لماذا ينشغل هنري كيسنجر الآن بالذكاء الاصطناعي؟

27 نوفمبر 2022
27 نوفمبر 2022

ترجمة: أحمد شافعي -

قضى هنري كيسنجر أغلب حياته المهنية وهو يفكر في أخطار الأسلحة النووية. لكن ها هو وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، وقد بلغ من العمر تسعة وتسعين عاما، يقول إنه بات "مشغولا للغاية" بأمر حديث كل الحداثة، هو كيفية الحد من القدرات التخريبية المحتملة للذكاء الاصطناعي الذي قد تكون قواه أشد قدرة بكثير على التخريب حتى من أضخم القنابل.

وصف كينسجر الذكاء الاصطناعي بأنه يمثل الجبهة الجديدة للحد من التسلح. وقد جاء ذلك خلال منتدى أقيم في الكاتدرائية الوطنية بواشنطن في السادس عشر من نوفمبر الجاري. فقد قال هنري كيسنجر إنه إذا لم تعثر القوى الرائدة على طرق للحد من بحوث الذكاء الاصطناعي "فإنه ببساطة سباق جنوني إلى كارثة ما".

يمثل تحذير هنري كيسنجر هذا، وكيسنجر من أبرز رجال الدولة والمفكرين الاستراتيجيين في العالم، بمثابة علامة على انشغال عالمي متزايد بقوة "الآلات المفكرة" إذ تتفاعل مع التجارة والتمويل والحروب في العالم. تحدث هنري كيسنجر من خلال الفيديو في منتدى أقيم في الكاتدرائية بعنوان "الإنسان، والآلة، والرب"، وقد كان هذا هو موضوع برنامج (نانسي وبول إجناتوس) السنوي الذي سمِّي باسمي أبويّ تكريما لهما.

ترددت أصداء مخاوف هنري كيسنجر من الذكاء الاصطناعي لدى اثنين آخرين من المشاركين في المنتدى، هما إريك شميت الرئيس التنفيذي السابق لجوجول ورئيس لجنة الأمن الوطني للذكاء الاصطناعي المعينة من الكونجرس التي أصدرت تقريرها العام الماضي، وآن نويبرجر، نائبة مستشار الأمن الوطني في إدارة بايدن لشؤون التكنولوجيا السيبرانية والتكنولوجيا الناشئة.

وقد حذر وزير الخارجية الأسبق من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تغير الحرب مثلما غيرت الشطرنج وغيره من ألعاب الاستراتيجية، وذلك لأنها قادرة على القيام بحركات لا يمكن لبشري أن يفكر فيها، لكن حركات ذات عواقب وخيمة للغاية. وقال هنري كيسنجر "إن ما أتكلم عنه هو أن هذه الأنظمة، في استكشافها للأسئلة المشروعة التي نطرحها عليها، تأتي بنتائج لا تكون بالضرورة مماثلة لنتائجنا، وسيكون لزاما علينا أن نعيش في عالمها".

وواصل قائلا "إننا محاطون بآلات كثيرة قد لا نعرف شيئا عن تفكيرها الحقيقي؟ فكيف تضعون قيودا للآلات؟ حتى في يومنا هذا لدينا طائرات مقاتلة قادرة على خوض... معارك جوية دون أي تدخل بشري. وما هذه إلا البدايات في هذه العملية. والتطور الذي ينتظرنا على بعد خمسين سنة هو الذي سيكون محيرا للعقول".

دعا هنري كيسنجر القادة في الولايات المتحدة والصين، وهما عملاقا التكنولوجيا في العالم، إلى الشروع في إجراء حوار عاجل حول كيفية تطبيق حدود ومعايير أخلاقية على الذكاء الاصطناعي".

قال إن مثل هذا الحوار قد يبدأ بقول الرئيس جو بايدن للرئيس شي جينبنج "إن لدى كلينا مشكلات تجب مناقشتها، لكن ثمة مشكلة واحدة هي المهيمنة على بقية المشكلات، وهذه المشكلة على وجه التحديد هي أنني أنا وأنت في لحظة من التاريخ يمكننا فيها أن ندمر العالم بقرارينا بشأن هذه الحرب التي يقودها الذكاء الاصطناعي، ومن المستحيل أن يحقق أي منا ميزة فردية في هذا الأمر. لذلك يجب أن نبدأ بالمبدأ رقم واحد وهو ألا نخوض حربا تكنولوجية متقدمة ضد بعضنا بعضا".

اقترح كينسجر أن يبدأ زعيما الولايات المتحدة والصين حوارا أمنيا تكنولوجيا باتفاق على "خلق مؤسستين صغيرتين في بداية الأمر تكون وظيفتهما هي إطلاع الزعيمين على الأخطار، وقد تتصل إحداهما بالأخرى في ما يتعلق بكيفية تخفيف" المخاطر. ولكن الصين طالما قاومت مفاوضات الحد من التسلح النووي، من مثل المفاوضات التي أجراها هنري كيسنجر مع الاتحاد السوفييتي خلال السنوات التي عمل فيها مستشارا للأمن الوطني ووزيرا للخارجية.

يقول مسؤولون أمريكيون إن الصينيين لن يناقشوا الحد من الأسلحة النووية إلى أن يحققوا التكافؤ مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا اللتين تخضع أسلحتهما لقيود، نتيجةً لسلسلة من الاتفاقيات التي بدأت بمعاهدة سولت سنة 1972 التي تفاوض هنري كيسنجر وصولا إليها.

لقد أصبحت قوة الذكاء الاصطناعي القادرة على تغيير العالم شاغلا أساسيا لهنري كيسنجر في أواخر التسعينيات من عمره، وكان شميت مرشده في هذا. وقد تشارك الاثنان في تأليف كتاب صدر في العالم الماضي بمشاركة أيضا من دانيال هاتنلوتشر الأستاذ بمعهد مساتشوستس للتكنولوجيا، وقد صدر الكتاب بعنوان "عصر الذكاء الاصطناعي ومستقبلنا البشري"، ووصف الكتاب الفرص التي تتيحها هذه التكنولوجيا الجديدة والمخاطر التي قد تنجم عنها.

وكان أول تعليق علني لهنري كيسنجر بشأن الذكاء الاصطناعي قد صدر عنه في مقالة نشرت سنة 2018 في مجلة ذي أطلنطيك بعنوان "كيف ينتهي عصر التنوير". وأوجز عنوان المقالة الجانبي رسالتها المرعبة: "من الناحية الفلسفية، ومن الناحية الفكرية، ومن كل ناحية ممكنة، ليس المجتمع البشري مهيأ لصعود الذكاء الاصطناعي".

قال هنري كيسنجر للحضور في الكاتدرائية الوطنية بواشنطن إن الأسلحة النووية بكل ما لها من قدرات تدميرية "ليست لديها هذه القدرة [أي قدرة الذكاء الاصطناعي] بحيث تعمل من تلقاء نفسها على أساس تقديراتها، وبناء على تصوراتها، لوجود خطر أو لتحديد هدف".

ولما سئل عما إذا كان متفائلا بشأن قدرة البشر على الحد من قدرات الذكاء الاصطناعي التدميرية عند تطبيقه على الحروب، قال هنري كيسنجر "إنني أحتفظ بتفاؤلي في حدود أننا إذا لم نحل المشكلة، فإنها حرفيا سوف تدمرنا...وليس أمامنا خيار آخر".

• ديفيد إجناتوس من كتاب الرأي في واشنطن بوست