ماذا لو انتصرت روسيا؟

20 فبراير 2023
20 فبراير 2023

لم يتمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن من تحقيق أي من الأهداف الاستراتيجية التي ألمح إليها عندما بدأ الحرب ضد أوكرانيا قبل عام واحد. في الواقع، لا يستطيع أي شخص عاقل أن ينكر أن الحرب كانت كارثة كاملة نزلت بروسيا.

مع ذلك، يجدر بنا أن ننظر في الواقع المضاد. ماذا لو لم تُـفـسِـد القوات الروسية الحرب؟ أين كنا لنجد أنفسنا الآن لو انهارت المقاومة الأوكرانية، أو إذا لم يأت رد الغرب موحدا بل جاء مرتبكا وفوضويا؟ من خلال العمل السريع الحاسم من قِـبَـل قوات خاصة -وربما بمساعدة المتعاونين على الأرض- كانت روسيا لتسيطر على كييف في غضون يوم أو يومين، وتشرع في تنصيب حكومة صورية، وتقيم مسيرات النصر. في هذا السيناريو، كان الرئيس الأوكراني المنتخب فولوديمير زيلينسكي ليقتَـل في الأرجح على يد القوات الخاصة الروسية أو كان ليسجن بعد محاكمة سريعة. في أفضل الأحوال، كان ليتزعم حكومة في المنفى من وارسو أو أي مكان آخر. في ذات الوقت، كنا لنشهد تدفقا من اللاجئين الفارين من البلاد أكبر كثيرا مما رأينا بالفعل. كان عدد الأوكرانيين المنتشرين عبر أوروبا والغرب ليتجاوز الآن 20 مليونا، وهو رقم يجعل كل أزمات اللاجئين العالمية الأخيرة مجتمعة تبدو ضئيلة بالمقارنة. باستثناء بعض البلدان، ما كان أحد ليعترف بالسلطات الصورية في كييف، التي كانت لتختفي ببساطة بمرور الوقت مع دمج أوكرانيا في روسيا بعد تقسيمها كمجموعة من المناطق الفيدرالية الجديدة. كانت أوكرانيا ككيان سياسي لتختفي من الوجود، لتعود إلى الوضع الذي كانت عليه في ظل الإمبريالية الروسية في القرن التاسع عشر ــ والذي يبدو أنه النموذج الذي يسعى بوتن إلى فرضه. مع ذلك، كان معظم العالم ليستمر في الاعتراف بحكومة أوكرانية في المنفى، وكان كثيرون ليبدوا استعدادهم لدعم حكومة المنفى في عمليات عسكرية مفتوحة ضد المحتلين الروس. كنا لنشهد جهودا روسية وحشية للسيطرة على أوكرانيا. وبالحكم استنادا إلى ما حدث في بوتشا، وإيربين، والعديد من البلدات الأخرى التي احتلتها روسيا، كنا لنرى عمليات إعدام بعد محاكمات صورية سريعة لعدة آلاف -وربما عشرات الآلاف- من السياسيين والصحفيين والمسؤولين المحليين وغيرهم من الأوكرانيين. هذا ليس مجرد تصور افتراضي، فقد أعدت روسيا بالفعل قبل شن الحرب قوائم طويلة تحمل أسماء مسؤولين أوكرانيين.

كانت روسيا لترسل عشرات -أو مئات- الآلاف من الأوكرانيين إلى ما يسمى «معسكرات التصفية»، لإخضاعهم للاستجواب، والتعذيب، والمعاملة الوحشية على يد قوات الأمن الروسية. في حالات كثيرة، كان الأطفال ليفصلوا عن آبائهم ويرسلوا إلى روسيا لمحو تراثهم الأوكراني من خلال إعادة تعليمهم. ومرة أخرى، نحن نعلم هذا لأنه ما حدث بالضبط في المناطق القليلة التي تحتلها روسيا حاليا.

في هذه الحالة، ربما كنا لنشهد عقوبات على روسيا أوسع وأشمل من تلك المفروضة عليها بالفعل الآن، لأن دولا مثل الهند أو جنوب أفريقيا كانت لتجد صعوبة أكبر كثيرا في تبرير استمرارها في التجارة مع المعتدي. علاوة على ذلك، كانت التكاليف المباشرة المترتبة على احتلال أوكرانيا لتصبح هائلة. في سبتمبر، أمر بوتن بتعبئة ضخمة للمجندين الروس بعد فشل الغزو الأولي ومن الواضح أنه يحشد عددا كبيرا آخر لهجوم محتمل في الربيع. لكن هذا كان ليحدث بالضرورة، حتى في حالة نجاح العملية الأولية، للسيطرة على البلاد. ومع استمرار الأوكرانيين في شن تمردهم، فإن الحفاظ على معنويات الجيش الروسي كان ليزداد صعوبة بمرور الوقت. من منظور بقية أوروبا -وخاصة الدول الأقرب إلى أوكرانيا- كانت الحرب الروسية الناجح ليحمل تهديدا وشيكا بمزيد من العدوان على مولدوفا، أو بولندا، أو دول البلطيق. كانت هذه الدول جميعا لتصبح على أهبة الاستعداد حربيا، وكانت أعداد كبيرة من القوات الأمريكية والأوروبية لتنتشر هناك بشكل دائم لتعزيز دفاعاتها. وكانت القوات الأوكرانية المتبقية لتتقهقر عبر الحدود مع بولندا وغيرها من الدول المجاورة، حيث تظل عاقدة العزم تماما على مواصلة القتال. وكانت أوروبا اليوم لتقف على شفا حرب أكبر كثيرا. كان قرار الحرب الذي اتخذه بوتن جنونيا حقا. كانت حربه العدوانية فشلا استراتيجيا ذريعا، ومن المحتم أن تزداد الأمور سوءا في مواجهته. لكن هذا ليس وقت الرضا عن الذات أو تهنئة النفس. لو نجحت روسيا لكانت كارثة لا يمكن التخفيف من وطأتها من أي منظور يمكن تصوره. وعلى هذا فإن استمرار دعم أوكرانيا في دفاعها عن حريتها يشكل ضرورة أساسية للأمن الأوروبي والحفاظ على مبدأ أساسي في القانون الدولي يصب في مصلحة الناس جميعا.

كارل بيلدت وزير خارجية السويد من 2006 إلى 2014 ورئيس الوزراء من 1991 إلى 1994، عندما تفاوض بشأن انضمام السويد إلى الاتحاد الأوروبي. دبلوماسي دولي مشهور، شغل منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة، والممثل السامي للبوسنة والهرسك، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى البلقان، والرئيس المشارك لمؤتمر دايتون للسلام.

«خدمة بروجيكت سنديكيت»