كيف ستغير التكنولوجيا الحيوية المجتمع؟

21 يناير 2023
21 يناير 2023

ترجمة عن الروسية: يوسف نبيل -

«في منتصف الغرفة طاولة تشريح كبيرة. يوجد صندوق زجاجي بجانب الطاولة، وفيه قلب بشري ينبض وثمة أنابيب ممتدة من هذا القلب إلى البالونات. التفتت لوران جانبًا وفجأة رأت شيئًا جعلها ترتجف كما لو بأثر صدمة كهربائية. رأت رأسًا بشريًا يحدق فيها... رأسًا بلا جسد.

رُبِط بلوح زجاجي مربع، ودُعِّم اللوح بأربعة أرجل معدنية لامعة وطويلة، وامتدت الأنابيب من الشرايين والأوردة المقطوعة، عبر فتحات في الزجاج، متصلة أزواجًا، إلى اسطوانات زجاجية. خرج أيضًا أنبوب سميك من البلعوم متصل باسطوانات كبيرة. أُعدِّت الاسطوانة بصنابير ومقاييس ضغط وأدوات أخرى غير مألوفة للوران. نظر الرأس باهتمام وشجن إلى روان، وهو يرمش بجفنيه. بدا أنه ليس هناك أي شك في أن الرأس يعيش حياة مستقلة وواعية، منفصلا عن الجسد». كما يمكن أن تكونوا قد خمنتم بالفعل، هذا المقتطف من بداية رواية «رأس البروفيسور دويل» للكاتب ألكسندر بيليايف. تسعى حياتنا دائمًا إلى اللحاق بركب الخيال، بل وتجاوزه. مؤخرًا نشر جراح الأعصاب سيرجيو كانافيرو مقالا بعنوان: «من الممكن تقنيًا زرع دماغ كامل في الإنسان». صحيح أن المقال نُشِر في مجلة Surgical Neurology International، ولكن كانافيرو نفسه كان محرر المجلة، وهو يُعتبر بشكل عام شخصية مثيرة للجدل. يعود ذلك إلى أنه نشر قبل سبع سنوات مقالا ادعى فيه أنه سيكون من الممكن زرع الرأس (بالكامل) في جسد آخر. زرع الرأس ، كما نفهمه، هو «مرحلة وسيطة» في الطريق إلى زراعة الدماغ. بعد ذلك. وصف العلماء الجادون فكرة كانافيرو بأنها «مناهضة للعلم». ومع ذلك، فقد دعمه أحد الزملاء الصينيين الذي أكد أن عملية زرع الرأس سهلة، وإن كان الحديث في هذا الوقت يدور عن الجثث التي لا تهتم كثيرًا بما ينقلونه إليها. في الواقع ظهرت إشكالية زرع الدماغ (وإن كانت في شكل خيالي) بسبب حقيقة أن العلم الحديث لم يقترب حتى من مشكلة منع شيخوخة الأعضاء البشرية، ولا حتى من عكس مسار عمليات شيخوخة الأعضاء البشرية بالكامل في كائن حي واحد. في الوقت نفسه، يتسم البعض بعناد خاص في رغبتهم في خداع الطبيعة وتحقيق، إن لم يكن الخلود، فعلى الأقل مد طول الحياة دون فقدان الجودة (أي بدون الشيخوخة). يتّبع أحدهم المسار البسيط ويأخذ جميع أنواع «مضادات الأكسدة» وغيره يتناول حبوب «الحؤول دون الشيخوخة» وثالث ينقل «دماء شابة» إلى جسده، ورابع يتخيل علم التجميد (يتجمد لمدة مائة عام، ثم يستيقظ في مكان رائع جديد). يوجد اتجاه منفصل أيضًا يتمثل في أنصار CRISPR وهم يعتقدون أن تحرير الجينوم و«إزالة الجينات غير المرغوب فيها» يمكن أن يؤدي في حد ذاته إلى نتائج جيدة. هناك أيضًا مشاريع خيالية جدًا مثل إعادة إنشاء أشخاص أذكياء يقطعون مسافة ما في شكل ذكاء اصطناعي خالد. على سبيل المثال، مات جدك، لكن دماغه يعيش «في الكمبيوتر» ويستمر في تعليمك كيف تعيش وماذا عليك أن تفعل.

مع ذلك، فإن فكرة أخذ دماغ من كبار السن وزرعها في جسم أصغر تبدو جذابة في حد ذاتها؛ خاصة إذا كان لديك جسد شاب «مطيع» لا يحتاج إلى عقول خاصة تديره. قد يظهر استنساخ بشري يُهيّأ خصيصًا لعمليات الزرع هذه. يقولون إنهم يعملون على ذلك أيضًا. ربما في بعض «مختبرات البنتاجون البيولوجية السرية» الأخرى.

هناك اتجاه آخر واقعي تمامًا في التكنولوجيا الحيوية، مبني على الطباعة الحيوية. خلاصة القول هي أنه يمكن طباعة العضو المصاب أو الفاشل على طابعة ثلاثية الأبعاد.

سيساعد ذلك أولا في حل مشكلة التبرع. في البلدان المتقدمة، لا يوجد أكثر من 6000 متبرع سنويًا لنحو مائة ألف حالة في حاجة إلى زراعة الأعضاء، مما يُوفِّر حوالي 8000 عضو. يتجاوز عدد المتوفين الذين وافتهم المنية قبل أن يجدوا متبرعًا الرقم الأخير. لم أطلع على إحصاءات روسية مفصلة حول هذا الموضوع، ومع ذلك، بصرف النظر عن زراعة الكلى (أكثر أنواع الزرع انتشارًا)، تواجه حالات زرع الأعضاء الأخرى في بلادنا الإشكالية ذاتها.

