لماذا يسمى نضال الشعوب لاسترداد حقوقها بـ«الإرهاب» ؟!

20 مارس 2024
20 مارس 2024

لا تزال وسائل الإعلام في الغرب على وجه الأخص، تردد مقولة الإرهاب والتطرف على نضال الشعوب المقهورة، نتيجة الاحتلال الأجنبي، عندما تسعى لاسترداد حقوقها المشروعة، وهي من الحقوق التي تكفلها النظم القانونية والإنسانية، والحقوق الطبيعية، وهي الفطرة النفسية والأخلاقية التي جُبل الإنسان على رفضها، للعيش في الحرية والاستقلال، بعيدًا عن القهر والظلم وانتهاك السيادة الوطنية الذاتية، من شعوب معتدية، على شعوب أخرى بطريقة الفرض والإرغام بالقوة المسلحة. مع أن هذا الحق تستوجبه كل الشعوب دون تمييز على ضروراته، إلا إذا فقدت الشعوب ذاتها وحريتها وقبلت أن تبقى ذليلة تحت الاحتلال الغاشم، والشعب العربي الفلسطيني كغيره من الشعوب في هذا الكون، تكالبت عليه الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، ورتبت من خلال الغزاة من العصابات الصهيونية، في أن يتم احتلال هذه الأرض والسيطرة عليها ظلمًا، وهي العمق السياسي والديني للشعوب العربية والإسلامية في ظل الاحتلال الغربي للمنطقة في ذلك الوقت. ونجح المخطط الاستعماري في تلك الفترة التي كانت فلسطين فيها تحت الانتداب البريطاني، وفي فترة من أصعب الفرات في الوطن العربي والإسلامي إذ تعيش الشعوب والنخب السياسية آنذاك في تراجعات تنموية وتعليمية واقتصادية، وفي ظل الحراب العسكرية للمحتل، لتحقق هدف الصهاينة احتلال الجزء الأكبر من أرض فلسطين عام 1948، واستكمل هذا الاحتلال بعد حرب عام1967على بقية كل فلسطين وأجزاء من أراضٍ عربية، لا تزال محتلة حتى الآن!.

ومنذ عقود مضت والإعلام الغربي، لا يزال يطلق على نضال الشعب الفلسطيني أنه أفعال وممارسات إرهابية ومعتدية، وإن ما تفعله إسرائيل وعصابات المستوطنين بقوة السلاح، دفاع عن النفس والحق في الوجود! وكأن الاحتلال أصبح حقًا للغازي المحتل! والأغرب أن قرارات الأمم المتحدة، أكدت منذ حرب عام 1948، وبعد حرب عام 1967، أن هذه الأراضي التي احتلت أراضٍ عربية فلسطينية، سواء القدس الشرقية، أو الضفة الغربية وقطاع غزة، وحتى أراضي 1948، تعتبر أرضا عربية احتلت بالقوة. ومع أن هذه المعلومات لا تخفى على الإعلام الغربي المكتوب والمقروء والمسموع، لكن هذه السياسة الإعلامية مستمسكة بالفكرة «الميكافيلية»، وهي إن (الغاية تبرر الوسيلة)، وبأي طريقة ووسيلة أُخذت وطبّقت، ولو كانت بالتحريف والتزوير وتجاهل الحقائق الناصعة، لكنها رؤية قائمة وتستخدم وفق الغايات والوسائل المرسومة، دون النظر للحق والعدل وإنصاف المظلوم، قد يقول البعض إن الإعلام الغربي يسيطر عليه اللوبي الصهيوني في الغرب، بقوة المال على هذه الوسائل، لكن أين الضمائر الحية التي ترى بالعين المجردة، إن المظالم واضحة وبيّنة في قضية فلسطين، لكن كل الطرق القانونية، يتم إزاحتها من التطبيق الواقعي في هذه الوسائل، ولذلك لا مبرر لهذا الإعلام الذي يصم الآذان عن حقوق الإنسان المضطهد المقهورة في العالم الثالث، في الوقت العالم الأول يفعل ذلك ويتغاضى عن الحقوق الإنسانية في الشعوب الأخرى.

بعد السابع من أكتوبر العام المنصرم، حرّك الإعلام في العديد من المؤسسات سلاح التهم المعروفة، والمعايير الثابتة، وهو أن ما جرى هو الإرهاب العربي المعتاد، الذي لا يتطرق إليه الشك، وأن الحرب الإسرائيلية على هذا الإرهاب، حق في الدفاع عن نفسها، ويتم تجاهل أن الشعب الفلسطيني يقاتل لاسترداد حقوقه الثابتة، لكن المقاييس القائمة لديهم لا تتزعزع، وظهر حتى أن بعض الفلاسفة والمفكرين، رددوا نفس المقولات التي رتبها اللوبي المسيطر على الإعلام، لكن التغير الذي حدث والذي نتج عنه الإبادة جماعية، وقتل وتجويع وتهجير للمواطنين الآمنين، هو: أن السحر ـ كما تقول الأمثال ـ انقلب على الساحر، وانكشف ما يدعيه الإعلام الأيديولوجي المبرمج، حيث أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي، والتقنيات الحديثة الأخرى، في إظهار ما أخفته وسائل الإعلام الغربية المهيمن عليها اللوبي الصهيوني، فأبرزت هذه الوسائل الانتهاكات والإبادة الجماعية وتدمير المباني على رؤوس الساكنين الأبرياء، وهو ما حرك الشعوب الغربية البعيدة عن الإعلام المضلل، خاصة الأجيال الجديدة التي ابتعدت عن الأثر الذي أسسه الاستشراق الذي مهد للاستعمار، مما جعل الملايين تخرج للشوارع تطالب برفع الظلم عن الشعب الفلسطيني، وتوقيف المجازر اليومية والإبادة الجماعية.

