ليس في الضفة الغربية وقف لإطلاق النار
12 نوفمبر 2025
ترجمة: أحمد شافعي
12 نوفمبر 2025
في العاشر من أكتوبر الذي بدأ فيه سريان وقف إطلاق النار في غزة خرجت جماعة من الفلسطينيين في قرية (بيتا) في الضفة الغربية لحصاد الزيتون، فتعرضوا لهجوم جماعة من الإسرائيليين. أفادت الأخبار بإصابة عشرين فلسطينيا منهم شيخان، ونقل رجل إلى المستشفى مصابًا بطلق ناري. وبعد تسعة أيام ظهر مستوطن إسرائيلي مقنع في فيلم صوره صحفي أمريكي، وهو يضرب امرأة فلسطينية عمرها ثلاثة وخمسون عاما في قرية (ترمسعيا). أفقدتها الضربة الوعي، وظهرت في المقطع المصور وهي تخر أرضًا تحت شجرة زيتون. وفي الخامس والعشرين من أكتوبر أظهر مقطع مصور مستوطنًا وجنودًا يهاجمون فلسطينيًا في الخامسة والستين في (نحالين) قرب بيت لحم أمام أسرته. وفي الثامن من نوفمبر تعرضت جماعة من الحاصدين الفلسطينيين في (بيتا) للهجوم مرة أخرى. وتعرض أيضًا للهجوم نفسه نشطاء إسرائيليون انضموا إليهم لحمايتهم، ومنهم مدير مدرسة فنية في السابعة والسبعين من العمر أصيب بكسر في الفك وعظمة الوجنة. وأصيب في الواقعة اثنان أيضا من موظفي وكالة رويترز، ولم يجر القبض على أغلب المهاجمين.
وأفادت الأمم المتحدة أن أكتوبر الجاري ـ وهو ذروة موسم حصاد الزيتون في الضفة الغربية ـ قد شهد أعلى رقم لهجمات المستوطنين في المنطقة منذ أن بدأ توثيق الهجمات في 2006؛ فقد سجل أكثر من مائتين وستين هجمة بمتوسط ثمانية في اليوم.
وهذا تسريع خطير للعنف، لكنه ليس جديدًا أو فريدًا؛ فمنذ هجمات السابع من أكتوبر سنة 2023 تعرض أكثر من ألف فلسطيني في الضفة الغربية للقتل على أيدي قوات إسرائيلية ومستوطنين، وكان واحد من كل خمسة من هؤلاء طفلا.
وفي الفترة نفسها قال أكثر من ثلاثة آلاف فلسطيني: إنهم أخرجوا من بيوتهم وأرضهم؛ بسبب العنف الاستيطاني الإسرائيلي. ويقدّر أن أربعين ألف فلسطيني نزحوا إلى الشمال في الضفة الغربية؛ بسبب عمليات الجيش الإسرائيلي. وفي السنتين الماضيتين أقامت إسرائيل قرابة ألف حاجز ونقطة تفتيش مؤقتة في الضفة الغربية خانقة قدرة الفلسطينيين على التنقل والعمل بحرية.
وهذا كله جزء من أجندة واضحة لدى الحكومة الإسرائيلية لتوسيع وتعميق سيطرتها على الضفة الغربية؛ ذلك أن أعضاء في ائتلاف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحاكم عاقدون العزم بوضوح على ضم الضفة الغربية رسميا من أجل منع قيام دولة فلسطينية. (ونتنياهو نفسه يحتاط في الكلام في هذا الأمر).
نادرًا ما يفكر أغلب الإسرائيليين في أمر الضفة الغربية، وكثير منهم لا يعرفون بأمر العنف والتهجير اليوميين للفلسطينيين، وفي حال وجود تغطية إعلامية محلية للحرب في غزة نادرًا ما يعرض الإعلام الإسرائيلي السائد الواقع القائم على الأرض. وحينما يحدث ذلك فإن الإعلام يقدمه وكأنه استثناء لا باعتباره سياسة واضحة.
والخريطة التي يراها الإسرائيليون في النشرات الجوية كل ليلة أو المعلقة في أغلب الفصول الدراسية هي خريطة ما يعرف بإسرائيل الكبرى؛ أي المنطقة الممتدة من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الأردن، وليس فيها ترسيم لحدود ما قبل 1967 المعروفة بالخط الأخضر الممتد بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية.
وبرغم احتلال الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية منذ عام 1967 نادرًا ما يظهر مصطلح «الاحتلال» في الإعلام الإسرائيلي أو الخطاب العام.
يرى أغلب الإسرائيليين اليهود إسرائيل والمناطق المحتلة ملتحمتين جغرافيا. وقد حدث هذا التحول على مدى الأعوام الخمسة والعشرين الماضية منذ انهيار اتفاقيات أوسلو للسلام والانتفاضة الثانية، وتلاشي معسكر السلام الإسرائيلي، ومعه الأمل القديم في اتفاقيات الأرض مقابل السلام وحل الدولتين.
وليست جهود الدولة لمأسسة السيطرة على الأرض والموارد والناس فيما وراء الخط الأخضر إلا جزء واحد من الطريقة التي ضمت بها إسرائيل هذه الأراضي فعليا.
ولقد تسارعت عملية الضم السري هذه منذ ثلاث سنين حينما حصل بتسلئيل سموتريتش ـ المؤمن بالأيديولوجية الاستيطانية المشيحانية ـ على دور الحاكم الفعلي للضفة الغربية في سياق اتفاق الائتلاف الحزبي مع نتنياهو.
