ماذا سيحدث لأهل غزة؟

08 يناير 2024
ترجمة: أحمد شافعي
08 يناير 2024

يشيع رأي مفاده أن الحكومة الإسرائيلية لا تمتلك استراتيجية لقطاع غزة في ما يتجاوز الإطاحة بحماس.

فقد أوردت هيئة الإذاعة البريطانية في أكتوبر أن «إسرائيل لا تمتلك خطة لغزة بعد أن تنتهي الحرب حسبما ينبه خبراء». وفي نوفمبر أشارت واشنطن بوست إلى أن «رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تعرض للنقد بسبب عدم طرحه خطة واضحة لما سيجري في غزة في حال نجاح إسرائيل في هدفها وهو الإطاحة بحماس». في حين أوجز عنوان لمجلة فورين أفيرز في ديسمبر الأمر: «استراتيجية إسرائيل المشوشة في غزة».

ولكن هناك دلائل على أن بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية لديهم استراتيجية فعلا، أو لديهم على الأقل ما يفضِّلونه، في المرحلة القادمة. وهو ما يبدو ضمنيا من نوعية الحرب التي تخوضها إسرائيل، التي أحالت غزة إلى مكان غير صالح للحياة إلى حد كبير. وثمة عدد متزايد من المسؤولين الإسرائيليين يقولون جهارا إنهم لا يريدون إرغام حماس فقط على الخروج من غزة، لكنهم يريدون خروج كثير من أهل غزة أيضا.

بدأت دعوات نقل السكان قبل وقت طويل من تحويل غزة إلى الخرائب التي انتهت إليها اليوم. فبعد ستة أيام من السابع من أكتوبر، اقترحت وزارة المخابرات نقل أهل غزة نقلا دائما إلى منطقة سيناء بمصر. وفي الرابع عشر من نوفمبر قال وزير المالية بتسلئيل سموتريش إنه يدعم «هجرة عرب غزة طوعا إلى بلاد العالم». وبعد خمسة أيام أقرت جيلا وزيرة المخابرات جمليئيل «إعادة التوطين طوعا لفلسطينيي غزة خارج القطاع، لأسباب إنسانية».

وذكرت صحيفة (إسرائيل اليوم) في الثلاثين من نوفمبر أن نتانياهو طلب من وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وهو من أقرب المقربين إليه، وضع خطة لـ«تقليل» سكان غزة «إلى أقل حد» من خلال فتح الأبواب إلى مصر وإلى المسارات البحرية المفضية إلى بلاد أخرى. وتردَّد أن نتانياهو حثَّ الرئيس بايدن ورئيسي بريطانيا وفرنسا على دفع مصر إلى قبول مئات الآلاف من لاجئي غزة.

في بعض الأوقات، هوَّن مسؤولون إسرائيليون من شأن هذه التقارير أو أنكروها. إذ وصف مكتب نتانياهو خطة وزارة المخابرات لنقل سكان غزة بأنها محض «ورقة مفاهيم» وأوضحت سفارة إسرائيل في واشنطن أن وزيرة المخابرات كانت تعرب عن رأيها الشخصي. وثمة وزراء مهمون في الحكومة ـ من قبيل وزير الدفاع يوآف جالانت وبيني جانتس، منافس نتانياهو ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق الذي انضم إلى الحكومة بعد السابع من أكتوبر ـ يعارضون نقل سكان غزة خارج القطاع، بحسب ما جاء في صحيفة «إسرائيل اليوم». إذ ظهر في الأسبوع الماضي أن الوزير جالانت كشف عن مقترح يفصل ما بين الفلسطينيين وحماس أو السلطة الفلسطينية التي تدير الأراضي، في ظل إشراف بلاد أخرى على إعادة الإعمار.

لكن حديث ترحيل الفلسطينيين من غزة تعالى في الأيام الأخيرة. ففي اجتماع لحزب الليكود في الخامس والعشرين من ديسمبر، حث أحد النواب نتانياهو على تشكيل فريق لتيسير الرحيل «الطوعي» للفلسطينيين من غزة. وتردد أن رئيس الوزراء قال إن الحكومة «تعمل» على العثور على بلاد مستعدة لاستقبالهم.

أعقبت ذلك تصريحات مماثلة من وزير الأمن الوطني في إسرائيل، مع تأكيد صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» يوم الأربعاء أن إعادة التوطين الطوعية تصبح تدريجيا «سياسة رسمية أساسية للحكومة».