ولا شك أن الإعلام الغربي الموجه، ابتعد عن الرؤى الصادقة التي يفترض أن تظهر في الغرب بفضل حريات التعبير والتعددية السياسية، لكن ثمة بصيصا من الأمل بدأ في تغيير ما كان مطبقا في العقود الماضية، وهو ما ظهر جليًا بعد السابع من أكتوبر، وما جرى من ممارسات إسرائيلية، جعل الكثير من الغربيين يراجعون ما كانوا يسمعونه من الإعلام الموجه، فتم الاتجاه إلى وسائل التواصل والتقنيات الأخرى. ومهما يحاول بعض السياسيين الغربيين، طرح قضايا قلب الحقائق الواضحة، فمسألة النضال والمقاومة حق ثابت لا مساومة عليه؛ لأن غياب القرارات الدولية التي تنصف الحق العادل، من خلال استخدام حق النقض(الفيتو)، كان لا بد من وسيلة مقاتلة المحتل، بكل الوسائل المشروعة المتاحة وإن كانت محدودة، وقد أشرت إلى ذلك في كتابي «مساجلات نقدية»، إلى أهمية التفريق بين نضال الشعوب لاسترداد حقوقها، وبين الإرهاب المرفوض الذي لا يهدف إلا إلى العنف والحقد وإشعال الفتن، كما يفعل المستوطنون المتطرفون في فلسطين.

فإسرائيل منذ احتلالها لأراضي فلسطين في 1948 م، مارست ضد أهل الأرض الأصليين شتى أصناف القمع والإرهاب، التي لا يختلف عليه اثنان على أنها كذلك، فقامت بطرد الفلسطينيين من منازلهم ودمرتها على رؤوسهم وطاردتهم ونفذت فيهم عمليات القتل والاغتيال داخل وخارج وطنهم، وصادرت الأراضي وسممت المياه، ومارست قواتها كل أعمال القمع والعنف ضد المواطنين العزل، من تكسير للأذرع، وتهشيم للأضلع على مرأى ومسمع من عيون وآذان العالم، ولم يتوقف الإرهاب الإسرائيلي عند هذا الحد، بل تعداه إلى الأضرار بالمقدسات والشروع في حرقها وتدميرها وطمس معالمها، كما حصل للأقصى الشريف أكثر من مرة، ناهيك عن أعمال القتل والتدمير التي طالت أراضي عربية أخرى في لبنان والجولان السورية المحتلة، تلك الأعمال الإرهابية مورست بأمر وتوجيه من أعلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحجة الأمن الإسرائيلي.. أليست هذه الأفعال الفظيعة تمثل قمة ثقافة العنف والإرهاب؟ وليس أقوى داعم للإرهاب وثقافة العنف مثل تجاهل أسبابه الكامنة والموضوعية لقيامه وانتشاره في المجتمعات الحديثة، خاصة في عصر الثورة المعلوماتية والتقنيات الحديثة في جانبها السلبي، فإن التطرف والإرهاب سوف يعشش ويقتات من هذه السلبيات التي تزداد بازدياد أنظمته العالمية الجائرة والمجحفة المقاييس المزدوجة، وفي تعاملها الاقتصادي وفق النظرية الدارونية البقاء للأقوى «بدل البقاء للأصلح!.

ولعل أصدق تعبير في هذا التوصيف في توصيف «الإرهاب» ما قاله السياسي اللبناني د. سليم الحص رئيس وزراء لبنان الأسبق في معرض حديثه قبل سنوات عن مسألة الخلط والتحريف في تعريف الإرهاب مع غيره من الممارسات الإرهابية فقال: «إذا كانت مصادر القرار في الغرب تصر على اعتبار نضال المقاومين الأبرار إرهابًا أو تصر على جعل كل أعمال العنف في سلة واحدة فلا تعترف بالفارق بين إجرام المجرمين ونضال الشرفاء فعلينا بتذكير الدول الغربية بتاريخها، وقد حفل في لحظات مفصلية بحروب تحررية، وكيف يفسرون حقيقة لا مراء فيها وهي أن الشعب الفلسطيني لم يكن متهمًا بالإرهاب قبل خمسة وعشرين عامًا ولا كان الشعب اللبناني متهمًا بالعنف قبل ستة عشر عامًا، ليسألوا أنفسهم عما حصل ليجعل من هذين هدفًا لمثل هذه الاتهامات. عند ذلك سيكشفون أسباب الظاهرة التي يشكون منها وعند ذلك يستطيعون وصف الدواء الناجع الذي يضمن الحول دون انتشار الطاعون لا بل والقضاء عليه في منشئه». والسؤال الذي يحتاج إلى أجوبة صريحة من العالم كله: لماذا لا يكون هناك تعريف واضح وحاسم حول مفهوم الإرهاب، بدلا من الغلط المتعمد بين نضال المناضلين وإرهاب غير المناضلين ؟. من منهجية التعاطي المزدوج في مسألة الإرهاب تمثّل سابقة خطيرة على السلام الأمن والعدل، وإذا ما سكت العالم على الإرهاب بمعاييره ومقاييسه القائمة، فإن هذه المشكلة ستبقى قائمة ما دامت هذه المعايير والمقاييس المزدوجة إلى حد الظلم والقهر وعدم رد الحقوق الإنسانية إلى أصحابها.

عبدالله العليان كاتب وباحث في القضايا السياسية والفكرية ومؤلف كتاب «حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين»