لماذا يسكت الغرب على ممارسات اليمين الصهيوني؟

28 مارس 2024
28 مارس 2024

الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي مضى عليها أكثر من 6 أشهر حتى الآن، بحجة القضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية عموما، بعد عملية السابع من أكتوبر العام المنصرم، والتي زلزلت الكيان الإسرائيلي، بدأت على إثرها الجماعات الدينية اليمينية الصهيونية، من خلال المستوطنين بدعم من التيار الديني الحاكم بقيادة نتانياهو رئيس الوزراء وعدد من قيادات هذه الحكومة المتطرفة، بالهجمات على المواطنين الفلسطينيين، واستخدام الأسلحة النارية بعد تمكينهم من حمل السلاح في الأماكن العامة، خاصة بعد إقامة المستوطنات في المدن الفلسطينية المحتلة، خاصة في القدس الشرقية والضفة الغربية. وشملت الهجمات أيضًا الضرب والقتل، وأحيانًا حتى في داخل منازل الفلسطينيين، ومنها محاولة منع المصلين من دخول المسجد الأقصى، ومنع بعضهم من الدخول للصلاة وأعمال أخرى استفزازية من أجل الإمعان في السيطرة، بحجة أن الأرض هي أرض إسرائيلية، وهذه الممارسات أتاحت لها الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية التي سيطر عليها اليمين الصهيوني، وهي ضمن أهدافها طرد الشعب الفلسطيني من أرضه، إلى جانب الكثير من الأفعال والأعمال القمعية التي تمارس يوميا ضد المواطنين الفلسطينيين.

الغريب في هذا الأمر الذي أصبح عملا ممارسا وممنهجا من قبل الحكومة الدينية الصهيونية، أن الغرب الذي يعد شديد الحساسية من الحركات السياسية المتطرفة دينيا، وتعتبر هذه الجماعات خطرًا وجوديًا على الاستقرار والسلام العالمي، إلا في إسرائيل فإن هذه الجماعات اليمينية الدينية في إسرائيل، والتي لا تقل خطرًا من الجماعات الدينية الأخرى من حيث الأفعال والممارسات، لكنها لا تقل أفعالها وممارساتها عن بقية الجماعات التي توصف بالإرهاب والتطرف، وتُحارَب في كل العالم وتتم متابعتها والنظر إليها نظرة سلبية وقاتمة وتمم محاربتها في كل مكان توجد فيه، مثل جماعة داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة، التي تقوم بأعمال إرهابية مرفوضة ومدانة، لكن هذه الحكومة اليمينية المتطرفة، التي تدير الحكومة في إسرائيل، تتيح لهم هذه الأعمال والممارسات في كل يوم ضد المواطنين الفلسطينيين دون توقف.

هذه الممارسات ليست في غزة وحدها، بل وفي المدن الفلسطينية الأخرى، كمدينة القدس والضفة الغربية، ويتم حمايتهم بالقوة العسكرية من الجيش والشرطة الإسرائيليَّين، لذلك فإن هذه المعايير في مواجهة التطرف الديني الصهيوني، تجعل هذه الأفعال متاحة وتتم حمايتها وتسليحها، وهذه ظاهرة خطيرة، في دولة يعتبرها الغرب الدولة الوحيدة الديمقراطية في الشرق الأوسط مع دول قريبة منها غير ديمقراطية بحسب توصيفهم، وهذا الأمر محيّر ولافت أخلاقيا، فلا يمكن أن تُترك هذه الأفعال دون أن تواجَه بالمعايير نفسها التي تواجَه بها الجماعات المتطرفة الأخرى، حتى تكون هناك مواجهة مقبولة لكل أعمال التطرف والإرهاب، ولا يجوز أن تكون مثل هذه الأفعال جائزة ومقبولة، وصاحب الحق المطرود من أرضه وحقوقه المهدورة هو الذي يتم وصفه بالمتطرف والإرهابي، والافتراض أن تتم محاربة ومواجهة الإرهاب، من أي دين وملة، فلا يستقيم الظل والعود أعوج! لا يجب أن تكون هناك دعوات لمواجهة التطرف والإرهاب في أماكن بعينها، وتُترك في أماكن أخرى وغض الطرف عنها، واعتبارها تمارس حقوقًا سياديةً أو دفاعًا عن النفس، مع أن الأرض محتلة بحسب قوانين الأمم المتحدة.

والحركة الصهيونية منذ وعد بلفور، وضعت هذه الأفكار في اليهود الذين جاءوا من دول عديدة، بدعم من دول غربية، والهدف هو وضع اليد على هذه الأرض العربية الفلسطينية، بحسب الشعار الذي تم رفعه من قبل المؤسس للحركة الصهيونية «هرتزل»: (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، مع أن هذه الأرض فلسطينية احتُلت بعد حرب 1948، وكان عدد سكانها يتجاوز المليون بحسب بعض التقديرات.

ومن هنا فإن الفكر الصهيوني في خطابه السياسي والعملي بحسب الكاتب في الشؤون الإسرائيلية الأستاذ محمود حيدر: «يؤول إلى التأكيد على الوصل العضوي بين مهمة الحركة الصهيونية، وبين دولة إسرائيل مهما حصل من تحولات راديكالية في أنظمة القيم في العالم. لذلك فإن الحدود الفاصلة بينهما ضرورية لإعطاء الفعالية لوظيفة واختصاص كل من الدولة والحركة في أداء مهماتهما التاريخية على مختلف الصُعد ، حيث إن المهمة الملقاة على عاتق الصهيونية هي -كما يقول يعقوب حسدائي- «السعي من أجل الوصول إلى الشعب، لا سيما الشباب عن طريق القيادة الروحية من أجل تعميق التضامن اليهودي وإضفاء تعبير عملي إنجازي على هذا التضامن بوساطة هجرة غايتها المساهمة في استكمال إنجاز المشروع الصهيوني بأكبر قدر ممكن من العمل المنظم».

