لجنة وطنية لـ«كبار السن»

29 نوفمبر 2022
29 نوفمبر 2022

الأسبوع الماضي جمعني -دون ترتيب مسبق- لقاء بأحد الأصدقاء، الذي تقاعد من عمله الحكومي منذ فترة، وبعد تبادل السؤال عن الحال، بادرته بسؤال: أين أنت الآن؟ أجاب بأسى واضح «في المنزل»، لا أفعل شيئا سوى الذهاب للصلاة في المسجد، ثم الجلوس أمام التلفزيون لمتابعة الأخبار أو أتصفح شبكات التواصل الاجتماعي على الهاتف المحمول. ومن وحي اللحظة تطور الحديث ليدور حول ضرورة وجود جمعية لكبار السن بشكل عام، وليس المتقاعدين فقط، ولماذا لا يكون لدينا هيئة عامة أو لجنة وطنية لكبار السن، على غرار الهيئة العامة للشباب، ومراكز رعاية الطفولة؟

كلما تقدمنا في العمر كلما زاد اهتمامنا بقضايا ومشكلات كبار السن في المجتمع المعاصر. فالبعض منا قد يكون دخل بالفعل في هذه الفئة، كما أن جميعنا مرشح بحكم التقدم في العمر، بالانضمام لفئة «كبار السن» يوما ما، سواء كان هذا اليوم قريبا أو بعيدا.

ورغم الاختلافات الواضحة بين دول العالم في تحديد بداية السن الذي يمكن أن نبدأ فيه بإطلاق تعبير «كبير السن» على الشخص فإن هناك اتفاقا، غير مكتوب، أن سن الستين تحديدا، وهو سن التقاعد الرسمي من الوظائف الحكومية، هو سن انضمام الفرد إلى فئة «كبار السن»، وبالتالي حرمانه من ناحية من تقلد الوظائف والمناصب العامة، كما يحدث في بعض الدول، وتمتعه من ناحية أخرى بالمزايا الاجتماعية والاقتصادية التي توفرها أنظمة الضمان الاجتماعي في العديد من دول العالم، مثل الرعاية الصحية الشاملة والاستخدام المجاني للمواصلات والخدمات الحكومية.

ورغم أن الغالبية العظمى من قادة الدول وكبار المسؤولين فيها من «كبار السن»، فإن الاهتمام برفاهية هذا الفئة غائب إلى حد كبير في معظم دول العالم، في الوقت الذي يجب أن تكون الفئة أو على الأقل من الفئات الأولى بالرعاية بعد كل ما قدمه أفرادها لمجتمعاتهم من جهود على مدى سنوات طويلة. وينصرف الاهتمام في معظم دول العالم إلى فئات الأعمار الأصغر خاصة فئتي الشباب والأطفال.

ومع تسليمنا بأهمية الفئتين في مستقبل الدول والأوطان، فإن الاهتمام بهما لا يمنع على الإطلاق من الاهتمام بكبار السن، إذ إن هؤلاء الأطفال والشباب سوف تتقدم أعمارهم، ثم سوف ينتقلون يوما ما مثل من سبقوهم إلى فئة كبار السن، ولذلك يجب أن يطمئنوا إلى أن المجتمع الذي يريد منهم الإبداع والعمل سوف يكون رحيما بهم مثلما كان رحيما بأجدادهم وآبائهم. من هنا قد يبدو غريبا أن يكون لدينا مراكز ومجالس ولجان وهيئات وطنية للأطفال والشباب ولا يكون لدينا هيئات مماثلة تعني بقضايا ومشكلات كبار السن. فالمجتمع الذي لا يُحسن لشيوخه لن يكون قادرا بالتأكيد على القيام على شؤون صغاره وشبابه.

قد تكون مجتمعاتنا العربية والإسلامية أكثر حظا فيما يتعلق بقضايا ومشكلات كبار السن، إذ لا يعاني أجدادنا وآباؤنا من أهم مشكلة يعاني منها نظراؤهم في المجتمعات الغربية، وهي مشكلة العزلة الاجتماعية. إذ غالبا ما يبقى كبار السن لدينا مع أسرهم وأبنائهم ولا ينفصلون عنهم ويتركونهم وحدهم. صحيح أن هناك حالات استثنائية، ولكن غالبا لا يترك الأبناء آباءهم يعيشون وحدهم، بدوافع عديدة على رأسها بالطبع التقرب إلى الله بعبادة بر الوالدين التي أوصى بها وشدد عليها الإسلام. ولا يمكن مقارنة المجتمعات العربية بالمجتمعات الرأسمالية التي تعاني من الشيخوخة، ومنها على سبيل المثال المجتمع الأسترالي، الذي يمثل مواطنوه فوق سن الخمسين عاما نحو ثلث عدد السكان، يعيش 30 بالمائة منهم بمفردهم وبعيدا عن أسرهم، وهو ما يؤثر بالسلب على الصحة العامة ومستوى الرفاهية.

