لماذا أربك الانسحاب من أفغانستان الغرب وتوجس منه؟

08 سبتمبر 2021
08 سبتمبر 2021

بعدما حددت الولايات قرار انسحابها من أفغانستان في أواخر الشهر الماضي، اعتبرت القرار كما جاء من الرئيس الأمريكي بايدن مسألة منتهية لها لا رجعة فيها، وأسبابها بحسب التحليلات عديدة سواء كانت بسبب الخسائر البشرية منذ احتلالها عام 2000، أو الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تدفعها أثناء وجود قواتها هناك، أو ما تدفعه إلى الحكومة التي أقامتها بعد طرد طالبان من الحكم عام 2000م، مع أن احتلال أفغانستان كان بمشاركة دولية كبيرة، أغلبها من دول غربية في المعسكر الليبرالي، خاصة من بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وفرنسا وأسبانيا وغيرها من الدول، لكن العبء الأكبر كان على الولايات المتحدة لأنها صاحبة قرار الحرب، وهذا الانسحاب فاجأ الحلفاء الغربيين، الذين ساهموا في هذا الاحتلال بقوات عسكرية، وتعرضوا أيضًا لخسائر كثيرة، فكانت لهم ردات فعل ناقدة للسياسة الأمريكية تجاه الانسحاب، سواء في انفرادها بالكثير من المواقف التي تتخذها دون التشاور معهم، أو قرارات أخرى تجاه السياسة الدولية التي يختلف معها الحلفاء في قضايا بعينها، مع أنهم يقفون معها دون تردد عندما تكون في حاجة إليهم، كونها الأكبر في المعسكر الغربي الرأسمالي.

فالانتقادات الأخيرة تركزت على قضية الانسحاب المفاجئ لأمريكا، وأظهرت أن هذا الخروج غير المعد وغير المرتب لما بعد هذا الانسحاب لما ما بعده مستقبلاً، وهذا ما فسر أنه خروج لعدم القدرة على مواجهة طالبان في حرب العصابات، وهزيمة واضحة لعدم قدرتها على الصمود وعدم نجاح كامل للبقاء في أفغانستان لمدة أطول، وضمن الاستراتيجية الغربية، كما اعتادت عليه في حروب سابقة، بمواجهة استراتيجيات أخرى مضادة كالصين وروسيا في ظل الصراع السياسي والاقتصادي القائم، وربما الطرح الذي يقوله بعض المحللين من الأوروبيين من عودة المارد الإسلامي مستقبلا أكثر قوة خاصة نجاح طالبان والنجاح في الوصول للحكم دون أي مواجهة، مع تنامي قوة تركيا في المجال التكنولوجي والاقتصادي بل والعسكري. فالتخوف الأوروبي كان كبيرًا مما يحدث في هذه الدولة ذات الموقع المهم، بل الاحتكاك القديم مع قوى كبيرة في المحيط الآسيوي المتقدم الآن والناجح صناعيًا، وهذا ما اعتبروه سياسات خاطئة من الولايات المتحدة في خروجها دون التشاور معهما، والذي زاد من تخوفهم أكثر أن الحكومة الأفغانية التي نصبها الاحتلال من 20 عامًا سقطت بمجرد اقتراب الاحتلال من كابول وقبل حتى خروجها من كابول، وهذا السقوط يبرز الانهيار السياسي للحكومة التي نصّبها الاحتلال، مع أن الفارق كبير للقوة العسكرية التي تزداد بما يزيد عن النصف في سواء في القوة العسكرية، أو عدد الجيش والشرطة.

ولا شك أن الأوروبيين من خلال تصريحاتهم وانتقاداتهم في الفترة الماضية انصب على خطوة الانسحاب وعدم التخطيط المسبق لما قد يحدث بعد الانسحاب وآثاره السياسية والاستراتيجية المقبلة، وهذا ما جعل أحد المحللين السياسيين البريطانيين« جوناثان ماركوس» يرى أن هذا الانسحاب هزيمة كبيرة، ويقول: «وبالرغم من أن هناك من ينظر إلى قرار الانسحاب والهروب من أفغانستان على أنه ضربة مروعة لمصداقية الولايات المتحدة: مصداقيتها بوصفها شريكًا، ولمكانتها الأخلاقية في الشؤون العالمية، فإن هذا لا يتوافق مع صرخة بايدن الواضحة عند توليه منصبه، أن أمريكا عادت إلى الساحة العالمية؟ إن الولايات المتحدة -بل الغرب بشكل عام- منخرط في العديد من الصراعات، ولكنه ليس الرابح الصريح. وقد يكون الانهيار الأفغاني كارثة، في الحرب التي عرفت باسم الحرب على الإرهاب. لكن لا يمكن النظر إلى فشل واشنطن في الصراع الأوسع بين الديمقراطية والاستبداد، إلا على أنه نكسة خطيرة».

