كيف سوت إسرائيل ولبنان حدودهما البحرية؟

12 نوفمبر 2022
12 نوفمبر 2022

ترجمة : أحمد شافعي -

في الأسبوع الماضي، وقعت إسرائيل ولبنان، وهما بلدان يعتبر أحدهما الآخر على المستوى الرسمي بلدا معاديا، اتفاقية لتسوية نزاعهما الحدودي البحري القديم. وفي حين أن هذه الاتفاقية ليست بالقطع في مثل أهمية معاهدات السلام بين إسرائيل ومصر أو الأردن، أو الاتفاقيات الإبراهيمية التي طبّعت علاقات إسرائيل بالإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، فإن هذه الاتفاقية الأخيرة تقلل التوترات في المنطقة وتتيح فرصة لخروج لبنان من انهياره الاقتصادي وفوضاه السياسية.

ومن أجل فهم هذه الاتفاقية، من المهم أن نفرق بين نوعين من المناطق البحرية من وجهة نظر القانون الدولي.

تشمل الفئة الأولى المياه الإقليمية ذات السيادة التي تمتد لاثني عشر ميلا من الساحل، والدول لها سيادة على مثل هذه المياه كالسيادة على الأرض.

الفئة الثانية هي المناطق الاقتصادية الخالصة (EEZ) التي تبدأ بعد اثني عشر ميلا من ساحل بلد ما وتمتد حتى مائتي ميل من الساحل (ما لم تصادف المنطقة من هذه الفئة منطقة مماثلة تابعة لدولة أخرى).

نشأ مفهوم المياه الاقتصادية في القانون البحري الدولي على هيئة مجموعة مبادئ تقسم الدول على أساسها حقوق التنقيب ومنافع الموارد التي يتم العثور عليها تحت المياه، مثل مناطق صيد السمك، وموارد الطاقة، والمعادن.

حتى العقد الأول من القرن الحالي، لم تنشأ حالة طارئة تدعو دول شرق البحر المتوسط إلى تعيين حدود مناطقها الاقتصادية الخالصة. غير أن الأمر بات أشد إلحاحا بعد اكتشافات حقول غاز طبيعي هائلة تحت مياه إسرائيل ومصر وقبرص، وعلى أرجح الظنون لبنان أيضا.

في 2007، قامت إسرائيل منفردة بتعيين حدودها البحرية الإقليمية مع لبنان بعلامات طافية بناء على فهم للقانون البحري الدولي. من جانبه، أعلن لبنان عن رغباته في ما يتعلق بحدوده البحرية فجاءت مؤلفة من المواضع القصوى.

ثم حدث لاحقا في عام 2010 أن توصلت إسرائيل وقبرص ـ وقد اكتشف أيضا حقل غاز طبيعي هائل في مياههما ـ إلى اتفاقية لترسيم حدود مياههما الاقتصادية الخالصة. وبالمثل توصلت قبرص ولبنان إلى اتفاقية بينهما في عام 2007 (وإن لم يصدِّق عليها لبنان بعد).

كانت هذه التطورات الدبلوماسية السريعة نتيجة لفهم مباشر لأن مياه شرق المتوسط تخفي موارد هيدروكربونية كبيرة، وأن الاستفادة الكاملة منها تستوجب تسوية القضايا الحدودية.

بعد أن قامت قبرص وإسرائيل من ناحية، وقبرص ولبنان من ناحية أخرى، بتسوية الحدود البحرية، بقي النزاع القائم في هذا المثلث المتوسطي هو الحدود بين إسرائيل ولبنان. وعلى مدار الأعوام الاثني عشر الماضية أجرى البلدان مفاوضات غير مباشرة بقيادة الولايات المتحدة.

على مدار أكثر من عقد، عجزت إسرائيل ولبنان عن الوصول إلى اتفاقية بشأن هذه الحدود. فما الذي جعل التوصل إليها ممكنا الآن؟ يبدو أن إجابة هذا السؤال تتعلق بثلاثة عناصر أساسية توافرت في الوقت المناسب.

أولها يتعلق بالاختبار الأولي الذي شهدته السنوات الأخيرة إلى الشمال من الحدود القائمة حاليا، والذي كشف عن حقل غاز كبير، أغلبه يقع في الجانب اللبناني. وفي حين لم يحرز لبنان أي تقدم في تطوير موارده من الغاز، أحرزت إسرائيل تقدما هائلا بإقامة منصات بحرية لتستفيد من الحقول العديدة في منطقتها الاقتصادية الخالصة.