إذا كان الأمر كذلك في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وفي المجتمع العُماني على وجه التحديد، فلماذا ندعو، إذن، إلى أن يكون لدينا هيئة عامة لكبار السن؟

واقع الحال أن هناك خدمات قد لا يستطيع الأبناء الوفاء بها لآبائهم في ظل هذا العصر ونمطه المتسارع، وتعقد الحياة، وزيادة المسؤوليات الملقاة على عاتق الأبناء في بناء أسرهم ورعايتها، بالإضافة إلى التغيرات الاجتماعية التي لحقت بالمجتمع في السنوات الأخيرة والتحول من الأسرة الممتدة التي يعيش جميع أفرادها معا في منزل واحد إلى الأسر النووية (الصغيرة) التي تسكن المدن المكتظة وتعيش في وحدات سكنية صغيرة المساحة. من هنا تأتي مسؤولية الدولة في القيام بواجباتها تجاه أبنائها الذين أفنوا حياتهم في خدمتها، لكي تتولى بنفسها تأمين بعض الخدمات الأساسية التي كان يؤمنها الأبناء قبل هذا التحول.

الحقيقة أن الخدمات التي يمكن أن تقدمها هيئة عامة أو لجنة وطنية لكبار السن كثيرة، وربما يتم تحديدها من خلال استطلاع وطني للرأي العام أو استطلاع رأي أصحاب الشأن، أي عينة ممثلة لكبار السن. ومع ذلك فإن النظر في تجارب الدول الأخرى في هذا المجال قد يساعد في تحديد الأعمال والخدمات الملحة التي يمكن أن تبدأ بها الهيئة أو اللجنة.

لا يمكن بالتأكيد تجاهل الخدمات التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية لكبار السن «المسنين» كما تسميهم الوزارة، وتسميهم وزارات مماثلة في دول أخرى «كبار المواطنين». ولكنها تبقى خدمات محدودة، ولا تخرج عن كونها بعض الأساسيات القائمة منذ سنوات. ووفقا للموقع الإلكتروني للوزارة تشمل هذه الخدمات «برنامج تقدير» ويلقي بالمسؤولية على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع بتقديم الرعاية الاجتماعية والصحية والنفسية لحالات المسنين في منازلهم ومحيطهم العائلي والاجتماعي، تقديرا لوضعهم الصحي والنفسي، واعترافا بدورهم في خدمة المجتمع أثناء مسيرتهم الحياتية، ودار الرعاية الاجتماعية بالرستاق التي تأوي المسنين والعجزة الذين لا يوجد لديهم معيل من أقاربهم يقوم برعايتهم التي تم افتتاح مبناها الجديد في يناير 2015، ومشروع جلساء المسنين الذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار الصحي والنفسي والاجتماعي للمسنين من خلال العناية الصحية المنزلية من قبل جلساء مختصين، بالإضافة إلى التوجه الذي لا نعرف إذا ما كان قد تم تنفيذه أم لا، إلى تحويل المجالس العامة «السبلات» إلى نواد للمسنين، تساعد في إخراجهم من حالة العزلة الاجتماعية والانطواء، وتثري دورهم في المجتمع.

وتقدم الوزارة أيضا كما يقول موقعها الإلكتروني «البرنامج الوطني للرعاية المنزلية للمسنين»، بالتعاون مع وزارة الصحة. وتتولى الوزارة من خلال هذا البرنامج تقديم وسائل الدعم الحياتي وتهيئة المنزل وفقا لحاجة المسن وتمكين وتدريب الأسرة على رعاية المسن، وتوفير الجليس أو الأسرة البديلة.

السؤال الآن هل تكفي هذه الخدمات التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية لكبار السن في تلبية احتياجات الأجداد والآباء المتزايدة في هذا السن، والذين من المتوقع أن يشكلوا «بحلول عام 2050 نحو 20 بالمائة من إجمالي سكان سلطنة عمان»، نتيجة انخفاض معدلات الوفيات، وارتفاع متوسط العمر في ظل تحسن الخدمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية.

في تقديري وتقدير آخرين أيضا أن اهتمام سلطنة عمان المتواصل، وطوال عهد النهضة المستمر، بتنمية الإنسان يحتاج الآن إلى أن نضيف إليه توجيه مزيد من الاهتمام لكبار المواطنين، وذلك عبر مبادرة وطنية بإنشاء هيئة عامة أو لجنة وطنية، تقوم بدراسة أوضاع واحتياجات هذه الفئة الاجتماعية والصحية والاقتصادية وحتى الإعلامية والاتصالية، ومن ثم تقديم خطط عمل قصيرة وطويلة المدى لتلبية تلك الحاجات دون إرهاق وزارة التنمية الاجتماعية بها.