كوريا الشمالية والخطر النووي

21 مارس 2023
21 مارس 2023

هناك مقولة هل يعيد التاريخ نفسه، وتنطلق المواجهة النووية في آسيا، كما كان الحال عام ١٩٤٥م عندما كانت المدينتان اليابانيتان هيروشيما ونجازاكي هدفا للقنابل النووية الأمريكية لأول مرة في التاريخ.

التاريخ بالتأكيد لا يعيد نفسه، ولكن آليات إحداثه تتشابه وتتشابك ولعل أحد النماذج المشهودة هو الغزو السوفييتي لأفغانستان في نهاية عقد السبعينيات من القرن الماضي، وبعد ذلك بعقود تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بغزو أفغانستان مع اختلاف الأسباب الاستراتيجية لكل من واشنطن وموسكو. ومن هنا فإن المشهد السياسي الحالي يقول إن خطر اندلاع الحرب النووية قد تكون ساحته الأساسية أوكرانيا وروسيا الاتحادية ومنهما إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. والسبب يعود إلى الإشارات الواضحة من القيادة الروسية التي لوحت بالخيار النووي إذا هُددت الدولة الروسية على صعيد وجودها الفعلي. كما أن تجميد معاهدة ستارت بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية حول القاذفات الاستراتيجية النووية يعطي مؤشرا على تزايد المخاطر. ومع ذلك فإن نسبة حدوث مواجهة نووية بين واشنطن وموسكو تظل محدودة؛ لأن المواجهة سوف تكون مدمرة. ومع ذلك فإن الخطر النووي الحقيقي في تصوري قد يأتي من آسيا، ومن خلال كوريا الشمالية، حيث إطلاق الصواريخ بشكل متواصل مما سبب قلقا متزايدا على كوريا الجنوبية وأيضا قلق اليابان تحديدا، لأن السلوك السياسي لكوريا الشمالية لا يمكن التنبؤ به في ظل الصراعات الأوسع التي تدور الآن. خاصة على الساحة الأوكرانية. ومن هنا فإن ثمة مخاطر حقيقية تدور في آسيا بين الجارتين الكوريتين اللتين قسمتهما الحرب التي اندلعت عام ١٩٥٠ واستمرت ثلاث سنوات ولا تزال الأوضاع الأمنية على الحدود غير آمنة بين البلدين. ومن المفارقات أن اليابان غيرت إحدى مواد دستورها الذي يقيد أي إستراتيجية للتسلح إلى عزم اليابان على إنفاق عشرات المليارات من الدولارات للتسليح وإيجاد جيش ياباني قوي يكون جاهزا للتحدي الكوري الشمالي، كذلك تستعد كوريا الجنوبية -وهي أحد أقطاب الاقتصاد العالمي- أن تزود جيشها بالأسلحة والغواصات، وقد تتطور الأمور إلى ضرورة وجود سلاح نووي كنوع من الردع للجار الكوري الشمالي. ومن هنا، فإن المشهد السياسي في آسيا يبدو لي أكثر خطورة من المشهد العسكري على الساحة الأوكرانية رغم المؤشرات حول إمكانية استخدام السلاح النووي إذا شعرت القيادة الروسية بأن هناك تهديدا وجوديا للبقاء، وهذا احتمال ضعيف فإدارة الرئيس الأمريكي بايدن لا تريد مواجهة نووية مع موسكو، ولا حتى القيادات الأوروبية. وإن نهاية الحرب الأوكرانية مهما طالت سوف تنتهي على طاولة الحوار من خلال مقاربة سياسية تحقق لروسيا الاتحادية جزءا من مطالبها الأمنية، وفي مقدمتها ضمانات بعدم انضمام كييف إلى عضوية حلف الناتو. وعلى ضوء ذلك فإن الصراع في آسيا خاصة بين الكوريتين هو الأخطر، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية وخلال قمتين مع كوريا الشمالية فشلت في إيجاد حلول تقتضي بنزع سلاح كوريا الشمالية مقابل منافع اقتصادية كبيرة. كما أن الصين وهي عملاق آسيا الاقتصادي لها ارتباط قوي مع بيونج يانج وهي الطرف الذي يعول عليه لمنع أي انفلات يؤدي إلى حرب كارثية بين سول وبيونج يانج وجر حلفاء سول إلى المعركة خاصة اليابان والولايات المتحدة الأمريكية.

صحيح أن إطلاق الصواريخ الكورية القاذفة ينتهي بها الحال إلى البحر، ولكن ذلك يقلق طوكيو وسول ويحفزهما إلى إيجاد منظومة ردع عسكرية، وهو الأمر الذي قد يدخل المنطقة إلى سباق تسلح، وتكون شركات السلاح الأمريكية والغربية هي الرابح الأكبر، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية هي التي شجعت اليابان بشكل خاص على إعادة النظر في مواد الدستور والاستعداد لمواجهة التحدي الكوري الشمالي القريب من محيطها الجغرافي أما فيما يخص كوريا الجنوبية فإن العداء التاريخي بين البلدين لا يزال موجودا والتصريحات الملتهبة بين الجارتين متواصلا عند حدوث عملية إطلاق الصواريخ الكورية الشمالية، ومن الصعب التكهن بما يحدث بين كوريا الشمالية وجارتها كوريا الجنوبية خاصة وأن أحداث الحرب الروسية الأوكرانية تضغط على الأطراف في آسيا وبحر الصين الجنوبي، حيث المواجهة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وهي المواجهة الأكبر خلال ما تبقى من هذا القرن كما أن ما تنتهي إليه الحرب الروسية الأوكرانية سوف تنعكس إيجابا أو سلبا على بقية الصراعات والحروب والخلافات الإقليمية والدولية. إن الصراع الكوري الشمالي والجنوبي لا بد من متابعته بشكل دقيق خاصة، وأن هناك أطرافا إقليمية ودولية متداخلة مع ذلك الصراع. وهنا نتحدث عن حلفاء كوريا الجنوبية، وهما الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وعلى الجانب الآخر فهناك الحليف الأساسي لكوريا الشمالية وهو الصين وأيضا هناك روسيا الاتحادية، حيث إن موسكو ترى في كوريا الشمالية واجهة صراع محتملة ضد الطموحات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي، وهناك تتداخل الصراعات بين الفرقاء، وقد يحدث الأسوأ في آسيا كما حدث قبل أكثر من سبعة عقود، حيث القصف النووي الأمريكي على اليابان كدولة آسيوية أم تبقى الأمور النووية في إطار السيطرة، ومن خلال الدور الصيني الذي أصبح ضرورة دبلوماسية إقليمية ودولية بعد الدور الصيني في مسألة توقيع الاتفاق السعودي الإيراني. ومن خلال الجهد الدبلوماسي العماني والعراقي، كما أن هناك تساؤلا مهما حول المخاوف الكورية الجنوبية واليابانية من تواصل إطلاق التجارب الصاروخية الكورية الشمالية، حيث إن ذلك السلوك العسكري يضغط بقوة على سول وطوكيو بل وحتى على الولايات المتحدة الأمريكية.

إن المشهد السياسي في آسيا وخاصة بين الكوريتين هو موقف معقد، وقد تنفلت الأمور بشكل غير متوقع مما يجعل من دور الصين حاسما في ضرورة عودة الحوار السياسي بين سول وبيونج يانج من جديد وإيجاد مقاربة سياسية تبعد شبح المواجهة والحرب التي قد تنزلق إلى ما هو أبعد من الحرب التقليدية التي تجري حاليا على الأراضي الأوكرانية.