قد يستبعد البعض حديث نقل السكان هذا باعتباره من قبيل تصريحات الحروب. لكن الأمر قائم على الأرض بالفعل: غزة تتحول إلى مكان غير قابل للسكنى. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة بات 85% من سكان غزة الآن مشردين. وحتى في حال رجوعهم إلى أوطانهم، فليس لدى الكثير منهم ما يرجعون إليه أصلا في ضوء أن 70% من إسكان غزة ـ وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال ـ قد تضرر أو تدمر.

لقد لقي أكثر من اثنين وعشرين ألف غزوي مصرعهم في القتال حتى الآن، وفقا لأرقام وزارة الصحة الغزوية التابعة لحماس، والكثيرون غيرهم في خطر محقق. ووفقا لمدير شؤون وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة، فإن 40% من المقيمين في القطاع معرضون لخطر المجاعة. وفي ضوء انهيار الوضع الصحي والأنظمة الطبية في غزة، قد يموت ما يصل إلى ربع سكان غزة في غضون سنة، وأغلب موت هؤلاء سوف يكون بسبب مرض أو لعدم الحصول على رعاية طبية، وفقا لتقدير حديث للبروفيسورة ديفي سريدهار رئيسة الصحة العامة بجامعة إدنبرة.

في حال انتهاء صراع غزة عما قريب، قد تهدأ حدة الكارثة. لكن نتانياهو أشار في نهاية ديسمبر إلى أن حرب غزة سوف «تدوم لأشهر كثيرة أخرى» وإن كان ذلك بقوات أقل. وقال وزير الدفاع جالانت إنها قد تستمر لسنين. وطالما استمرت الأعمال العدائية في غزة، فلن تسمح إسرائيل لأغلب النازحين من غزة بالرجوع إلى أوطانهم حرصا على السلامة حسبما ذكر أخيرا الصحفي الإسرائيلي نداف إيال، مشيرا إلى أنهم قد لا يرجعون «لعام على الأقل».

وبعبارة أخرى، من المرجح أن تستمر الكارثة الإنسانية. وكلما طال أمد الكارثة، سوف يزداد الضغط الذي تشعر به مصر لا تخفيف منها، وذلك من خلال السماح لسكان غزة بالدخول إلى مصر. ومن المرجح أن يستمر مسؤولون إسرائيليون في تصوير ذلك باعتباره هجرة طوعية، برغم أنهم هم الذين أوجدوا الظروف التي أسهمت فيه.

حتى الآن، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وإدارة بايدن إنهما يعارضان بشدة نقل سكان غزة. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي إن الحكومة الإسرائيلية قالت مرارا لمسؤولين أمريكيين إن إعادة التوطين خارج غزة ليست بسياسة رسمية.

لكن بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية يعتقدون حسبما يتردد أن مصر ـ التي تلتزم للمقرضين بمدفوعات ضخمة تبلغ 28 مليار دولار سنويا ـ ضعيفة أمام الضغوط. وسياسات الولايات المتحدة دائما قابلة للتغير: فحينما سئلت المرشحة الرئاسية الجمهورية نيكي هالي الشهر الماضي عما يجب أن يحدث للفلسطينيين من أهل غزة قالت إنهم «يجب أن يذهبوا إلى البلاد الموالية لحماس».

وهذا كله يجري على خلفية تاريخية مرعبة. إذ يعرف الفلسطينيون في غزة أن المرجح من إسرائيل ـ في حال رحيلهم ـ ألا تسمح برجوعهم. ويعلمون هذا لأن أغلبهم من نسل آباء طردتهم إسرائيل أو هربوا منها عند تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948 الذي يسميه الفلسطينيون «النكبة». وهم يعيشون في غزة لأن إسرائيل لم تسمح لعائلاتهم بالرجوع إلى الأماكن التي صارت آنذاك جزءا من إسرائيل. ولقد نزح مئات آلاف الفلسطينيين الآخرين عند غزو إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967. فإسرائيل لم تسمح لأولئك اللاجئين أيضا بالرجوع.

نادرا ما يعرب القادة الإسرائيليون عن ندم على وقائع النزوح الجماعي تلك. بل إنهم يستحضرونها في بعض الأحيان بوصفها سوابق. ففي خطاب إلى الفلسطينيين عبر فيسبوك بعد اغتيال ثلاثة فلسطينيين في الضفة الغربية في 2017، حذَّر تساحي هنجبي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الحالي قائلا إن «النكبة تبدأ هكذا. هكذا بالضبط. وتذكروا 48 و67».

وأنهى منشوره بقوله «قد أعذر من أنذر». والعالم أيضا تلقى النذير.

بيتر بينارت أستاذ الصحافة والعلوم السياسية في كلية نيومارك للصحافة في جامعة مدينة نيويورك، ومحرر في مجلة (جويش كارنتس)

خدمة نيويورك تايمز