وإذا بحثنا عن الأفكار الأساسية للصهيونية العنصرية في هذه المقولات المتطرفة، نجد أن ممارساتها العنصرية واضحة وغير خفية عن العالم أجمع، وهذا ما جعل إخلاء المدن الفلسطينية من الإنسان الفلسطيني خطة دائمة، وكأنها تنظف هذه الأماكن -لا تختلف عن الأمكنة الوعرة- من الهوام والحشرات السامة.

وعلى هذا فإن الصراع لا يدور بين خصمين أو قوتين تنتميان إلى عالم واحد، بل بين عالمين وبين تاريخين مختلفين، يقول بيغن رئيس الوزراء الأسبق: ينبغي أن ندرك أنه لا مكان في هذه البلاد لشعبين، إن الحل الوحيد هو فلسطين بلا عرب، وليس هناك سبيل غير طرد العرب إلى البلدان المجاورة، طردهم جميعا بلا استثناء، وينبغي ألا تبقى هنا أية قرية ولا أية عشيرة. تعكس المفاهيم الصهيونية ذاتها حتى على مستوى الكلمات والمفاهيم، فبعد أن يقول بيغن بـ«شعبين» لا يلبث أن يستدرك فيقول بـ«القرية» و«العشيرة» و«هما ينتميان إلى تاريخ اجتماعي ساذج ومتخلف». أضف إلى ذلك أنه يستعمل كلمة طرد التي تتضمن معنيين: عدم إمكانية العيش مع فرد أو قرية فلسطينية من ناحية، ومعاقبة المطرود من ناحية ثانية، فهو غير مرغوب فيه وجدير بالعقاب والاضطهاد، وهذه هي أهدافهم وسماتهم العنصرية والاستيطانية التي تريد أن تستولي على الحقوق كاملة، وفق مخططات الصهيونية منذ نشأتها.

وهذه الرؤية التي سارت عليها الصهيونية، لا تبتعد عن الفكرة النازية في الطرد والإقصاء والاستبعاد لشعب آخر بسمات وفكر لا يلتقي معها، فهي تدّعي أنها لاقت الحرق والإبادة من النازية، لكنها تمارس هي الأفعال نفسها التي مورست ضدها -كما تقول الصهيونية- لذلك فإن ما قامت به إسرائيل منذ عقود مضت من الإبادة الجماعية والقتل الممنهج، مارسته مؤخرًا بعد حربها على غزة بعد السابع من أكتوبر الماضي، فهذه الأفعال تتكرر منها، وكأنها تؤكد على الفعل النازي، فلا فرق بينهما، ويرى الدكتور عبدالوهاب المسيري في بعض مؤلفاته عن العنصرية الصهيونية، وارتباطها بالرؤية النازية في التوجه الإقصائي، مسألة حقيقية وليست مجرد نهمة بسبب الاختلاف مع الصهيونية سياسيا، فيقول: «البعد المعرفي والحضاري لدراستي عن الصهيونية، وأشرت إلى ضرورة دراسة الظاهرة النازية بالطريقة نفسها بحيث يُنظر إلى كل من الصهيونية والنازية باعتبارهما جزءًا لا يتجزأ من الفكر الغربي والحضارة الغربية من ثم لا يمكن دراستهما بمعزل عن التيارات الفكرية والحضارية الغربية . وأشرت -كما يقول المسيري- في الجزء الثاني من الكتاب في قسم بعنوان (الصهيونية والنازية) إلى أن الدراسات الغربية في الموضوع قلما تتجاوز البُعد السياسي الاعتذاري، فهذه الدراسات أخفقت في أن تبين أن النازية لم تكن انحرافًا عن الحضارة الغربية، وإنما هي تيار أساسي فيها كالصهيونية تمامًا». ولا شك أن الفكر الصهيوني فيما يقوم به من ممارسات، ليست كردة فعل من الفلسطيني، بل إن هذه الأفعال هي ضمن مخططات مسبقة، هدفها إلغاء الوجود العربي الفلسطيني، بكل وسائل القتل والقمع والتهجير، وهي تساند حتى من غير الأحزاب اليمينية، فلا ننسى أن من قام بمخطط الوطن اليهودي في فلسطين ليسوا من المتدينين، بل إن «هرتزل» ومجموعته، من العلمانيين في الدول الغربية، لكنهم رفعوا شعار الدين لاستقطاب الجماعات الدينية الأخرى لأهداف سياسية، لذلك تم تشجيع هذه العصابات الصهيونية المتطرفة للقيام بأعمال وحشية لطرد وتهجير الشعب الفلسطيني بعد الحروب الماضية، من أهم خططهم الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، ولذلك هذه الاعتداءات الأخيرة هدفها التهويد الرسمي، ولا شك إسرائيل تراهن على الضعف العربي القائم والخلافات السياسية والصراعات بينهم، أمعنت لتنفيذ مشروعها القديم والجديد، لتهويد كل الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية؛ بحجة الحق التاريخي لإسرائيل، وهو ما خططت له الحركة الصهيونية منذ القرن التاسع عشر.