمانة العامة كمًا ونوعًا أثناء وجوده على رأس هرم الأمانة العامة.

وخلال هذه السنوات الطويلة مر مجلس التعاون بالكثير من العواصف التي هددت وجوده وبقاءه، كان على رأسها غزو العراق للكويت في ٢ أغسطس من العام ١٩٩٠م، والذي أظهر معدن وصلابة هذه المنظومة في الدفاع عن عضو من أعضاء المجلس واستقلاله وسلامة أراضيه، وكذلك أزمة يونيو ٢٠١٧م والتي كادت أن تعصف بالمجلس لولا حكمة بعض الدول الأعضاء، وحكمة القادة في إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي، واعتبار ما حدث هو خلاف بين أشقاء، تجمعهم الكثير من الروابط التي لا يمكن لأي أمر كان أن يلغيها. وأذكر أنه أثناء عملي بالأمانة العامة لمجلس التعاون وأثناء تمثيلي للمجلس في أحد المنتديات السياسية التي عقدت في دولة قطر في فبراير من العام ٢٠١٠م، أن وجه لي أحد كبار المفكرين العرب المشاركين بالمنتدى سؤالًا، بصفتي ممثلًا للأمانة العامة، حيث كنت آنذاك أشرف على أعمال الأمانة العامة المساعدة للشؤون السياسية، أن هناك تباينا واضحا في العلاقات الخارجية لدول مجلس التعاون، فكيف يكون هذا المجلس موحد وهناك تباين واختلاف في الرؤية والمواقف تجاه عددٍ من القضايا؟ فأجبته على الفور: إن هذا التباين في الرأي، وهو في قضايا قليلة جدًا، يعد «سر بقاء مجلس التعاون» إلى هذا اليوم، حيث إن هناك مساحة تتحرك فيها الدول، حسب ما تقتضيه مصالحها، وليس هناك قيود صارمة في التعامل الخارجي الذي لا يوجد شك أنه لن يضر ببقية الدول.

وأثناء عملي أيضا في الأمانة العامة، وتحديداً، في النصف الثاني من أكتوبر من العام ٢٠١٠م ، خلال فعاليات أيام مجلس التعاون في لندن، قمت بإلقاء محاضرة في المعهد الملكي للشؤون الدولية Chatham House، بعنوان «مجلس التعاون والقضايا الإقليمية»، وبعد المحاضرة قام أحد الحضور وعرف نفسه كطالب دكتوراه في الشؤون السياسية في إحدى الجامعات البريطانية، حيث ذكر أن سلطنة عمان تربطها علاقات جيدة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية عكس عدد من الدول الأخرى في مجلس التعاون، وإن هذه العلاقة «الجيدة» لا تخدم دول مجلس التعاون، فأجبته: إن علاقة سلطنة عمان بالجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتمد على مبدأ رئيسي في علاقات عمان الخارجية، وهو «مبدأ حسن الجوار»، وإن هذه العلاقة الجيدة كانت موجوده قبل قيام الثورة الإسلامية في إيران وظهور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام ١٩٧٩، واستمرت إلى يومنا هذا، وأن سلطنة عمان تعد البوابة المفتوحة لدول مجلس التعاون على إيران. وهذا مهم جداً في العلاقات الدولية، أن يكون هنالك باب مفتوح تلجأ إليه الدول لتخفيض أي تصعيد أو توتر في إقليمها، وأن دور سلطنة عمان هذا، دور معروف ومرحب به من قبل دول مجلس التعاون وكذلك بقية دول العالم.

لا يوجد أدنى شك، أن طموح أبناء مجلس التعاون في الوصول بهذا المجلس إلى مستوى أعلى من التعاون والإنجاز مشروع، لكن، ومن باب الإنصاف، ما حققه مجلس التعاون خلال السنوات الثلاث والأربعين الماضية يعد أفضل بكثير لأبناء هذه الدول من عدم وجود مجلس أو منظومة إقليمية تجمعهم.

خالد بن عمر المرهون متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية