ماذا يعني توسع حلف شمال الأطلسي شمالا؟

25 أبريل 2022
25 أبريل 2022

في حين لا تزال النتيجة المحتملة للحرب التي يشنها فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا غير واضحة، فإن الحرب تسببت بالفعل في تغيير النظام الأمني الأوروبي بطرق بالغة الأهمية.

أصاب غزو بوتين الحكومات الأوروبية بصدمة عميقة. لقد استخف أغلب القادة الأوروبيين بتحذيرات الولايات المتحدة بشأن هجوم وشيك، معتبرين أن بوتين، على الرغم من صعوبة التنبؤ بتصرفاته، من غير المرجح أن يُـقـدِم على تصرف بهذا القدر. الواقع أن جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، تلقى معاملة قاسية إلى حد ما في زيارته الأولى إلى موسكو في أوائل عام 2021؛ لكن معظم الحكومات الأوروبية كانت لا تزال تعتقد أن الدبلوماسية من الممكن أن تنتج علاقة أكثر استقرارا.

ثم تحطم ذلك الوهم في الرابع والعشرين من فبراير، وهو اليوم الذي أصبح معادلا للحادي عشر من سبتمبر في أوروبا: نداء إيقاظ جيوسياسي عالمي ينطوي على عاقبتين رئيسيتين. أولا، سيزداد الإنفاق العسكري في مختلف أنحاء أوروبا. فبعد سنوات من التثاقل والتقاعس، وعلى نحو مفاجئ، اتفق جميع أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأوروبيين تقريبا على هدف إنفاق ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع. فقررت ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا، إضافة ما يعادل 0.5% من ناتجها المحلي الإجمالي إلى إنفاقها الدفاعي في غضون عام واحد فقط.

ثانيا، ستتعزز قوة الناتو من عدة نواحٍ. فبالإضافة إلى زيادة وجوده العسكري في البلدان الأعضاء المجاورة لروسيا، يستعد الحلف لإضافة فنلندا والسويد إلى صفوفه. طور كل من البلدين علاقاته بالناتو منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم وتوغلاتها في شرق أوكرانيا في عام 2014، لكنهما الآن يعتزمان اتخاذ الخطوة الحاسمة المتمثلة في التقدم بطلب الالتحاق بعضوية الناتو رسميا.

لقد خلق يوم الرابع والعشرين من فبراير موقفا أمنيا جديدا تماما لفنلندا والسويد، لأنه أظهر بين عشية وضحاها أن روسيا لا تتورع عن استخدام القوة العسكرية لفرض مخططاتها الإمبراطورية على أوروبا. ولأن فنلندا خاضت حربا ضد الاتحاد السوفييتي خلال الفترة 1939-1940 وكانت جزءا من الإمبراطورية الروسية طوال قرن من الزمن قبل عام 1917، فقد أقنعت حرب أوكرانيا قادة فنلندا على الفور بضرورة السعي إلى الالتحاق بعضوية الناتو. كان ترتيب فنلندا الهش مع الاتحاد السوفييتي، ثم مع روسيا في وقت لاحق، أحد الأسباب الرئيسة وراء بقاء السويد أيضا خارج الناتو. في أعقاب انضمام النرويج والدنمارك إلى الحلف في أواخر أربعينيات القرن العشرين، انتهجت السويد سياسة الحياد في الحرب الباردة بدعم من قوات دفاعية قوية.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، انضمت فنلندا والسويد إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1995، وعمل البلدان على تعميق تعاونهما الدفاعي مع الناتو، وبالتالي مع الولايات المتحدة. كانت عضوية الناتو الكاملة تُـعَـد خيارا محتملا في تاريخ لاحق. ولكن برغم أن الرأي العام في فنلندا والسويد أصبح أكثر تقبلا للفكرة بعض الشيء، فإن الأغلبية تظل متشككة أو معارضة.

لكن الرابع والعشرين من فبراير قلب الموازين. وفي حين لا تزال بعض العمليات السياسية المحلية مطلوبة، فقد بات من المؤكد الآن تقريبا أن البلدين سيتقدمان بطلب العضوية قبل انعقاد قمة الناتو في مدريد في أواخر يونيو.

في الأسابيع الأخيرة، تغير اتجاه الرأي العام بشكل كبير. فالآن، تفضل جميع الأحزاب السياسية الرئيسية في السويد، باستثناء الحزب الشيوعي السابق وحزب الـخُــضر المتضائل، الالتحاق بعضوية الناتو؛ وفي فنلندا، أعربت كل الأحزاب السياسية من اليمين إلى اليسار عن دعمها. الواقع أننا نشهد تغيرا سياسيا هائلا، وكل هذا بسبب هذيان بوتين الإمبراطوري.

إن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو من شأنه أن يؤدي إلى تغيير البنية الأمنية الأوروبية على وجهين مهمين. فأولا: ستكتسب دول شمال أوروبا القدرة على تنسيق قوات دفاعية كبيرة على مستوى المنطقة. وسوف تزود السويد وفنلندا الناتو بقدرات جديدة مهمة، كما أوضحت بالفعل تدريبات القوت الجوية المنتظمة التي تجريها مع النرويج. علاوة على ذلك، سيكتسب الناتو المزيد من القدرة على السيطرة على بحر البلطيق، وبالتالي دعم الدفاع عن إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا. ثانيا: ستعمل عضوية السويد وفنلندا على تعزيز الركيزة الأوروبية داخل الناتو. فكل من البلدين مؤيد لتطوير البعد الدفاعي والأمني للاتحاد الأوروبي، وتعزيز أواصر العلاقات عبر الأطلسي، بما في ذلك العلاقة الأمنية المهمة مع المملكة المتحدة. وبينما سيظل الناتو الضامن الأساسي للدفاع الإقليمي، فإن الاتحاد الأوروبي ــ بترسانته السياسية الأوسع ــ سيتحول إلى تحالف أمني متزايد الأهمية، وسوف يزداد التنسيق بين الكيانين عُـمقا.

من التطورات المهمة التي تستحق المراقبة استفتاء الأول من يونيو في الدنمارك على رفع القيود المفروضة على مشاركة البلد في سياسات الاتحاد الأوروبي الأمنية والدفاعية.

الواقع أن هذه القيود تشكل بقايا خلافات تعود إلى فترة أوائل تسعينيات القرن العشرين، وقد التزمت الدنمارك ــ إلى جانب السويد ــ بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

في مجموعها، ستعمل هذه الخطوات على تعزيز الإمكانات الدفاعية في منطقة شمال البلطيق بأكملها. سيظل تعزيز القوة الدفاعية أمرا بالغ الأهمية ما دام الكرملين مستمرا على مساره الحالي.

لكن الأوروبيين الشماليين أيضا يجب أن يحرصوا على عدم استفزاز روسيا، التي تمتلك موارد كبيرة ومراكز اقتصادية قريبة من السويد وفنلندا. تُـعَـد سانت بطرسبرج ثاني أكبر مدينة في روسيا ومنطقة صناعية كبرى؛ وتستضيف شبه جزيرة كولا قواعد الغواصات الروسية ومرافق أخرى، فضلا عن كونها أكبر تجمع منفرد للأسلحة النووية في العالم. يصف قادة روسيا مشروعهم الإمبراطوري على أنه «صراع حياة أو موت». وبأخذ هذا التوصيف على محمل الجد، لم تعد فنلندا والسويد تنظران إلى عضوية الناتو على أنها اختيار استراتيجي. منذ الرابع والعشرين من فبراير، أصبحت العضوية حتمية وجودية.

كارل بيلدت وزير خارجية السويد من 2006 إلى 2014 ورئيس الوزراء من 1991 إلى 1994 .

خدمة بروجيكت سنديكيت