فقد أقام سموتريتش كيانًا حكوميًا جديدًا أطلق عليه إدارة المستوطنات، وتولى السلطة على كل ما يعرف بالشؤون اليومية، ومنها الإسكان والتخطيط والطرق. وبذلك نقل السلطات من مسؤولي الجيش الذين يشرفون ظاهريا منذ عام 1967 على الاحتلال العسكري المؤقت إلى موظفين مدنيين في الحكومة يتبنون رؤية سموتريتش بالسيادة الإسرائيلية الدائمة.
عزز سموتريتش كل مظاهر السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ ففي عهده أجيز بناء قرابة خمسين ألف وحدة سكنية استيطانية منها أكثر من خمس وعشرين ألفا في العام الحالي وحده في زيادة هائلة عن العام الماضي. وسهَّل مصادرة مساحات هائلة من الأرض في الضفة الغربية معلنا إياها جزءا لا يتجزأ من أرض الدولة الإسرائيلية.
وفي ثلاث سنوات صادر سموتريتش من الأراضي مثل ما استولت عليه إسرائيل خلال ثلاثة عقود مضت على اتفاقية أوسلو.
كما شرعن وموّل وحدات استيطانية غير شرعية في نظر القانون الإسرائيلي. ودفع السلطات الإسرائيلية إلى إجازة البناء في جزء من الضفة الغربية يعرف بمنطقة (إي 1) [E1]، وهي منطقة في القدس الشرقية نبهت جميع الإدارات الأمريكية السابقة على إسرائيل بتركها وشأنها؛ لأن من شأن بناء مستوطنات فيها أن يقسم الضفة الغربية، ويجعل اتصال المناطق الفلسطينية أشد صعوبة على التصور.
لكن لعل أشد خطط سموتريتش جموحًا هي تغيير كيفية تسجيل الدولة لملكية الأراضي في المنطقة (ج) بالضفة الغربية التي تشكل 60% من الأرض الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الحصرية منذ أوسلو.
وهذه السياسة تفرض صعوبات جمة الآن على إثبات ملكية الفلسطينيين، وتزيد من سهولة استيلاء الحكومة الإسرائيلية على الأرض في الضفة الغربية. وفور تمام نقل الملكية هذا يستحيل تقريبا إبطال الفلسطينيين له.
ولهذا السبب؛ حينما يقول الرئيس ترامب إن الضم غير مطروح، لا يكون لذلك القول شأن كبير. ففي عام 2020 حينما وقعت إسرائيل الاتفاقيات الإبراهيمية كانت الموافقة على عدم ضم الضفة الغربية رسميًا ورقة مساومة على طاولة التفاوض.
وبوسع إسرائيل أن تعد المجتمع الدولي مرة أخرى بأنها لن تضم الضفة الغربية رسميا، لكنها غيرت بوضوح المنطقة نفسها. فلقد بات نادرا بعد شيوع كبير رؤية الفلسطينيين من الرعاة والمزارعين والأسر المتنزهة في المناطق الرعوية بغور الأردن والمناطق الواقعة بين القدس وأريحا، وبات الأكثر شيوعا هو رؤية جماعات صغيرة من المستوطنين الإسرائيليين المسلحين يرعون قطعان الأغنام.
إن التركيز الدولي المنصب على صيانة وقف إطلاق النار في غزة شديد الأهمية، لكن لا يجب أن تنفصل الضفة الغربية عن هذه الجهود، أو تعد قضية مغلقة بسبب خط الرئيس ترامب الأحمر المفروض نظريا على الضم الرسمي.
ولا شك أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مثلما فعل قريبًا المزيد من حلفاء إسرائيل الغربيين، وإعادة تأكيد ضرورة إيجاد مسار إلى إقامة دولة فلسطينية -بحسب ما تحدد في إعلان نيويورك في سبتمبر- وخطة ترامب للسلام التي وافقت على ذلك نظريا هي جميعا خطوات مهمة، لكنها تفتقر افتقارًا أليما إلى الأثر الحقيقي.
فوجود سياسة أمريكية أو أوروبية أو عربية ترفض الضم الرسمي مع التقاعس عن عمل أي شيء من شأنه إيقاف الضم الفعلي أمر لا تفسره إسرائيل إلا باعتباره دعوة إلى المسارعة فيما تفعل. ولقد جعلت إسرائيل حياة الصفة الغربية لا تطاق لقرابة ثلاثة ملايين من الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، ومثل هذه الظروف كارثية على الفلسطينيين وخطيرة على إسرائيل.
فالفلسطينيون إن آمنوا أنه لا رجاء في الحرية أو تقرير المصير فإن يأسهم وإحباطهم سوف يزيدان، وكذلك سيزيد دافع إسرائيل إلى فرض المزيد والمزيد من إجراءات القمع الأمنية. وقد يمثل هذا ضغطا مؤقتًا على الفلسطينيين للاستمرار في احتمال مصيرهم، أو قد يدفع القادرين منهم إلى الرحيل عن الضفة الغربية.
لكن الأرجح هو أن ذلك في نهاية المطاف سوف يفضي ـ مثلما سبق وحدث في السابع من أكتوبرـ إلى انفجار العنف فيعطي إسرائيل ذريعة؛ لأن تفعل في الضفة الغربية ما فعلت في غزة.
