ما الهدف من العملية الإسرائيلية في غزة؟

23 أغسطس 2025
23 أغسطس 2025

ترجمة: أحمد شافعي 

وافق مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي أخيرا على خطط الجيش الإسرائيلي للقيام بعملية كبيرة في مدينة غزة. ويأتي قرار المجلس بعد حشد ستين ألفا من احتياطي الجيش الإسرائيلي على مدى الأسبوع الماضي. وتقوم القوات الإسرائيلية بالفعل بعمليات على أطراف المدينة. ويبدو أنه في حال بدء العملية سيتم إدخال خمس فرق إسرائيلية إلى مناطق في غزة لم تمس حتى الآن بعد قرابة سنتين من الحرب. 

وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مدينة غزة بأنها تحتوي على «آخر معاقل» حماس. وفي بيان صدر قبل اجتماع المجلس الوزاري الأمني المعني وصف نتنياهو الحرب بـ «المرحلة الحاسمة». غير أنه بدا أيضا كمن يلمح إلى أنه لم يتخل عن مسار التسوية التفاوضية للحرب، مشيرا إلى أنه أصدر أوامره بالبدء في جولة مفاوضات من أجل إطلاق سراح بقية الرهائن وإنهاء الحرب «بشروط مواتية لإسرائيل». 

وتواجه عملية مدينة غزة اعتراضا أكيدا من المعارضة في إسرائيل، بجانب ممثلي عائلات الرهائن. حيث يطالب هؤلاء بأن توافق إسرائيل على المقترح الذي تقدم به الوسطاء القطريون والمصريون وينبغي بموجبه أن تقبل إسرائيل وقفا لإطلاق النار لمدة 60 يوما في مقابل الإفراج عن عشرة من الرهائن. 

وأهم من ذلك أن المعارضة تريد إنهاء الحرب في مقابل إطلاق سراح الرهائن حتى لو أن معنى هذا هو أن تنجو حماس بحيث تظل قوة سياسية وعسكرية منظمة في غزة بعد وقف إطلاق النار. وترى المعارضة أيضا أن حماس قد تضررت ضررا شديدا على أي حال، وأن العجز عن إعادة الرهائن إلى الوطن سوف يتسبب في ضرر لا يطاق لنسيج إسرائيل الاجتماعي وللعقد القائم ما بين الدولة والمجتمع. 

وتشير التوترات الداخلية البادية حاليا في إسرائيل إلى أن التناقضات التي ظهرت منذ بداية حرب إسرائيل باتت الآن أشد تضادا. وهذا في ذاته دليل على استراتيجية حماس لإدارة الحرب منذ بدايتها. وسوف نرى إذا ما كانت هذه الاستراتيجية سوف تفضي إلى نجاة الجماعة، ومن ثم انتصارها، في الصراع الجاري حاليا. 

يتمثل هدفا إسرائيل المعلنان في هذه الحرب في استعادة الرهائن الإسرائيليين إلى الوطن وتدمير سلطة حماس الحاكم للقطاع منذ عام 2007. وثمة تناقض أساسي في قلب هذين الهدفين. فليس من الممكن التفاوض مع كيان مع السعي بإصرار في الوقت نفسه إلى دماره التام. ففي نهاية المطاف، يملي المنطق والواقع حتمية تفضيل أحد الهدفين على الآخر. 

لدى المعارضة الإسرائيلية والمنظمات الأساسية الممثلة لأسر الرهائن حل واضح لهذا المأزق، يتمثل على وجه التحديد في إعلاء أولوية الهدف الأول، والتخلي فعليا عن الهدف الثاني. وثمة قسم أصغر، لكنه ليس أقل وضوحا، من الشعب الإسرائيلي المنتمي إلى اليمين المتطرف من الطيف السياسي الإسرائيلي يفضل المسار المضاد، وهو إعلاء أولوية غزو غزة بالكامل، من أجل محو حضور حماس المنظم فيها، على حساب أي اعتبارات أخرى. 