يود أصحاب الطباعة الحيوية لو يتمكنوا من إيقاف تعذيب الحيوانات عند اختبار العقاقير وطرق العلاج، بحيث تتم الاختبارات على نظائرها المطبوعة. بالطريقة نفسها تمامًا، من الممكن تحديد طرق علاج الأورام التي صارت أكثر تخصصًا، وفقًا للنظرية التي صارت أكثر شيوعًا بين أطباء الأورام بأن كل شخص لديه «سرطانه الخاص» (الآن يجري العمل على علاج مرضى السرطان على فئران مختبرية تم استزراعها خصيصًا). يمكن أيضًا أن يكون المتبرعون بالأعضاء المزروعة صناعيًا خنازير قريبة من البشر من حيث التوافق الحيوي. هناك بالفعل بعض التقدم في الطباعة الحيوية للجلد الصناعي والغضاريف والقصبة الهوائية والعظام وأجزاء من الأذن وصمامات القلب، بل وحتى المثانة. تفضي بنا التنبؤات حول إنشاء وطباعة أعضاء أكثر كفاءة مثل القلب، بما في ذلك من الخلايا الجذعية للمريض، إلى الأمام كاملا. فيما يتعلق بتحقيق الاستبدال الكامل لجسم الإنسان، فإن هذا هو ما يسعون إلى تحقيقه في منتصف القرن الحالي.

يثير كل ذلك بالطبع الأسئلة حول الأخلاقيات البيولوجية ذات الطابع الاقتصادي والسياسي. يمكن للتمديد الكبير المحتمل للحياة في حد ذاته، خاصة إذا اقترن على الأقل بتباطؤ في عملية الشيخوخة، أن يصير ثورة حضارية حقيقية لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية.

أولا ستظهر مسألة توافر التقنيات الحيوية الجديدة لممثلي الطبقات الاجتماعية المختلفة. من الواضح أنها لا يمكن أن تكون متساوية وعادلة. على الأقل حتى تنتشر هذه التقنيات وتصير رخيصة نسبيًا. سيتعين علينا أيضًا مراجعة مفاهيمنا عن فترة النشاط العمرية وفترة العمل ومرحلة الجنسانية والإنجابية. أخيرًا، بالأمس (بالمعنى التاريخي) كان السياسيون في الستينات والسبعينات يعتبرون من قدامى المحاربين، واليوم لا يعتقد الناس مثل بايدن على الإطلاق أن الوقت قد حان بالنسبة لهم للتقاعد على الفور. سيزيد مفهوم «حكم الشيخوخة» عمرًا ، ربما من خلال تجاوز خط 100-120 سنة. ستتغير آلية نقل المعلومات من جيل إلى جيل بشكل أقوى، وهو الأمر الذي إليه انتبه بيوتر كابيتسا. في السابق تمكن الجيل السابق من نقل تجربته إلى الجيل الجديد بكميات كاملة تقريبًا أو أقل. اليوم تصبح هذه التجربة قديمة بشكل أسرع بكثير من تغيير الأجيال. لقد صار التقدم التكنولوجي سريعًا للغاية ولم يعد «النضج» الاجتماعي للبشرية قادرًا على مواكبة هذا التطور بدرجة متزايدة. في المستقبل القريب ستتعايش عدة أجيال في آنٍ واحد، ليس فقط من بُنى تكنولوجية مختلفة، ولكن من «حضارات» مختلفة أيضًا.

ستكون التناقضات أقوى أيضًا بين المديرين والسياسيين الذين ما زالوا نشطين في أعمارهم (ستكون أعلى)، من ناحية، والأجيال الشابة، بأفكارها عن الرائع والصائب/المناسب. ستقل درجة اتفاقهم وستزداد هذه الصراعات حدة إذا تمكن «كبار السن» الأثرياء وذوو النفوذ من الوصول إلى أحدث التقنيات الحيوية في حين لم يتمكن الشباب من ذلك. ستبدو المشاكل المرتبطة بالتفاوت الاجتماعي والممتلكات والتباين العرقي في الماضي زهورًا بالمقارنة مع عدم المساواة «التكنولوجيا الحيوية» (البيولوجية).

قد يفكر أيضًا حاكم ما - لا قدر الله - في زرع أدمغة رفاقه في السلاح وعقولهم في أجساد شباب أقوياء وأصحاء لكن فقراء. سيُقبض عليهم لهذا الغرض في غابات البراري، أو ربما يستزرعونها من أنابيب اختبار.

أما بالنسبة لنا، نحن من نعيش في مساحات مفتوحة واسعة في بلادنا، فإن الأمر أسهل بكثير. أولاً، لن نعيش لنرى كل ذلك. بهذا المعنى، فإن أي تأخر تقني له مميزاته، وبالتأكيد لن يشاركونا هذه التقنيات. ثانيًا، لدينا مشاكل مختلفة تماما على جدول الأعمال، عسى أن يساعدنا الله على حلها!

جيورجي بوفت خبير سياسي ورئيس تحرير سابق لصحيفة ازفستيا الروسية