في أي قرنٍ نعيش؟

26 سبتمبر 2021
26 سبتمبر 2021

(إذا كان القرن السابع عشر هو قرن الرياضيات، والقرن الثامن عشر هو قرن العلوم الفيزيائية، والقرن التاسع عشر هو قرن العلوم البيولوجية، فإن القرن العشرين هو قرن الخوف والقلق)

هكذا وصف الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو عصورا سابقة ، فما الصفة التي يمكن أن نطلقها اليوم على القرن الحادي والعشرين ؟ هذا القرن الذي نعيشه .

حين أطلق كامو على القرن العشرين قرن الخوف كان ما زال يعيش تداعيات حربين عالميتين لا يمكن نسيانهما وهو المتوفى في ستينيات القرن الماضي، حربين خلفّتا ما لا يخفى من دمار و شتات، وإعادة صياغة مصالح دولية متباينة، صداقات نفعية وعداوات سياسية مُضمرة، واستنزاف دائم لإنسان ذلك القرن، لكن ترى: هل انحسرت موجة الخوف في القرن الحادي والعشرين؟

هل تجاوز الإنسان استغلاله فكريا واجتماعيا في حروب اقتصادية سياسية ليحتفي بسلام قد يُعرف به هذا القرن؟

هل استطاع إنسانُ هذا القرن النجاة بقيمه الإنسانية من لعبة التجّار السياسيين؟ أم أن الأسماء تغيرت كما تغيرت الأماكن، وبقي الإنسان مادة لصراع القوى الاقتصادية والسياسية ، وطحينا مقهورا لحروبهم المعلنة وغير المعلنة؟

هل تمكن تراكم الوعي الإنساني والقانوني والفكري لقرون سابقة - مع كل مؤسسات المجتمع المدني محليا و إقليميا وعالميا – من النأي بسكان الكوكب بعيدا عن أدخنة الحروب و رمادها ؟ أم أن ما تغير منذ منتصف القرن الماضي حتى اليوم هو محض مسميات وأقنعة ؟ أقنعة عملت بتنظيم محكم وتوجيه مدروس لتضليل وخلخلة الوعي الثقافي لدى شعوب العالم ، إما بتسويق الوهم أو بخلق فزّاعاتٍ اقتصادية و ثقافية، وابتكار أزماتٍ اجتماعية سعيا للسيطرة على إنسان آلي مُنهك؟ ولا تزال حربُ تجار الحروب مستمرة، متخذة أشكالا أخرى متخفيّة، وهي - لا محالة - أطول عمرا وأعتى أثرا.

هل يمكن اعتبار القرن الحادي والعشرين قرنا للسلام وقد بدأ بالهجمات التاريخية على أمريكا وأسطورتها في التمكن الأمني؟ ثم ما تبعها من تداعياتها المستفزة لحركات وتمظهرات إرهابية أخرى في كل من أفغانستان والعراق؟ ثم كل التحولات السياسية والاقتصادية اللاحقة، تغذيها دوافع اقتصادية تنافسية، أو ما يمكن أن يتمخّض عنها من تطرفات فكرية، سواءً فيها ما هو موروثٌ مقنّع، أو مبتدعٌ مصنّع.

وليس بعيدا عن تداعيات الخوف وتفشي القلق تأتي جائحة كورونا و لمّا نتجاوز عتبات العقد الثالث من هذا القرن بعد. هذه الجائحة التي أطاحت كذلك بأساطير التفوق العلمي والتمكن الاقتصادي مُشرعةً بوابةَ العالمِ قريةً مفتوحة على تشارك الرعب والقلق والحزن، واتساع رقعة الفقر والبطالة.

كل ذلك لا يمكنه أن يُغفل بعضَ ضوءِ هذا القرن وألوانَ فرحٍ تشاركناها فيه، بدايةً بالإعلام غير التقليدي عبر وسائل التواصل الاجتماعي الكثيرة، تعزيزا للتواصل متعدد الثقافات عبر تمثّل عالمية قرية التفاعل المفتوحة وثورة المعلومات، مرورا بثورة الذكاء الصناعي وتطبيقاته الجديدة، ومهارات التحول الرقمي الضرورية للتأقلم مع معطيات التحديات الجديدة.

هل يمكن إنكار المنجز خلال عقدين فقط من هذا القرن من تطور في زراعة الأعضاءِ البشرية، واختراعِ الروبوت الطبيب، ثم تطويره عبر الذكاء الصناعي مستفيدين من آلياته بشكل أفضل لخدمة الإنسان؟

هل يمكن تجاوز الإعجاب بمبتكرات مدهشة كطائرة دون طيار، وسيارة ذاتية القيادة ؟ طابعة ثلاثية الأبعاد، ومركبات اقتصادية كهربائية تخفف من عبء القلق حول أزمة ارتفاع أسعار الوقود؟

هل يمكن للطابعة ثلاثية الأبعاد أن تخفى أو تغيب مع قدرتها على صنع أجزاء صناعية تمكن البشر من الحياة بشكل أفضل ؟ !

ثم قبل كل ذلك وبعده: أ يمكن الحكم على هذا القرن سلبا أو إيجابا ولمّا يمر ربعه الأول حتى الآن؟

لا ينبغي تعجل الحكم على قرن كامل من بضع سنوات مثقلة بإرث من حروب وكوارث، ولعلّ من الخير تذكر أن التحولات الكبرى تاريخيا حدثت في أزمنة قياسية نسبيا، ولعلّ هذا القرن المثقل بالكثير في أوله ما زال يحمل لنا خيرا كثيرا جديرا بانتظار وترقب آخره، حريّا بتفاؤل نتلمّس خيوطه مستبشرين بالفرح فيه، متجاوزين صعبه وتحدياته.