لنأخذ جميعا نفسا عميقا ونفكر في الصين

06 مايو 2024
06 مايو 2024

ترجمة - أحمد شافعي -

ثمة زوج من التجمعات العصبية في قاعدة المخ يعرف باللوزة الدماغية، وهو الذي يقيِّم الخطر وقد يساعد في تحفيز ما يعرف باستجابة الكر والفر. وقد تسهم الاستجابة الطويلة للضغط النفسي في الإحساس بالقلق، بما قد يتسبب للبعض في تصور الخطر حيثما لا يوجد الخطر والوقوع في أسر أسوأ السيناريوهات المحتملة.

يعاني الجسد الوطني الجمعي لأمريكا من قلق مزمن من الصين. إذ يكاد كل ما تعقبه صفة «الصيني» يثير الخوف في نظامنا السياسي، ويشوش قدرتنا على قياس التهديدات ووضعها في سياقها بشكل صحيح، وهذا ما دفع حكومة الولايات المتحدة والسياسيين الأمريكيين إلى اتباع سياسات ترتكز على القمع والإقصاء، بما يماثل النظام الاستبدادي الذي يسعون إلى مكافحته. فقد تحرك الكونجرس لفرض بيع تيك توك، وهو تطبيق من تطبيقات التواصل الاجتماعي مملوك للصين، وسعت بعض الولايات إلى فرض قيود على الأفراد أو الكيانات الصينية في تملُّك أراضٍ أمريكية، وفرض قيود على الباحثين الصينيين العاملين في الجامعات الأمريكية، ومنعت الحكومة الفيدرالية بعض شركات التكنولوجيا الصينية من المنافسة في أسواقنا. ولكل هذه الإجراءات مبررات تتعلق بالأمن القومي، ولا أعتزم هنا أن أزن كلا منها. لكنها تسفر مجتمعة عن ولايات متحدة أكثر انغلاقا - وأكثر شبها بالصين من أوجه غير هينة.عندما ينتابك قلق دائم، فما من تهديد يعد أصغر مما ينبغي. في يناير، تقدم ريك سكوت، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، بمشروع قانون يحظر واردات الثوم الصيني، مشيرًا إلى أنه قد يمثل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي، مستشهدا بتقارير تفيد بأنه يتم تخصيبه بمياه الصرف الصحي البشرية. وكان علماء في جامعة ماكجيل قد كتبوا في عام 2017 أنه ما من دليل على أن هذا هو الحال. وحتى لو كان الحال كذلك، فمن الشائع استخدام النفايات البشرية، المعروفة باسم «المواد الصلبة الحيوية»، كسماد في العديد من البلاد ومنها الولايات المتحدة.

وأخيرا تقدم السيناتور توم كوتون والنائبة إليز ستيفانيك بتشريع من شأنه أن يمنع وزارة الدفاع من التعاقد مع شركة تيوتر [Tutor.com] التعليمية ومقرها الولايات المتحدة، على أساس أنها تشكل تهديدًا للأمن القومي لأن مجموعة شركات بريمافيرا كابيتال -وهي شركة استثمارية مقرها هونج كونج- قد اشترتها. وحجتها في ذلك هي أن هذا قد يمنح الحكومة الصينية إمكانية خفية للوصول إلى جلسات تعليمية ومعلومات شخصية لأفراد عسكريين أمريكيين يستعينون بخدمات الشركة.

لا يذكر التشريع أن بيانات الطلاب الخاصة بالشركة موجودة في الولايات المتحدة، وأنها تقدمت طوعًا للجنة الفيدرالية للاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة بطلب إجراء مراجعة أمنية وأنها أنشأت مستويات إضافية من حماية أمن البيانات بالتنسيق مع الحكومة الأمريكية. كما أن مشروع القانون لا يحدد كيفية وصول الحكومة الصينية إلى بيانات موقع الشركة أو الاستخدام الفعلي لها للحصول على معلومات حول الدورات التعليمية للأفراد العسكريين الأمريكيين.

وفي الصيف الماضي، اعترض العديد من المشرّعين الجمهوريين على فيلم «باربي» لأن خريطة للعالم ظهرت لفترة وجيزة في خلفية أحد مشاهده وقد تضمنت خطا متقطعا. فاعتبروا ذلك إشارة إلى «خط النقاط التسع» الذي وضعته الصين وتستخدمه بكين لدعم مطالباتها الإقليمية المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. يرى النائب جيم بانكس أن هذا «يعرض أمننا القومي للخطر». برغم أن خريطة الفيلم خيالية بوضوح، وتحتوي على خط من ثماني نقاط ولا يشبه بحال خط الصين. بل إن الحكومة الفلبينية، التي ظلت لسنوات متورطة في نزاعات إقليمية مع الصين في بحر الصين الجنوبي، رفضت هذا الجدل ووافقت على عرض الفيلم محليا.بالطبع ينبغي أن تواجه الولايات المتحدة نشاط الرئيس الصيني شي جين بينج في ما يقوم به داخليًا الداخلي وعدوانه الخارجي. وبوصفي باحثا في النظام السياسي الصيني، ينتابني القلق من نجاح الرئيس شي جين بينج في جعل بلاده أكثر استبدادا، ومن تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في الصين، وخاصة الموجه منها للسكان الأويجور في شينجيانج، ومن حملة القمع التي تشنها بكين على هونج كونج، ومن تهديداتها لتايوان، ومن الدفء المتزايد لعلاقتها بروسيا ودعمها للحرب في أوكرانيا. ويجب أن تبقى أمريكا متيقظة للمخاوف المشروعة من الأنشطة الصينية الموثقة من قبيل التجسس والهجمات السيبرانية.