على مدى سنتين تقريبا، تحاول حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الموازنة بين الهدفين، بفرض ضغط عسكري على حماس وفي الوقت نفسه بالتفاوض من أجل تحرير الرهائن. وقد حقق نتنياهو نجاحا غير قليل في هذه المراوغة. إذ عانت حماس من أضرار جسيمة. وأعيد عدد ضخم من الرهائن (في مقابل إطلاق سراح أعداد ضخمة من الفلسطينيين المدانين باغتيال إسرائيليين). 

وهذه المحاولة لتحقيق المستحيل هي أيضا السبب في ما يبدو أحيانا من عدم تماسك في الحملة الإسرائيلية الجارية على الأرض في بعض مناطق القطاع التي تم غزوها ثم التخلي عنها ثم العودة إلى غزوها من جديد. ولم يبذل جهد قط من أجل غزو القطاع بالكامل حتى الآن. بل لقد كانت النية تتمثل في مواصلة الضغط على حماس وتقليص قدراتها، مع التفاوض من أجل عودة الرهائن. وبطبيعة الحال، أفضى الوضع الذي أدت إليه الحملة المطولة وغير الحاسمة إلى ضرر للموقف الدولي لإسرائيل ولتحالفاتها. غير أنه ما من دليل يذكر على أن هذا الضغط المستمر يشغل بال رئيس الوزراء بشكل ملح. 

تتمثل المشكلة في أنه لا يمكن تجاهل التناقض إلى الأبد. فحماس لن تقبل بإطلاق سراح آخر الرهائن ثم ترضى بدمارها التام. ولن توافق أيضا ـ كما ينبغي أن يكون واضحا الآن ـ على التخلي عن السيطرة على غزة، وإطلاق سراح الرهائن المتبقين، ونزع سلاحها، والرحيل، مهما بلغت الضغوط. ولكنها سوف تنهي الحرب وتطلق سراح بقية الرهائن فقط في مقابل ضمان نجاتها. ومعنى هذا أنه سوف يتحتم اتخاذ قرار في لحظة معينة. فإما الرضوخ لحماس وإما تدميرها. 

تسيطر إسرائيل في الوقت الراهن على قرابة 75% من قطاع غزة. وتثمل مدينة غزة وضواحيها جزءا غير صغير من المنطقة الباقية. والمدينة جيدة التحصين، وتحتوي على بنايات عالية وكذلك على أزقة متشعبة. ومن المرجح أن يكون الاستيلاء عليها معقدا ومكلفا. 

وفي حال خروج حماس من الحرب الحالية متضررة ولكنها متماسكة، وهذا هو الوضع القائم، وفي حال انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة في سياق صفقة لإنهاء الحرب، فستكون سابقة تاريخية قد أُرسيت. ومن المستبعد أن يغيب هذا عن انتباه أعداء إسرائيل. 

سوف تسيطر قوة عسكرية عربية للمرة الأولى منذ عام 1948 على القطاع الواقع إلى الغرب من نهر الأردن، ثم إنها سوف تقاوم بنجاح ـ من خلال السبل العسكرية ـ محاولة إسرائيل استرداد هذا القطاع. وسوف يكون مفهوما أن اللجوء إلى أسر مدنيين إسرائيليين هو العامل الحاسم في ضمان تحقيق هذا الإنجاز. 

وسوف يبدو أن استغلال حماس لاهتمام إسرائيل بمواطنيها بمظهر الذكاء الاستراتيجي، وإن يكن من أشد أشكال الذكاء قسوة وشرا. ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى تكرار كثير من الخطوات وتقليدها من لدن المعسكر الإسلامي الكبير الملتزم بتدمير إسرائيل. 

وهذه هي المسألة الجاري حاليا الخلاف عليها. وفي الأيام القادمة، سوف يتبين قرار نتنياهو، أو إيثاره عدم اتخاذ قرار. 

 جوناثان سباير صحفي ومحلل لشؤون الشرق الأوسط ومدير البحوث في منتدى الشرق الأوسط ومؤلف كتاب « The Transforming Fire: The Rise of theIsrael-Islamist Conflict». 

 ذي سبكتيتور