قانون الإعلام الجديد.. والحوار المجتمعي

12 مارس 2024
12 مارس 2024

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن قانون الإعلام الجديد الذي تعتزم سلطنة عمان إصداره لتنظيم الإعلام ليكون بديلا لقانون المطبوعات والنشر الذي يعود تاريخ إصداره إلى عام 1984 أي قبل أربعين عاما من الآن تقريبا، بالإضافة إلى عدد من القوانين الأخرى ذات الصلة بالعمل الإعلامي.

وقد أخذ النقاش العام حول مشروع القانون الجديد زخما كبيرا عندما عاد إلى واجهة اهتمامات مجلس الشورى الذي أحال له مجلس الوزراء المشروع؛ للبت فيه بإقراره أو تعديله، ثم إحالته إلى مجلس الدولة أيضا للبت فيه بإقراره أو تعديله. وهذا ما يعني أن أمامنا نحو أربعة أو خمسة أشهر من تاريخ الإحالة للشورى ليعود القانون إلى مجلس الوزراء لإصداره.

منذ شهر تقريبا ناقشت اللجنة المعنية بالإعلام في مجلس الشورى، وهي لجنة الإعلام والسياحة والثقافة مشروع القانون، غير أنها لم تكشف في التقارير الإخبارية التي تناولت الاجتماع أية تفاصيل عن فصول ومواد القانون الجديد مكتفية بالقول إن «مشروع القانون يتضمن ثمانية فصول مقسمة على (61) مادة، فيما تتكفل اللائحة التنفيذية للقانون بتحديد التفاصيل الإجرائية»، وإنه «سيترتب على صدوره إلغاء القوانين التي تحكم الأنشطة الإعلامية، وهي قانون المطبوعات والنشر، وقانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون لعام 2004، وقانون الرقابة على المصنفات الفنية الصادر في عام 1997».

الغموض الذي صبغ التقارير الإخبارية التي نشرت حول الاجتماع الأول للجنة المعنية، استمر في الأخبار التي تناولت ما دار في الاجتماع الأخير الذي استضافت فيه اللجنة منذ أيام قليلة سعادة محمد بن سعيد البلوشي وكيل وزارة الإعلام وعددًا من المسؤولين بالوزارة؛ والذي لم يرشح عنه سوى أقوال عامة لا تدخل في تفاصيل ما جرى نقاشه، واكتفى البيان الإخباري المتشابه الذي وزعته وكالة الأنباء العمانية ونشرته وسائل الإعلام بالقول إن الاجتماع عقد «لمناقشة الاستفسارات والملاحظات الواردة في مشروع قانون الإعلام، والإجابة عن التساؤلات التي طرحها الإعلاميون والمهتمون بالشأن الإعلامي، دون أي إيضاح لتلك الاستفسارات والملاحظات والتساؤلات والإجابات. وحسنا فعل سعادة وكيل وزارة الإعلام عندما أدلى بتصريحات بعد انتهاء الاجتماع أشار فيها إلى ثوابت القانون الذي يأتي -وفقا لسعادته- وليد حاجة حقيقية إلى قانون ينظم العمل الإعلامي ويسهم في تطوير الإعلام بسلطنة عُمان ويخدم الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية وكافة المشتغلين في الحقل الإعلامي بشكله التقليدي والحديث، وهو ما نتفق معه فيه جملة وتفصيلا. وإنه «تم إعداده في ضوء ما تقضي به المادة (35) من النظام الأساسي للدولة، والتي تنص على أن «حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون»، والمادة (37) التي تنص على أن «حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقًا للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الكراهية أو يمس بأمن الدولة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه». وهي تصريحات أراها مبشرة يمكن البناء عليها في إدارة حوار مجتمعي حول القانون الجديد.

واقع الحال إن قانون الإعلام الجديد يدخل في إطار قضايا الشأن العام، ولذلك يجب أن يدخل المجال العام ويكون موضوعا لنقاش مجتمعي يشارك فيه جميع المهتمين بالإعلام والثقافة وعلى رأسهم نخب المجتمع المدني المهنية والأكاديمية مع النخب الحكومية المتخصصة والمعنية بالأمر، خاصة وأنه -أي القانون الجديد- سوف يستمر لسنوات طويلة مثلما استمر سابقه، وسوف يحكم علاقة أجيال جديدة ربما لم تولد بعد بوسائل إعلام جديدة ربما لم يظهر بعضها بعد، وسوف يطبق ضمن سياقات اجتماعية وسياسية ربما متغيرة.

لذلك دعونا نتفق أن الحوار حول مشروع القانون الجديد يستحق الاهتمام والرعاية، ولا يجب أن يقتصر على الغرف المغلقة سواء في وزارة الإعلام أو لجنة الإعلام والسياحة والثقافة في مجلس الشورى، مع تقديرنا لجهودهما، بل يجب أن يخرج إلى الجمعيات المهنية مثل جمعية الصحفيين وجمعية الكتّاب والأدباء والنادي الثقافي، وغيرها، والجامعات سواء التي لديها أقسام لتعليم الإعلام أو ليس لديها، فالقانون الجديد لن يحكم فقط الإعلاميين المحترفين وإنما سيحكم ويتحكم أيضا في عمل كل «مواطن صحفي» يشارك في صناعة محتوى وينشره على الناس، حتى وإن لم يكن إعلاميا.

يسألني طلابي في برنامج الماجستير في الإعلام بجامعة السلطان قابوس عن رأيي في الجدل الذي أثارته بعض التصريحات حول القانون فأمتنع عن الإجابة؛ لأني ببساطة لم أقرأ المشروع الجديد.

نقطة البدء في تقديري يجب أن تكون نشر مشروع القانون كاملا، بأبوابه الثمانية ومواده الإحدى والستين، ولا ضير من إطلاق منصة رقمية للحوار حول القانون تتجمع فيها الآراء وتتابعها لجنة مجلس الشورى. إن إتاحة مشروع القانون للاطلاع العام سوف يشجع جميع المهتمين به للمشاركة في الحوار حوله، وهو حوار سوف يكون مفيدا للغاية لمجلس الوزراء ومجلسي الشورى والدولة، وسوف يشجع جمعية الصحفيين، وجمعية الكتاب والأدباء، والنادي الثقافي، والمؤسسات الإعلامية والثقافية الحكومية والخاصة على تنظيم وعقد جلسات حوارية حول مشروع القانون، بالإضافة إلى عقد جلسات تعريفية بالمشروع في الجامعات مع الزبائن الحقيقيين للقانون الجديد.

لقد سبق أن فعلنا ذلك، عندما تعاون قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس وجمعية الصحفيين العمانية في إصدار أول ميثاق شرف مهني للإعلام في سلطنة عمان. إذ تم عرض مشروع الميثاق، قبل اعتماده من جانب الجمعية وتبنيه، على مختلف الفعاليات المهنية والمسؤولين في وزارة الإعلام. ونستطيع سواء عبر الجمعية الجامعة للإعلاميين أو عبر وزارة الإعلام الأمين على المجتمع والمهنة أن نفعل ذلك مع هذا المشروع الذي سيكون له أثر كبير عل مهنة وصناعة الإعلام في سلطنة عمان. لقد أقمنا حوارا عاما قبل سنوات حول ميثاق أخلاقي غير ملزم، فما بالنا بقانون ملزم سوف يحكم علاقة البشر بوسائل الإعلام ويحكم عمل وسائل الإعلام بكل ما فيها من بشر لسنوات طويلة. أطلقوا سراح المشروع الجديد أثابكم الله. وللحديث بقية.

أ.د. حسني محمد نصر كاتب وأكاديمي مصري