لماذا لا يضخ السعوديون المزيد من النفط

19 مارس 2022
19 مارس 2022

دخلت العلاقات بين أميركا والمملكة العربية السعودية حالة من الاتباس في أعقاب القرار الذي اتخذته أمريكا بفرض الحظر على الواردات من النفط الروسي ــ وهذا جزء من مجموعة شاملة من العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا ردا على غزوها أوكرانيا. تأمل الولايات المتحدة أن تعزز المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الإنتاج لكبح جماح أسعار النفط التي ارتفعت إلى عنان السماء. لكن كما أوردت التقارير فإن القادة السعوديين والإماراتيين كانوا يرفضون الرد على مكالمات الرئيس الأميركي جو بايدن.

يبحث بايدن أيضا في مكان آخر. بحسب ما ورد، قام وفد أميركي بزيارة فنزويلا ــ التي قطعت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية معها في عام 2019 ــ لمناقشة إمكانية رفع العقوبات النفطية المفروضة عليها. لكن لا فنزويلا ولا إيران تستطيع التعويض حقا عن خسارة ما يقرب من 2.5 مليون برميل يوميا من الخام الروسي، خاصة وأن حقول النفط وشركات النفط الوطنية المتهالكة في البلدين تحتاج إلى إعادة تنشيط قبل أن يصبح بوسعها زيادة إنتاجها ــ وهي العملية التي قد تستغرق عدة أشهر ــ إن لم يكن سنوات. في الوقت الحالي، تُعَد المملكة العربية السعودية التي تقود اتحاد منتجي النفط "منظمة الدول المصدرة للبترول" (أوبك) والإمارات العربية المتحدة الدولتين الوحيدتين المنتجتين للنفط اللتين تتمتعان بكميات كبيرة من الطاقة الفائضة. وهما فقط اللتان تمتلكان القدرة على تثبيت استقرار السوق، وبالتالي منع الأسعار من الوصول إلى ــ أو حتى تجاوز ــ 150 دولارا للبرميل. وهذا يضع بايدن في مأزق. لم تكن إدارة بايدن على علاقة طيبة قَـط مع القيادات السعودية. عزوف المملكة العربية السعودية عن تلبية طلب أميركا بزيادة إنتاج النفط لا يعكس مجرد موقف ضد بايدن. كانت العلاقات الأميركية السعودية تتخذ مسارا منحدرا قبل فترة طويلة من تولي بايدن الرئاسة. بدأت العلاقة تتدهور بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ثم جاء الغزو الأميركي المُفجِع للعراق في عام 2003، الذي عارضته المملكة، والذي زاد الأمور سوءا على سوء. تسارع التدهور أثناء رئاسة باراك أوباما، وخاصة بسبب سياسة "التحول باتجاه آسيا" التي انتهجتها إدارته، والتي اعتبرها حلفاء أميركا في الشرق الأوسط خذلانا لهم. ومع سعي أميركا فضلا عن ذلك إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران ــ وهو ما توصلت إليه في عام 2015 ــ أصبح السعوديون يعتقدون أن الولايات المتحدة ترفض تحالفهم الاستراتيجي القائم منذ أمد بعيد.

وبينما حافظ خليفة أوباما، دونالد ترمب، على علاقات شخصية طيبة مع الأمير محمد بن سلمان، استمرت العلاقات الثنائية في التدهور تحت قيادته أيضا.

وطوال فترة رئاسة ترمب، كانت المملكة العربية السعودية حريصة على تعميق علاقتها مع روسيا. بدأت هذه العملية في نهاية عام 2016، قبل تنصيب ترمب مباشرة، مع توصل منظمة أوبك وروسيا إلى اتفاق يقضي بخفض إنتاج النفط. وواصلت المملكة العربية السعودية وروسيا التنسيق بشأن حصص الإنتاج من خلال اتفاق أوبك + لمدة ثلاث سنوات. لكن في مارس 2020، مع تسبب جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) في خفض الطلب العالمي على النفط بشدة، طالبت أوبك + بتخفيضات كبيرة في الإنتاج، ورفضت روسيا. وعلى هذا فقد أغرقت المملكة العربية السعودية السوق، مما أجبر روسيا في نهاية المطاف على العودة إلى اتفق أوبك +. (تشكل سياسة أوبك + المتمثلة في زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا استمرارا لهذا الاتفاق). إلى جانب تنسيق أهداف إنتاج النفط، تنطوي العلاقات السعودية الروسية الآن على ترتيبات مالية وسياسية. من منظور المملكة العربية السعودية، تعتبر روسيا موردا محتملا للأسلحة والدولة الكبرى الوحيدة القادرة على ممارسة الضغوط على إيران. الواقع أن روسيا حولت فعليا المفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران إلى رهينة لجهود الكرملين الرامية إلى اكتساب تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا. الحق أن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تأمل المملكة العربية السعودية في أن تعمل كوسيلة تحوط ضد العلاقات المتدهورة مع الولايات المتحدة. فقد أقامت المملكة أيضا علاقات أوثق مع فرنسا والمملكة المتحدة، وخاصة من خلال زيادة مشترياتها من الأسلحة. كما تسعى المملكة العربية السعودية إلى إقامة مشاريع مشتركة مع الصين ودول أخرى لإنتاج بعض أنظمة الأسلحة محليا. في الوقت ذاته، أقامت الولايات المتحدة الحواجز أمام بيع المعدات العسكرية للمملكة العربية السعودية (والإمارات العربية المتحدة)، بينما ترفض تقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي في اليمن، حيث تحاول المملكة وحلفاؤها منع "أنصار الله" الحوثيين من السيطرة على البلد. لا تقدر إدارة بايدن خطورة التهديد الاستراتيجي الذي قد يفرضه على دول الخليج استيلاء "الحوثيين" على اليمن. لم يكن أي من هذا كافيا لجعل المملكة العربية السعودية أكثر قبولا للمناشدات الأميركية. لذا، فمثلما رفضت المملكة تلبية طلب إدارة بايدن بزيادة إنتاج النفط في نوفمبر الماضي ــ وهي محاولة واضحة لخفض الأسعار وبالتالي تحسين فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي هذا العام ــ فمن المرجح أن ترفض طلب بايدن اليوم. عندما يزيد السعوديون الإنتاج، فلن يكون هذا إلا لأنه يصب في مصلحتهم الخاصة. ولن يجازفوا بعزل روسيا من خلال الانحياز إلى جانب أميركا. لكنهم لن يخاطروا أيضا بمستقبلهم الاقتصادي. لقد استوعب قادة المملكة العربية السعودية دورس السبعينيات، عندما أفضى ارتفاع أسعار النفط إلى انخفاض الطلب عليه. الواقع أن آخر ما يريدون هو تحفيز الولايات المتحدة وحلفائها على التعجيل بتبني مصادر الطاقة المتجددة. السؤال الوحيد هو السعر الذي سيكون لديهم عنده الدافع للتحرك.

• برنارد هيكل أستاذ دراسات الشرق الأدنى ومدير "المعهد عبر الإقليمي للدراسات المعاصرة حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى" بجامعة برنستون.