لكن هذا التحليل الناقد ينظر بنظرة أوروبية للخطر الذي قد ينجم لما بعد الانسحاب من خلال وجود الصين مستقبلا في هذا البلد المهم جغرافيا، وتنامي القوة الإسلامية، وربما مع التحالف مع الثقافية الكونفوشيوسية الصينية، وهذا ما قد ذكره المفكر الأمريكي/ البريطاني، في كتابه (صراع الحضارات)، وبروز المارد الشرقي -وهذا سيكون له نقاشًا آخر- ولا شك أن هذا الانسحاب الاحتلال الأمريكي مع قوات التحالف الغربي ومن معهم، شكل نكسة كبيرة للاستراتيجيات الغربية، سواء في الحروب الاستباقية، أو في الدخول في حروب نتيجة للتنافس الاقتصادي والسياسي، وهذا ما أسهم في توترات كبيرة، لكن الولايات المتحدة كعادتها لم تدخل في الصراعات الاقتصادية إلا متأخرًا، لكن الأوروبيين كان الأسبق، بل أنهم دخلوا في حربين على النفوذ السياسي والاقتصادي، وهذا ما أدت إليه الحربان العالميتان في القرن العشرين.

وروسيا أيضًا شعرت أن الصين تلقى تجاوبًا من طالبان، وهذا ما جعل تُبعد عن أفغانستان، والأفغان أيضًا لهم تجربة سلبية من احتلالهم لأفغانستان في أواخر السبعينات من القرن الماضي، مما ابتعدوا عن التعاون معهم، لكن روسيا ترى أن انتصار طالبان على التحالف الغربي، مما قد يعطي الدول المجاورة منها إلى التقارب منها ومن الصين لوجود التقارب الديني، وهذا مما قاله الرئيس الروسي في بعض تصريحاته عن مخاطر من وجود النظام الجديد في أفغانستان على الدول الصديقة ـ ويقصد بالدول الإسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفييتي سابقًا. وهناك العديد من التوقعات أن تبدأ الحرب الباردة جديًا مع الصين أو ربما روسيا لو اقتضى الأمر تقاربها مع الصين وبعض الدول الآسيوية في ظل التنافس والصراع الاقتصادي المتوقع خاصة بعد أزمة كورونا التي أثرت على العالم في جانبها الاقتصادي، وهذا ما سيسفر عنه مع تعافي دول العالم من هذا الوباء.

قد أشرت في مقالة سابقة إلى التوقعات المقبلة في زيادة التوترات بين الدول الكبرى، وخاصة مع الصين وروسيا، ومن تبعهم من الحلفاء، وقلت ما نصه «ولا شك أن الصراع الدولي، سيظل قائمًا، ما دامت هذه الدول الكبرى، تنظر إلى قدرة الدول الأخرى بأنه تحد لمكانتها، ويؤثر على سياستها في فرض الأمر الواقع في الكثير من السياسات، وهذه مشكلة سياسية يتعاطى معها بعض السياسيين بأهمية بالغة، إن لم تكن هناك قيم أخلاقية، تحد من الاختلافات الاقتصادية والسياسية في عالم اليوم المضطرب».

ولا شك أن الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة للدول الكبيرة، قد يفتح الباب لصراعات مقبلة، ومنها الظروف الاقتصادية، ومع الانسحاب الغربي من أفغانستان، ربما سيزيد من حدة التوتر خاصة في المجال الاقتصادي، أما التنبؤات التي قالها صامويل هنتجتون في صدام الحضارات، والتوقعات بحدوثها من خلال التحالفات السياسية والثقافية، فلها حديث آخر بإذن الله.