ولكن هل ينبغي حقًا أن يركز صناع القرار السياسي لدينا على موقع تيوتر، أو الثوم الصيني، أو فيلم «باربي»؟ أم ينبغي لهم التركيز على التهديدات الأكثر خطورة من الاستبداد والتي تؤثر بشكل ملموس على الحياة اليومية للأمريكيين؟

لعل التأثير الأدعى للقلق هو أن القلق الصيني يتسلل ببطء إلى تمييز ضد الأمريكيين الصينيين، أي «الخطر الأصفر» الجديد. لقد رأينا بالفعل كيف أن المبادرة التي بدأت خلال إدارة ترامب لاستهداف التجسس الصيني قد أدت إلى تدقيق غير عادل للباحثين الصينيين وحتى موظفي الحكومة من الأمريكيين الآسيويين، مما أدى إلى إنهاء البرنامج في عام 2022. ورأينا كيف أثارت كراهية الأجانب أثناء الوباء تهديدات وهجمات ضد الأمريكيين الآسيويين. وهناك تقارير عديدة عن قيام مسؤولي إنفاذ القانون باستجواب طلاب وباحثين صينيين ممن يسافرون من وإلى الصين على أساس أنهم قد يكونون عملاء للدولة الصينية. ومرة أخرى، هذه المعاملة -أي قيام الشرطة أو مسؤولين حكوميين باستجوابات- هي أمر يتعرض له الباحثون الأجانب في الصين ويعرف على سبيل التخفيف باسم «الدعوة لتناول الشاي».في العام الماضي، اقترح المشرّعون في ولاية تكساس مشروع قانون سعى في البداية إلى منع المواطنين والكيانات الصينية (وكذلك الإيرانيين والكوريين الشماليين والروس) من شراء الأراضي أو المنازل أو غيرها من العقارات، مرجعين ذلك إلى مخاوف تتعلق بأمن الإمدادات الغذائية. ودعكم من أن المواطنين الصينيين ليسوا الحكومة الصينية، فإن المساحة الفعلية المملوكة لكيانات صينية من الأراضي الزراعية الأمريكية لا تكاد تذكر - فهي لا تتجاوز بحال 1% من الأراضي الزراعية في أي ولاية أمريكية حتى عام 2021، وقد فشل مشروع القانون في نهاية المطاف، ولكن بعد مقاومة كبيرة من مجتمع الأمريكيين الصينيين.

ولعل هذا الذعر الصيني، الذي أثارته أيضا وسائل الإعلام الأمريكية الليبرالية والمحافظة، يؤثر أيضا على كيفية رؤية الناس العاديين لإخوانهم الأمريكيين من ذوي الأصول الصينية. فقد قمت أخيرًا أنا ومايكل سيرني، وهو زميل باحث في شؤون الصين، باستطلاع رأي أكثر من 2500 أمريكي حول مسألة ما إذا كان ينبغي السماح للأمريكيين الصينيين المولودين في الولايات المتحدة بالخدمة في الاستخبارات الأمريكية. فقال ما يقرب من 27%: إن وصول الأمريكيين الصينيين إلى المعلومات السرية يجب أن يكون محدودا بالمقارنة مع المواطنين الأمريكيين الآخرين، وقال 14%: إنه لا يجب السماح لهم بالوصول إلى المعلومات على الإطلاق. وهذه عنصرية سافرة، وبرغم أن هذا ليس رأي الأغلبية، فمن المثير للقلق أن الكثير من الأمريكيين يطمسون الخط الفاصل بين الحكومة الصينية والأشخاص من ذوي العرق الصيني، مما يماثل لغة الساسة لدينا.

الصين منافس جيوسياسي هائل. ولكننا لسنا في عالم يملك أن يشكّل فيه الثوم أو «باربي» أو موقع تعليمي تهديدات حقيقية للأمن القومي الأمريكي. ووصف هذه الأشياء بالتهديدات يكشف عن افتقار خطابنا السياسي إلى الجدية.

لو أن الولايات المتحدة راغبة في التنافس السليم مع الصين، فسوف تحتاج إلى وضع سياسات صحية ومتوازنة تحمي الأمن القومي الأمريكي دون المساس بالقيم الأمريكية الأساسية.

وإذن، لنأخذ نفسا عميقا.

روري تروكس أستاذ مشارك في السياسة والشؤون الدولية في جامعة برينستون، متخصص في تدريس السياسة الصينية والحكم الاستبدادي.

خدمة نيويورك تايمز