ثانيا، يمر الاقتصاد اللبناني بحالة فوضى شاملة، والجمود السياسي في البلد يحول دون تشكيل حكومة قادرة على توفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها. بات انقطاع التيار الكهربائي في لبنان القاعدة لا الاستثناء، وثمة نقص مزمن في منتجات أساسية من قبيل الطعام والنفط، والنظام المصرفي معطل.

فلا عجب إذن أن يتلهف لبنان على بدء استغلال موارده الطبيعية التي يرجو أن تكون في انتظاره تحت سطح البحر. ومن شأن هذا أن يغير قواعد اللعبة بالنسبة لاقتصاد لبنان ووضعه السياسي المتقلب داخليا وإقليميا.

ثالثا، قامت إدارة بايدن بتعيين مبعوث جديد للطاقة في المنطقة، هو عاموس هوشستين الذي بذل جهودا كبيرة في إطلاق المحادثات. وحظي بثقة الجانبين اللبناني والإسرائيلي واستطاع أن يكسر جمودا استمر لعشر سنين بإجرائه دبلوماسية مكوكية بين بيروت وتل أبيب وواشنطن.

ابتكر هوشستين صيغة تسوية أمريكية، اتبعت الموقف الإسرائيلي من المياه ذات السيادة واستجابت لاحتياجاتها الأمنية من جانب، لكنها من جانب آخر تقوم على الموقف اللبناني من المياه الاقتصادية الخالصة، وبذلك تمكِّن بيروت من إحراز تقدم وتحيي أملها في الإنتاج والاستفادة من حقلها قانا.

من وجهة نظر أمنية، نالت إسرائيل ما تمنت: وذلك هو ترسيم الحدود مع لبنان واعتراف لبنان بمياه إسرائيل الإقليمية ذات السيادة.

من وجهة نظر اقتصادية، تتسق الاتفاقية مع رغبة لبنان في الاستحواذ على المياه حتى الحدود المعروفة بالخط 23.

إضافة إلى ذلك، سوف يتم تعويض إسرائيل، في حالة إنتاج غاز من حقل أغلبيته لبنانية، حقل لم يتأكد بعد احتواؤه على احتياطيات من الغاز ذات أحجام تجارية. وسوف يتحدد حجم هذا التعويض وشروطه من خلال التفاوض بين إسرائيل وشركة توتال الفرنسية المالكة لحقوق التنقيب في حقل الغاز اللبناني.

في إسرائيل، قوبلت الاعتراضات السياسية على الاتفاقية برفض من المحكمة الإسرائيلية العليا وتم توقيعها وفقا لما كان مخططا.

الاتفاقية الحالية ليست معاهدة سلام، وما أبعدها عن هذا، غير أن حزب الله أراد ألا يبدو أنه القوة التي تسحق أمل الشعب اللبناني في مستقبل اقتصادي أفضل فأعلن زعيمه حسن نصر الله أنه سوف يحترم أي اتفاقية يتوصل إليها لبنان.

في النهاية، تسوية الحدود البحرية صفقة مربحة لكل من تل أبيب وبيروت. فقد قللت إسرائيل الخطر الذي يهدد أحد أصولها الاقتصادية الأساسية (حقل كاريش للغاز الطبيعي) ووقعت اتفاقية ثنائية مع دولة معادية، وذلك منجز دبلوماسي في حد ذاته. وبوسع لبنان أن يعمل من أجل تحقيق أمله في إدخال تحسين هائل على مصير شعبه. فضلا عن أن استقرار لبنان يصب في مصلحة إسرائيل أيضا.

إضافة إلى ذلك، يمثل تزايد دور الولايات المتحدة وفرنسا في المنطقة اللبنانية تطورا إيجابيا، ومن يدري، وقد أصبحت هناك سابقة الآن لترسيم الحدود البحرية وانكسر الجليد، فلعل هناك إمكانية أكبر لاتفاقية مستقبلية على الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، ولو أن ذلك لم يزل يبدو بعيد المنال.

آرثر كول سفير متقاعد، وخبير في معهد (مير يام).

عن ناشونال إنتريست ترجمة خاصة بجريدة «عمان»